ÓõæÑóÉõ ÇáúãõãúÊóÍöäóÉö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ËóáÇóËó ÚóÔóÑóÉó ÂíóÉð تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م) _________________________________ سورة الممتحنة وهي ثلاث عشرة آية مدنية _________________________________ ١{ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن من جملة ما يتحقق به التعلق بما قبلها هو أنهما يشتركان في بيان حال الرسول صلى اللّه عليه وسلم مع الحاضرين في زمانه من اليهود والنصارى وغيرهم، فإن بعضهم أقدموا على الصلح واعترفوا بصدقه، ومن جملتهم بنو النضير، فإنهم قالوا: واللّه إنه النبي الذي وجدنا نعته وصفته في التوراة، وبعضهم أنكروا ذلك وأقدموا على القتال، أما على التصريح وأما على الإخفاء، فإنهم مع أهل الإسلام في الظاهر، ومع أهل الكفر في الباطن، وأما تعلق الأول بالآخر فظاهر، لما أن آخر تلك السورة يشتمل على الصفات الحميدة لحضرة اللّه تعالى من الوحدانية وغيرها، وأول هذه السورة مشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات. المسألة الثانية: أما سبب النزول فقد روي أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى أهل مكة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتجهز للفتح ويريد أن يغزوكم فخذوا حذركم، ثم أرسل ذلك الكتاب مع امرأة مولاة لبني هاشم، يقال لها سارة جاءت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقال عليه السلام: أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: أمهاجرة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك؟ قالت: قد ذهب الموالي يوم بدر ـ أي قتلوا في ذلك اليوم ـ فاحتجت حاجة شديدة فحث عليها بني المطلب فكسوها وحملوها وزودوها، فأتاها حاطب وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا واستحملها ذلك الكتاب إلى أهل مكة، فخرجت سائرة، فأطلع اللّه الرسول عليه السلام على ذلك، فبعث عليا وعمر وعمارا وطلحة والزبير خلفها وهم فرسان، فأدركوها وسألوها عن ذلك فأنكرت وحلفت، فقال علي عليه السلام: واللّه ما كذبنا، ولا كذب رسول اللّه، وسل سيفه، فأخرجته من عقاص شعرها، فجاءوا بالكتاب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعرضه على حاطب فاعترف، وقال: إن لي بمكة أهلا ومالا فأردت أن أتقرب منهم، وقد علمت أن اللّه تعالى ينزل بأسه عليهم، فصدقه وقبل عذره، فقال عمر: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى اللّه عليه وسلم : ما يدريك يا عمر لعل اللّه تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففاضت عينا عمر، وقال: اللّه ورسوله أعلم فنزلت، وأما تفسير الآية فالخطاب في: {ذلك بأن الذين كفروا} قد مر، وكذلك في الإيمان أنه في نفسه شيء واحد وهو التصديق بالقلب أو أشياء كثيرة وهي الطاعات، كما ذهب إليه المعتزلة، وأما قوله تعالى: {لا تتخذوا عدوى وعدوكم} فاتخذ يتعدى إلى مفعولين، وهما عدوي وأولياء، والعدو فعول من عدا، كعفو من عفا، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، والعداوة ضد الصداقة، وهما لا يجتمعان في محل واحد، في زمان واحد، من جهة واحدة لكنهما يرتفعان في مادة الإمكان، وعن الزجاج والكرابيسي {عدوى} أي عدو ديني، وقال عليه السلام: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" وقال عليه السلام لأبي ذر: "يا أبا ذر أي عرا الإيمان أوثق، فقال اللّه ورسوله أعلم، فقال الموالاة في اللّه والحب في اللّه والبغض في اللّه" وقوله تعالى: {تلقون إليهم بالمودة} فيه مسألتان: المسألة الأولى: قوله: {تلقون} بماذا يتعلق، نقول: فيه وجوه الأول: قال صاحب النظم: هو وصف النكرة التي هي أولياء، قاله الفراء والثاني: قال في الكشاف: يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالا من ضميره، وأولياء صفة له الثالث: قال ويجوز أن يكون استئنافا، فلا يكون صلة لأولياء، والباء في المودة كهي في قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} (الحج: ٢٥) والمعنى: تلقون إليهم أخبار النبي صلى اللّه عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم، ويدل عليه: {تسرون إليهم بالمودة}. المسألة الثانية: في الآية مباحث الأول: اتخاذ العدو وليا كيف يمكن، وقد كانت العداوة منافية للمحبة والمودة، والمحبة المودة من لوازم ذلك الاتخاذ، نقول: لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر، والمحبة والمودة بالنسبة إلى أمر آخر، ألا ترى إلى قوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم} (التغابن: ١٤) والنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "أولادنا أكبادنا" الثاني: لما قال: {عدوى} فلم لم يكتف به حتى قال: {وعدوكم} لأن عدو اللّه إنما هو عدو المؤمنين؟ نقول: الأمر لازم من هذا التلازم، وإنما لا يلزم من كونه عدوا للمؤمنين أن يكون عدوا للّه، كما قال: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}، الثالث: لم قال: {عدوى وعدوكم} ولم يقل بالعكس؟ فنقول: العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبة اللّه تعالى ومحبة رسوله، فتكون محبة العبد من أهل الإيمان لحضرة اللّه تعالى لعلة، ومحبة حضرة اللّه تعالى للعبد لا لعلة، لما أنه غني على الإطلاق، فلا حاجة به إلى الغير أصلا، والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة، ولأن الشيء إذا كان له نسبة إلى الطرفين، فالطرف الأعلى مقدم على الطرف الأدنى، الرابع: قال: {أولياء} ولم يقل: وليا، والعدو والولي بلفظ، فنقول: كما أن المعرف بحرف التعريف يتناول كل فرد، فكذلك المعرف بالإضافة الخامس: منهم من قال: الباء زائدة، وقد مر أن الزيادة في القرآن لا تمكن، والباء مشتملة على الفائدة، فلا تكون زائدة في الحقيقة. ثم قال تعالى: {وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا باللّه ربكم إن كنتم خرجتم جهادا فى سبيلى}. {وقد كفروا} الواو للحال، أي وحالهم أنهم كفروا: {بما جاءكم من} الدين {الحق}، وقيل: من القرآن {يخرجون الرسول وإياكم} يعني من مكة إلى المدينة {أن تؤمنوا} أي لأن تؤمنوا {باللّه ربكم} وقوله: {إن كنتم خرجتم} قال الزجاج: هو شرط جوابه متقدم وهو: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وقوله: {جهادا فى سبيلى وابتغاء مرضاتى} منصوبان لأنهما مفعولان لهما، {تسرون إليهم بالمودة} عن مقاتل بالنصيحة، ثم ذكر أنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فقال: {وأنا أعلم بما أخفيتم} من المودة للكفار {وما أعلنتم} أي أظهرتم، ولا يبعد أن يكون هذا عاما في كل ما يخفى ويعلن قال بعضهم: هو أعلم بسرائر العبد وخفاياه وظاهره وباطنه، من أفعاله وأحواله، وقوله: {ومن يفعله منكم} يجوز أن تكون الكناية راجعة إلى الإسرار، وإلى الإلقاء، وإلى اتخاذ الكفار أولياء، لما أن هذه الأفعال مذكورة من قبل، وقوله تعالى: {فقد ضل سواء السبيل} فيه وجهان: الأول: عن ابن عباس: أنه عدل عن قصد الإيمان في اعتقاده، وعن مقاتل: قد أخطأ قصد الطريق عن الهدى، ثم في الآية مباحث: الأول: {إن كنتم خرجتم} متعلق بلا تتخذوا، يعني لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي، {*وتسرون} استئناف، معناه: أي طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي. الثاني: لقائل أن يقول: {ربكم إن كنتم خرجتم} الآية، قضية شرطية، ولو كان كذلك فلا يمكن وجود الشرط، وهو قوله: {إن كنتم خرجتم} بدون ذلك النهي، ومن المعلوم أنه يمكن، فنقول: هذا المجموع شرط لمقتضى ذلك النهي، لا للنهي بصريح اللفظ، ولا يمكن وجود المجموع بدون ذلك لأن ذلك موجود دائما، فالفائدة في ابتغاء مرضاتي ظاهرة، إذ الخروج قد يكون ابتغاء لمرضاة اللّه وقد لا يكون. الثالث: قال تعالى: {بما أخفيتم وما أعلنتم} ولم يقل: بما أسررتم وما أعلنتم، مع أنه أليق بما سبق وهو {تسرون}، فنقول فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإن الإخفاء أبلغ من الإسرار، دل عليه قوله: {يعلم السر وأخفى} (طه: ٧) أي أخفى من السر. الرابع: قال: {بما أخفيتم} قدم العلم بالإخفاء على الإعلان، مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس. هذا بالنسبة إلى علمنا، لا بالنسبة إلى علمه تعالى، إذ هما سيان في علمه كما مر، ولأن المقصود هو بيان ما هو الأخفى وهو الكفر، فيكون مقدما. الخامس: قال تعالى: {ومن يفعله منكم} ما الفائدة في قوله: {منكم} ومن المعلوم أن من فعل هذا الفعل {فقد ضل سواء السبيل} نقول: إذا كان المراد من {منكم} من المؤمنين فظاهر، لأن من يفعل ذلك الفعل لا يلزم أن يكون مؤمنا. ثم إنه أخبر المؤمنين بعداوة كفار أهل مكة فقال: |
﴿ ١ ﴾