٩

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ

وقوله: {بالهدى} لمن اتبعه {ودين الحق} قيل: الحق هو اللّه تعالى، أي دين اللّه:

وقيل: نعت للدين، أي والدين هو الحق،

وقيل: الذي يحق أن يتبعه كل أحد و{ليظهره على الدين كله} يريد الإسلام

وقيل: ليظهره، أي الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالغلبة وذلك بالحجة،

وههنا مباحث:

الأول: {واللّه متم نوره} والتمام لا يكون إلا عند النقصان، فكيف نقصان هذا النور؟

فنقول إتمامه بحسب النقصان في الأثر، وهو الظهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب، إذ الظهور لا يظهر إلا بالإظهار وهو الإتمام، يؤيده قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة: ٣) وعن أبي هريرة: أن ذلك عند نزول عيسى من السماء، قال مجاهد.

الثاني: قال ههنا: {متم نوره} (النور: ٣٥) وقال في موضع آخر: {مثل نوره} وهذا عين ذلك أو غيره؟

نقول: هو غيره، لأن نور اللّه في ذلك الموضع هو اللّه تعالى عند أهل التحقيق، وهنا هو الدين أو الكتاب أو الرسول.

الثالث: قال في الآية المتقدمة: {ولو كره الكافرون} وقال في المتأخرة: {ولو كره المشركون} فما الحكمة فيه؟

فنقول: إنهم أنكروا الرسول، وما أنزل إليه وهو الكتاب، وذلك من نعم اللّه، والكافرون كلهم في كفران النعم، فلهذا قال: {ولو كره الكافرون} ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك، والمراد من الكافرين ههنا اليهود والنصارى والمشركون، وهنا ذكر النور وإطفاءه، واللائق به الكفر لأنه الستر والتغطية، لأن من يحاول الإطفاء إنما يريد الزوال، وفي الآية الثانية ذكر الرسول والإرسال ودين الحق، وذلك منزلة عظيمة للرسول عليه السلام، وهي اعتراض على اللّه تعالى كما قال:

( ألا قل لمن ظل لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب )

( أسأت على اللّه في فعله كأنه لم ترض لي ما وهب )

والاعتراض قريب من الشرك، ولأن الحاسدين للرسول عليه السلام، كان أكثرهم من قريش وهم المشركون، ولما كان النور أعم من الدين والرسول، لا جرم قابله بالكافرين الذين هم جميع مخالفي الإسلام والإرسال، والرسول والدين أخص من النور قابله بالمشركين الذين هم أخص من الكافرين.

﴿ ٩