٣

وقوله تعالى: {ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا} ذلك إشارة إلى قوله: {ساء ما كانوا يعملون} قال مقاتل: ذلك الكذب بأنهم آمنوا في الظاهر، ثم كفروا في السر، وفيه تأكيد لقوله: {واللّه يشهد إنهم لكاذبون}

وقوله: {فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} لا يتدبرون، ولا يستدلون بالدلائل الظاهرة.

قال ابن عباس: ختم على قلوبهم، وقال مقاتل: طبع على قلوبهم بالكفر فهم لا يفقهون القرآن، وصدق محمد صل ىاللّه ليه وسلم،

وقيل: إنهم كانوا يظنون أنهم على الحق، فأخبر تعالى أنهم لا يفقهون أنه طبع على قلوبهم،

ثم في الآية مباحث:

البحث الأول: أنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل، ولم يقل: إنهم ساء ما كانوا يعملون،

فلم قلنا هنا؟

نقول: إن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها جنة، أي سترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون كما مر.

الثاني: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله تعالى: {ثم كفروا ثم}؟

نقول: قال في "الكشاف" ثلاثة أوجه

أحدها: {ءامنوا} نطقوا بكلمة الشهادة، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام {ثم كفروا} ثم ظهر كفرهم بعد ذلك

وثانيها: {ءامنوا} نطقوا بالإيمان عند المؤمنين {ثم كفروا} نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا}

وثالثها: أن يراد أهل الذمة منهم.

الثالث: الطبع على القلوب لا يكون إلا من اللّه تعالى، ولما طبع اللّه على قلوبهم لا يمكنهم أن يتدبروا ويستدلوا بالدلائل، ولو كان كذلك لكان هذا حجة لهم على اللّه تعالى، فيقولون: إعراضنا عن الحق لغفلتنا، وغفلتنا بسبب أنه تعالى طبع على قلوبنا، فنقول: هذا الطبع من اللّه تعالى لسوء أفعالهم، وقصدهم الإعراض عن الحق، فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلة وأهوائهم الباطلة.

﴿ ٣