٩

بم ثم قال تعالى: {ياأيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه...}.

{لا تلهكم} لا تشغلكم كما شغلت المنافقين، وقد اختلف المفسرون منهم من قال: نزلت في حق المنافقين، ومنهم من قال في حق المؤمنين،

وقوله: {عن ذكر اللّه} عن فرائض اللّه تعالى نحو الصلاة والزكاة والحج أو عن طاعة اللّه تعالى وقال الضحاك: الصلوات الخمس، وعند مقاتل: هذه الآية وما بعدها خطاب للمنافقين الذين أفروا بالإيمان {ومن يفعل ذالك} أي ألهاه ماله وولده عن ذكر اللّه {فأولئك هم الخاسرون} أي في تجارتهم حيث باعوا الشريف الباقي بالخسيس الفاني

وقيل: هم الخاسرون في إنكار ما قال به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من التوحيد والبعث.

وقال الكلبي: الجهاد،

وقيل: هو القرآن

وقيل: هو النظر في القرآن والتفكر والتأمل فيه {وأنفقوا مما * رزقناكم} قال ابن عباس يريد زكاة المال ومن للتبعيض،

وقيل: المراد هو الإنفاق الواجب {من قبل أن يأتى أحدكم الموت} أي دلائل الموت وعلاماته فيسأل الرجعة إلى الدنيا وهو قوله: {رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب}

وقيل حضهم على إدامة الذكر، وأن لا يضنوا بالأموال، أي هلا أمهلتني وأخرت أجلي إلى زمان قليل، وهو الزيادة في أجله حتى يتصدق ويتزكى وهو

قوله تعالى: {فأصدق وأكن من الصالحين} قال ابن عباس هذا دليل على أن القوم لم يكونوا مؤمنين إذ المؤمن لا يسأل الرجعة.

وقال الضحاك: لا ينزل بأحد لم يحج ولم يؤد الزكاة الموت إلا وسأل الرجعة وقرأ: هذه الآية، وقال صاحب "الكشاف": من قبل أن يعاين ما ييأس معه من الإمهال ويضيق به الخناق ويتعذر عليه الإنفاق، ويفوت وقت القبول فيتحسر على المنع ويعض أنامله على فقد ما كان متمكنا منه، وعن ابن عباس تصدقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل

وقوله: {وأكن من الصالحين} قال ابن عباس: أحج وقرىء فأكون وهو على لفظ فأصدق وأكون، قال المبرد: وأكون على ما قبله لأن قوله: {فأصدق} جواب للاستفهام الذي فيه التمني والجزم على موضع الفاء، وقرأ: أبي فأتصدق على الأصل وأكن عطفا على موضع فأصدق: وأنشد سيبويه أبياتا كثيرة في الحمل على الموضع منها:

(معاوى إننا بشر فأسجح)

فلسنا بالجبال ولا الحديدا ) فنصب الحديد عطفا على المحل والباء في قوله: بالجبال، للتأكيد لا لمعنى مستقبل يجوز حذفه وعكسه قول ابن أبي سلمى:

( بدا لي أني لست مدرك ماضي ولا سابق شيئا إذا كان جاثيا )

توهم أنه قال بمدرك فعطف عليه قوله سابق، عطفا على المفهوم،

وأما قراءة أبي عمرو {*وأكون} فإنه حمله على اللفظ دون المعنى، ثم أخبر تعالى أنه لا يؤخر من انقضت مدته وحضر أجله فقال: {الصالحين ولن يؤخر اللّه نفسا} يعني عن الموت إذا جاء أجلها

قال في "الكشاف": هذا نفي للتأخير على وجه التأكيد الذي معناه منافاة المنفي، وبالجملة فقوله: {لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم} تنبيه على الذكر قبل الموت:

﴿ ٩