١٩

ثم قال تعالى: {وأهديك إلى ربك فتخشى}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: القائلون بأن معرفة اللّه لا تستفاد إلا من الهادي تمسكوا بهذه الآية، وقالوا: إنها صريحة في أنه يهديه إلى معرفة اللّه، ثم قالوا: ومما يدل على أن هذا هو المقصود الأعظم من بعثة الرسل؛ أمران

الأول: أن قوله: {هل لك إلى أن تزكى} يتناول جميع الأمور التي لا بد للمبعوث إليه منها، فيدخل فيه هذه الهداية فلما أعاده بعد ذلك علم أنه هو المقصود الأعظم من البعثة

والثاني: أن موسى ختم كلامه عليه، وذلك ينبه أيضا على أنه أشرف المقاصد من البعثة

والجواب: أنا لا نمنع أن يكون للتنبيه والإشارة معونة في الكشف عن الحق إنما النزاع في إنكم تقولون: يستحيل حصوله إلا من المعلم ونحن لا نحل ذلك.

المسألة الثانية: دلت الآية على أن معرفة اللّه مقدمة على طاعته، لأنه ذكر الهداية وجعل الخشية مؤخرة عنها ومفرعة عليها، ونظيره قوله تعالى في أول النحل: {أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} (النحل: ٢) وفي طه: {إننى أنا اللّه لا إله إلا أنا فاعبدنى} (طه: ١٤).

المسألة الثالثة: دلت الآية على أن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة.

قال تعالى: {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} (فاطر: ٢٨) أي العلماء به، ودلت الآية على أن الخشية ملاك الخيرات، لأن من خشى اللّه أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، ومنه قوله عليه السلام "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل".

﴿ ١٩