٤

واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه: {إن كل نفس لما عليها حافظ} وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في قوله: {لما} قراءتان

إحداهما: قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع والكسائي، وهي بتخفيف الميم

والثانية: قراءة عاصم وحمزة والنخعي بتشديد الميم.

قال أبو علي الفاسي: من خفف كانت {ءان} عنده المخففة من الثقيلة، واللام في {لما} هي التي تدخل مع هذه المخففة لتخلصها من إن النافية، وما صلة كالتي في قوله: {فبما رحمة من اللّه} (آل عمران: ١٥٩) {إلا قليل} وتكون {ءان} متلقية للقسم، كما تتلقاه مثقلة.

وأما من ثقل فتكون {ءان} عنده النافية، كالتي في قوله: {ما إن * مكناكم} و{لما} في معنى ألا، قال: وتستعمل {لما} بمعنى ألا في موضعين

أحدهما: هذا والآخر: في باب القسم، تقول: سألتك باللّه لما فعلت، بمعنى ألا فعلت.

وروى عن الأخفش والكسائي وأبي عبيدة أنهم قالوا: لم توجد لما بمعنى ألا في كلام العرب.

قال ابن عون: قرأت عند ابن سيرين لما بالتشديد، فأنكره وقال: سبحان اللّه، سبحان اللّه، وزعم العتبي أن {لما} بمعنى ألا، مع أن الخفيفة التي تكون بمعنى ما موجودة في لغة هذيل.

المسألة الثانية: ليس في الآية بيان أن هذا الحافظ من هو، وليس فيها أيضا بيان أن الحافظ يحفظ النفس عماذا.

أما الأول: ففيه قولان:

الأول: قول بعض المفسرين: أن ذلك الحافظ هو اللّه تعالى.

أما في التحقيق فلأن كل وجود سوى اللّه ممكن، وكل ممكن فإنه لا يترجح وجوده على عدمه إلا لمرجح وينتهي ذلك إلى الواجب لذاته، فهو سبحانه القيوم الذي بحفظه وإبقائه تبقى الموجودات، ثم إنه تعالى بين هذا المعنى في السموات والأرض على العموم في قوله: {إن اللّه يمسك * السماوات والارض *أن تزولا} وبينه في هذه الآية في حق الإنسان على الخصوص وحقيقة الكلام ترجع إلى أنه تعالى أقسم أن كل ما سواه، فإنه ممكن الوجود محدث محتاج مخلوق مربوب هذا إذا حملنا النفس على مطلق الذات،

أما إذا حملناها على النفس المتنفسة وهي النفس الحيوانية أمكن أن يكون المراد من كونه تعالى حافظا لها كونه تعالى عالما بأحوالها وموصلا إليها جميع منافعها ودافعا عنها جميع مضارها.

والقول الثاني: أن ذلك الحافظ هم الملائكة كما قال: {ويرسل عليكم حفظة}

وقال: {عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق: ١٨,١٧)

وقال: {وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين} (الإنفطار: ١١,١)

وقال: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} (الرعد: ١١).

وأما البحث الثاني: وهو أنه ما الذي يحفظه هذا الحافظ؟ ففيه وجوه

أحدها: أن هؤلاء الحفظة يكتبون عليه أعماله دقيقها وجليلها حتى تخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا وثانيها: {إن كل نفس لما عليها حافظ} يحفظ عملها ورزقها وأجلها، فإذا استوفى الإنسان أجله ورزقه قبضه إلى ربه، وحاصله يرجع إلى وعيد الكفار وتسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم كقوله: {فلا تعجل عليهم إنما} ثم ينصرفون عن قريب إلى الآخرة فيجازون بما يستحقونه وثالثها: إن كل نفس لما عليها حافظ، يحفظها من المعاطب والمهالك فلا يصيبها إلا ما قدر اللّه عليها ورابعها: قال الفراء: إن كل نفس لما عليها حافظ يحفظها حتى يسلمها إلى المقابر، وهذا قول الكلبي.

واعلم أنه تعالى لما أقسم على أن لكل نفس حافظا يراقبها ويعد عليها أعمالها، فحينئذ يحق لكل أحد أن يجتهد ويسعى في تحصيل أهم المهمات، وقد تطابقت الشرائع والعقول على أن أهم المهمات معرفة المبدأ ومعرفة المعاد، واتفقوا على أن معرفة المبدأ مقدمة على معرفة المعاد، فلهذا السبب بدأ اللّه تعالى بعد ذلك بما يدل على المبدأ.

﴿ ٤