| ٧واعلم أن الملحدين طعنوا في هذه الآية، فقالوا: إن كان المراد من قوله: {يخرج من بين الصلب والترائب} أن المني إنما ينفصل من تلك المواضع فليس الأمر كذلك، لأنه إنما يتولد من فضلة الهضم الرابع، وينفصل عن جميع أجزاء البدن حتى يأخذ من كل عضو طبيعته وخاصيته، فيصير مستعدا لأن يتولد منه مثل تلك الأعضاء، ولذلك فإن المفرط في الجماع يستولي الضعف على جميع أعضائه، وإن كان المراد أن معظم أجزاء المني يتولد هناك فهو ضعيف، بل معظم أجزائه إنما يتربى في الدماغ، والدليل عليه أن صورته يشبه الدماغ، ولأن المكثر منه يظهر الضعف أولا في عينيه، وإن كان المراد أن مستقر المني هناك فهو ضعيفلأن مستقر المني هو أوعية المني، وهي عروق ملتف بعضها بالبعض عند البيضتين، وإن كان المراد أن مخرج المني هناك فهو ضعيف، لأن الحس يدل على أنه ليس كذلك الجواب: لا شك أن أعظم الأعضاء معونة في توليد المني هو الدماغ، والدماغ خليفة وهي النخاع وهو في الصلب، وله شعب كثيرة نازلة إلى مقدم البدن وهو التريبة، فلهذا السبب خص اللّه تعالى هذين العضوين بالذكر، على أن كلامكم في كيفية تولد المني، وكيفية تولد الأعضاء من المني محض الوهم والظن الضعيف، وكلام اللّه تعالى أولى بالقبول. المسألة الخامسة: قد بينا في مواضع من هذا الكتاب أن دلالة تولد الإنسان عن النطفة على وجود الصانع المختار من أظهر الدلائل، لوجوه أحدها: أن التركيبات العجيبة في بدن الإنسان أكثر، فيكون تولده عن المادة البسيطة أدل على القادر المختار وثانيها: أن اطلاع الإنسان على أحوال نفسه أكثر من اطلاعه على أحوال غيره، فلا جرم كانت هذه الدلالة أتم وثالثها: أن مشاهدة الإنسان لهذه الأحوال في أولاده وأولاد سائر الحيوانات دائمة، فكان الاستدلال به على الصانع المختار أقوى ورابعها: وهو أن الاستدلال بهذا الباب، كما أنه يدل قطعا على وجود الصانع المختار الحكيم، فكذلك يدل قطعا على صحة البعث والحشر والنشر، وذلك لأن حدوث الإنسان إنما كان بسبب اجتماع أجزاء كانت متفرقة في بدن الوالدين، بلفي جميع العالم، فلما قدر الصانع على جمع تلك الأجزاء المتفرقة حتى خلق منها إنسانا سويا، وجب أن يقال: إنه بعد موته وتفرق أجزائه لا بد وأن يقدر الصانع على جمع تلك الأجزاء وجعلها خلقا سويا، كما كان أولا ولهذا السر لما بين تعالى دلالته على المبدأ، فرع عليه أيضا دلالته على صحة المعاد فقال: | 
﴿ ٧ ﴾