٧

أما قوله تعالى: {إرم ذات العماد}

ففيه مسائل:

المسألة الأولى: أنه تعالى ذكر ههنا قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين وهي عاد وثمود وقوم فرعون على سبيل الإجمال حيث قال: {فصب عليهم ربك سوط عذاب} ولم يبين كيفية ذلك العذاب، وذكر في سورة الحاقة بيان ما أبهم في هذه السورة فقال: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية * وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر} إلى قوله {وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة} (الحاقة: ٩) الآية.

المسألة الثانية: عاد هو عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، ثم إنهم جعلوا لفظة عاد اسما للقبيلة كما يقال لبني هاشم هاشم ولبني تميم تميم، ثم قالوا للمتقدمين من هذه القبيلة عاد الأولى قال تعالى: {وأنه أهلك عادا * الأولى} (النجم: ٥٠) وللمتأخرين عاد الأخيرة،

وأما إرم فهو اسم لجد عاد، وفي المراد منه في هذه الآية أقوال:

أحدها: أن المتقدمين من قبيلة عاد كانوا يسمون بعاد الأولى فلذلك يسمون بإرم تسمية لهم باسم جدهم

والثاني: أن إرم اسم لبلدتهم التي كانوا فيها ثم قبل تلك المدينة هي الإسكندرية

وقيل دمشق

والثالث: أن إرم أعلام قوم عاد كانوا يبنونها على هيئة المنارة وعلى هيئة القبور، قال أبو الدقيش: الأروم قبور عاد، وأنشد: بها أروم كهوادي البخثومن الناس من طعن في قول من قال: إن إرم هي الإسكندرية أو دمشق، قال: لأن منازل عاد كانت بين عمان إلى حضرموت وهي بلاد الرمال والأحقاف، كما قال: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف} (الأحقاق: ٢١)

وأما الإسكندرية ودمشق فليستا من بلاد الرمال.

المسألة الثالثة: إرم لا تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث.

المسألة الرابعة: في قوله: {إرم} وجهان وذلك لأنا إن جعلناه اسم القبيلة كان قوله: {إرم} عطف بيان لعاد وإيذانا بأنهم عاد الأولى القديمة وإن جعلناه اسم البلدة أو الأعلام كان التقدير بعاد أهل إرم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامع، كما في قوله: {واسئل القرية} (يوسف: ٨٢) ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة.

المسألة الخامسة: قرأ الحسن: {بعاد * إرم} مفتوحين وقرىء: {بعاد * إرم} بسكون الراء على التخفيف كما قرىء: {بورقكم} (الكهف: ١٩) وقرىء: {بعاد * إرم ذات العماد} بإضافة {إرم} إلى {ذات العماد} وقرىء: {بعاد * إرم ذات العماد} بدلا من فعل ربك، والتقدير: ألم تر كيف فعل ربك بعاد جعل ذات العماد رميما،

أما قوله: {ذات العماد} ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: في إعرابه وجهان وذلك لأنا إن جعلنا: {إرم} اسم القبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين يسكنون الأخبية والخيام والخبار لا بد فيها من العماد، والعماد بمعنى العمود.

وقد يكون جمع العمد أو يكون المراد بذات العماد أنهم طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة

وقيل: ذات البناء الرفيع، وإن جعلناه اسم البلد فالمعنى أنها ذات أساطين أي ذات أبنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الأعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور، قال تعالى في وصفهم: {أتبنون بكل ريع ءاية تعبثون} (الشعراء: ١٢٨) أي علامة وبناء رفيعا.

المسألة الثانية: روي أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها.

فسمع بذكر الجنة فقال: ابني مثلها، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار، فلما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث اللّه عليهم صيحة من السماء فهلكوا، وعن عبد اللّه بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوصل إلى جنة شداد فحمل ما قدر عليه مما كان هناك وبلغ خبره معاوية فاستحضره وقص عليه، فبعث إلى كعب فسأله، فقال: هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر ابن (أبي) قلابة فقال: هذا واللّه هو ذلك الرجل.

﴿ ٧