٣واحتج القائلون بأن المراد من البينة هو الرسول بقوله تعالى بعد هذه الآية: {رسول من اللّه} فهو رفع على البدن من البينة، وقرأ: عبد اللّه: {رسولا} حال من البينة قالوا: والألف واللام في قوله: {البينة} للتعريف أي هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى، أو يقال: إنها للتفخيم أي هو: {البينة} التي لا مزيد عليها أو البينة كل البينة لأن التعريف قد يكون للتفخيم وكذا التنكير وقد جمعهما اللّه ههنا في حق الرسول عليه لسلام فبدأ بالتعريف وهو لفظ البينة ثم ثنى بالتنكير فقال: {رسول من اللّه} أي هو رسول، وأي رسول، ونظيره ما ذكره اللّه تعالى في الثناء على نفسه فقال: {ذو العرش المجيد} ثم قال: {فعال} فنكر بعد التعريف. القول الثاني: أن المراد من {البينة} مطلق الرسل وهو قول أبي مسلم قال: المراد من قوله: {حتى تأتيهم البينة} أي حتى تأتيهم رسل من ملائكة اللّه تتلوا عليهم صحفا مطهرة وهو كقوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء} وكقوله: {بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة}. القول الثالث: وهو قتادة وابن زيد: {البينة} هي القرآن ونظيره قوله: {أو لم * تأتيهم * بينة ما فى الصحف الأولى} ثم قوله بعد ذلك: {رسول من اللّه} لا بد فيه من مضاف محذوف والتقدير: وتلك البينة وحي: {رسول من اللّه يتلو صحفا مطهرة}. أما قوله تعالى: {يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} فاعلم أن الصحف جمع صحيفة وهي ظرف للمكتوب، وفي: {*المطهرة} وجوه: أحدها: {مرفوعة مطهرة} عن الباطل وهي كقوله: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} وقوله: {مرفوعة مطهرة}، وثانيها: مطهرة عن الذكر القبيح فإن القرآن يذكر بأحسن الذكر ويثني عليه أحسن الثناء وثالثها: أن يقال: مطهرة أي ينبغي أن لا يمسها إلا المطهرون، كقوله تعالى: {فى كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون}. واعلم أن المطهرة وإن جرت نعتا للصحف في الظاهر فهي نعت لما في الصحف وهو القرآن وقوله: {كتاب} فيه قولان: أحدهما: المراد من الكتب الآيات المكتوبة في الصحف والثاني: قال صاحب النظم: الكتب قد يكون بمعنى الحكم: {كتب اللّه لاغلبن} ومنه حديث العسيف: "لأقضين بينكما بكتاب اللّه" أي بحكم اللّه فيحتمل أن يكون المراد من قوله: {كتب قيمة} أي أحكام قيمة أما القيمة ففيها قولان الأول: قال الزجاج: مستقيمة لا عوج فيها تبين الحق من الباطل من قام يقوم كالسيد والميت، وهو كقولهم: قام الدليل على كذا إذا ظهر واستقام الثاني: أن تكون القيمة بمعنى القائمة أي هي قائمة مستقلة بالحجة والدلالة، من قولهم قام فلان بالأمر يقوم به إذا أجراه على وجهه، ومنه يقال للقائم بأمر القوم القيم، فإن قيل: كيف نسب تلاوة الصحف المطهرة إلى الرسول مع أنه كان أميا؟ قلنا: إذا تلا مثلا المسطور في تلك الصحف كان تاليا ما فيها وقد جاء في كتاب منسوب إلى جعفر الصادق أنه عليه السلام كان يقرأ من الكتاب، وإن كان لا يكتب، ولعل هذا كان من معجزاته صلى اللّه عليه وسلم. |
﴿ ٣ ﴾