٥

أما قوله تعالى: {لينبذن فى الحطمة * وما أدراك ما الحطمة} فإنما ذكره بلفظ النبذ الدال على إلهانة، لأن الكافر كان يعتقد أنه من أهل الكرامة، وقرىء لنبذان أي هو وماله ولينبذن بضم الذال أي هو وأنصاره،

وأما: {الحطمة} فقال المبرد: إنها النار التي تحطم كل من وقع فيها ورجل حطمة أي شديد الأكل يأتي على زاد القوم، وأصل الحطم في اللغة الكسر، ويقال: شر الرعاء الحطمة، يقال: راع حطمة وحطم بغير هاء كأنه يحطم الماشية أي يكسرها عند سوقها لعنفه، قال المفسرون: الحطمة اسم من أسماء النار وهي الدركة الثانية من دركات النار، وقال مقاتل: هي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب،وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "إن الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه كما توضع الخشبة على الركبة فتكسر ثم يرمى به في النار".

واعلم أن الفائدة في ذكر جهنم بهذا الاسم ههنا وجوه:

أحدها: الاتحاد في الصورة كأنه تعالى يقول: إن كنت همزة لمزة فوراءك الحطمة

والثاني: أن الهامز بكسر عين ليضع قدره فيلقيه في الحضيض فيقول تعالى: وراءك الحطمة، وفي الحطم كسر فالحطمة تكسرك وتلقيك في حضيض جهنم لكن الهمزة ليس إلا الكسر بالحاجب،

أما الحطمة فإنها تكسر كسرا لا تبقي ولا تذر

الثالث: أن الهماز اللماز يأكل لحم الناس والحطمة أيضا اسم للنار من حيث إنها تأكل الجلد واللحم، ويمكن أن يقال: ذكر وصفين الهمز واللمز، ثم قابلهما باسم واحد وقال: خذ واحدا مني بالإثنين منك فإنه يفي ويكفي، فكأن السائل يقول: كيف يفي الواحد بالإثنين؟ فقال: إنما تقول: هذا لأنك لا تعرف هذا الواحد فلذلك قال: {وما أدراك ما الحطمة}.

﴿ ٥