|
٩٤ قوله تعالى: {حلا} أي حلالا، ثم استثنى فقال: {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} وهو يعقوب عليه السلام. في الترمذي عن ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: أخبرنا، ما حرم إسرائيل عل نفسه؟ قال: (كان يسكن البدو فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها). قالوا: صدقت. وذكر الحديث. ويقال: إنه نذر إن برأ منه ليتركن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: أقبل يعقوب عليه السلام من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو، وكان رجلا بطشا قويا، فلقيه ملك فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه، فغمز الملك فخذ يعقوب عليه السلام، ثم صعد الملك إلى السماء ويعقوب ينظر إليه فهاج عليه عرق النسا، ولقي من ذلك بلاء شديدا، فكان لا ينام الليل من الوجع ويبيت وله زقاء أي صياح، فحلف يعقوب عليه السلام إن شفاه اللّه جل وعز ألا يأكل عرقا، ولا يأكل طعاما فيه عرق فحرمها على نفسه؛ فجعل بنوه يتبعون بعد ذلك العروق فيخرجونها من اللحم. وكان سبب غمز الملك ليعقوب أنه كان نذر إن وهب اللّه له اثني عشر ولدا وأتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم. فكان ذلك للمخرج من نذره؛ عن الضحاك. واختلف هل كان التحريم من يعقوب باجتهاد منه أو بإذن من اللّه تعالى؟ والصحيح الأول؛ لأن اللّه تعالى أضاف التحريم إليه بقوله تعالى: {إلا ما حرم} وأن النبي إذا أداه اجتهاده إلى شيء كان دينا يلزمنا اتباعه لتقرير اللّه سبحانه إياه على ذلك. وكما يوحى إليه ويلزم اتباعه، كذلك يؤذن له ويجتهد، ويتعين موجب اجتهاده إذا قدر عليه، ولولا تقدم الإذن له في تحريم ذلك ما تسور على التحليل والتحريم. وقد حرم نبينا صلى اللّه عليه وسلم العسل على الرواية الصحيحة، أو خادمه ؟؟ مارية فلم يقر اللّه تحريمه ونزل: {لم تحرم ما أحل اللّه لك} [التحريم: ١] على ما يأتي بيانه في {التحريم}. قال الكيا الطبري: فيمكن أن يقال: مطلق قوله تعالى: {لم تحرم ما أحل اللّه} يقتضي ألا يختص بمارية؛ وقد رأى الشافعي أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى، فجعلها مخصوصا بموضع النص، وأبو حنيفة رأى ذلك أصلا في تحريم كل مباح وأجراه مجرى اليمين. قوله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} قال ابن عباس: لما أصاب يعقوب عليه السلام عرق النسا وصف الأطباء له أن يجتنب لحوم الإبل فحرمها على نفسه. فقالت اليهود: إنما نحرم على أنفسنا لحوم الإبل؛ لأن يعقوب حرمها وأنزل اللّه تحريمها في التوراة؛ فأنزل اللّه هذه الآية. قال الضحاك: فكذبهم اللّه ورد عليهم فقال: يا محمد {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} فلم يأتوا. فقال عز وجل: {فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون} قال الزجاج: في هذه الآية أعظم دلالة لنبوة محمد نبينا صلى اللّه عليه وسلم، أخبرهم أنه ليس في كتابهم، وأمرهم أن يأتوا بالتوراة فأبوا؛ يعني عرفوا أنه قال ذلك بالوحي. وقال عطية العوفي: إنما كان ذلك حراما عليهم بتحريم يعقوب ذلك عليهم. وذلك أن إسرائيل قال حين أصابه عرق النسا: واللّه لئن عافاني اللّه منه لا يأكله لي ولد؛ ولم يكن ذلك محرما عليهم. وقال الكلبي: لم يحرمه اللّه عز وجل في التوراة عليهم وإنما حرمه بعد التوراة بظلمهم وكفرهم، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم اللّه تعالى عليهم طعاما طيبا، أو صب عليهم رجزا وهو الموت؛ فذلك قوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} [النساء: ١٦٠] الآية. وقوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} الآية - إلى قوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} [الأنعام: ١٤٦]. ترجم ابن ماجة في سننه {دواء عرق النسا} حدثنا هشام بن عمار وراشد بن سعيد الرملي قالا حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا هشام بن حسان حدثنا أنس بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (شفاء عرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء). وأخرجه الثعلبي في تفسيره أيضا من حديث أنس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في عرق النسا: (تؤخذ ألية كبش عربي لا صغير ولا كبير فتقطع صغارا فتخرج إهالته فتقسم ثلاثة أقسام في كل يوم على ريق النفس ثلثا) قال أنس: فوصفته لأكثر من مائة فبرأ بإذن اللّه تعالى. شعبة: حدثني شيخ في زمن الحجاج بن يوسف في عرق النسا: أقسم لك باللّه الأعلى لئن لم تنته لأكوينك بنار أو لأحلقنك بموسى. قال شعبة: قد جربته، تقوله، وتمسح على ذلك الموضع. |
﴿ ٩٤ ﴾