|
١٩٧ قوله تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} قيل: الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد الأمة. وقيل: للجميع. وذلك أن المسلمين قالوا: هؤلاء الكفار لهم تجائر وأموال واضطراب في البلاد، وقد هلكنا نحن من الجوع؛ فنزلت هذه الآية. أي لا يغرنكم سلامتهم بتقلبهم في أسفارهم. {متاع قليل} أي تقلبهم متاع قليل. وقرأ يعقوب {يغرنك} ساكنة النون؛ وأنشد: لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي بالمنيات السحر ونظير هذه الآية قوله تعالى: {فلا يغررك تقلبهم في البلاد} [المؤمن: ٤]. والمتاع: ما يعجل الانتفاع به؛ وسماه قليلا لأنه فان، وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل. وفي صحيح الترمذي عن المستورد الفهري قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بماذا يرجع). قيل: (يرجع) بالياء والتاء. {وبئس المهاد} أي بئس ما مهدوا لأنفسهم بكفرهم، وما مهد اللّه لهم من النار. في هذه الآية وأمثالها كقوله: {أنما نملي لهم خير} [آل عمران: ١٧٨] الآية. {وأملي لهم إن كيدي متين} [الأعراف: ١٨٣]. {أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين} [المؤمنون: ٥٥]. {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [الأعراف: ١٨٢] دليل على أن الكفار غير. منعم عليهم في الدنيا؛ لأن حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة، ونعم الكفار. مشوبة بالآلام والعقوبات، فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم، فهو وإن استلذ آكله لا يقال: أنعم عليه؛ لأن فيه هلاك روحه. ذهب إلى هذا جماعة من العلماء، وهو قول الشيخ أبي الحسن الأشعري. وذهب جماعة منهم سيف السنة ولسان الأمة القاضي أبو بكر: إلى أن اللّه أنعم عليهم في الدنيا. قالوا: وأصل النعمة من النعمة بفتح النون، وهي لين العيش؛ ومنه قوله تعالى: {ونعمة كانوا فيها فاكهين} [الدخان: ٢٧]. يقال: دقيق ناعم، إذا بولغ في طحنه وأجيد سحقه. وهذا هو الصحيح، والدليل عليه أن اللّه تعالى أوجب على الكفار أن يشكروه وعلى جميع المكلفين فقال: {فاذكروا آلاء اللّه} [الأعراف: ٧٤]. {واشكروا للّه} [البقرة: ١٧٢] والشكر لا يكون إلا على نعمة. وقال: {وأحسن كما أحسن اللّه إليك} [القصص: ٧٧] وهذا خطاب لقارون. وقال: {وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة} [النحل: ١١٢] الآية. فنبه سبحانه أنه قد أنعم عليهم نعمة دنياوية فجحدوها. وقال: {يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها} [النحل: ٨٣] وقال: {يا أيها الناس اذكروا نعمة اللّه عليكم} [فاطر: ٣]. وهذا عام في الكفار وغيرهم. فأما إذا قدم لغيره طعاما فيه سم فقد رفق به في الحال؛ إذ لم يجرعه السم بحتا؛ بل دسه في الحلاوة، فلا يستبعد أن يقال: قد أنعم عليه، وإذا ثبت هذا فالنعم ضربان: نعم نفع ونعم دفع؛ فنعم النفع ما وصل إليهم من فنون اللذات، ونعم الدفع ما صرف عنهم من أنواع الآفات. فعلى هذا قد أنعم على الكفار نعم الدفع قولا واحدا؛ وهو ما زوي عنهم من الآلام والأسقام، ولا خلاف بينهم في أنه لم ينعم عليهم نعمة دينه. والحمد للّه. |
﴿ ١٩٧ ﴾