٣ قوله تعالى: {وأذان} الأذان: الإعلام لغة من غير خلاف. وهو عطف على {براءة}. {إلى الناس} الناس هنا جميع الخلق. {يوم الحج الأكبر} ظرف، والعامل فيه {أذان}. وإن كان قد وصف بقوله: {من اللّه}، فإن رائحة الفعل فيه باقية، وهي عاملة في الظروف. وقيل: العامل فيه {مخزي} ولا يصح عمل {أذان}، لأنه قد وصف فخرج عن حكم الفعل. واختلف العلماء في الحج الأكبر، فقيل: يوم عرفة. روي عن عمر وعثمان وابن عباس وطاوس ومجاهد. وهو مذهب أبي حنيفة، وبه قال الشافعي. وعن علي وابن عباس أيضا وابن مسعود وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة أنه يوم النحر. واختاره الطبري. وروى ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال: (أي يوم هذا) فقالوا: يوم النحر فقال: (هذا يوم الحج الأكبر). أخرجه أبو داود. وخرج البخاري عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. ويوم الحج الأكبر يوم النحر. وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس: الحج الأصغر. فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم مشرك. وقال ابن أبي أوفى: يوم النحر يوم الحج الأكبر، يهراق فيه الدم، ويوضع فيه الشعر، ويلقى فيه التفث، وتحل فيه الحرم. وهذا مذهب مالك، لأن يوم النحر فيه كالحج كله، لأن الوقوف إنما هو ليلته، والرمي والنحر والحلق والطواف في صبيحته. احتج الأولون بحديث مخرمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يوم الحج الأكبر يوم عرفة). رواه إسماعيل القاضي. وقال الثوري وابن جريج: الحج الأكبر أيام منى كلها. وهذا كما يقال: يوم صفين ويم الجمل ويوم بعاث، فيراد به الحين والزمان لا نفس اليوم. وروي عن مجاهد: الحج الأكبر القران، والأصغر الإفراد. وهذا ليس من الآية في شيء. وعنه وعن عطاء: الحج الأكبر الذي فيه الوقوف بعرفة، والأصغر العمرة. وعن مجاهد أيضا: أيام الحج كلها. وقال الحسن وعبداللّه بن الحارث بن نوفل: إنما سمي يوم الحج الأكبر لأنه حج ذلك العام المسلمون والمشركون، واتفقت فيه يومئذ أعياد الملل: اليهود والنصارى والمجوس. قال ابن عطية: هذا ضعيف أن يصفه اللّه عز وجل في كتابه بالأكبر لهذا. وعن الحسن أيضا: إنما سمي الأكبر لأنه حج فيه أبو بكر ونبذت فيه العهود. وهذا الذي يشبه نظر الحسن. وقال ابن سيرين: يوم الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم حجة الوداع، وحجت معه فيه الأمم. قوله تعالى: {أن اللّه بريء من المشركين ورسوله} {أن} بالفتح في موضع نصب. والتقدير بأن اللّه. ومن قرأ بالكسر قدره بمعنى قال إن اللّه {بريء} خبر أن. {ورسوله} عطف على الموضع، وإن شئت على المضمر المرفوع في {بريء}. كلاهما حسن؛ لأنه قد طال الكلام. وإن شئت على الابتداء والخبر محذوف؛ التقدير: ورسوله بريء منهم. ومن قرأ {ورسوله} بالنصب - وهو الحسن وغيره - عطفه على اسم اللّه عز وجل على اللفظ. وفي الشواذ {رسوله} بالخفض على القسم، أي وحق رسوله؛ ورويت عن الحسن. وقد تقدمت قصة عمر فيها أول الكتاب. {فإن تبتم} أي عن الشرك. {فهو خير لكم} أي أنفع لكم. {وإن توليتم} أي عن الإيمان. {فاعلموا أنكم غير معجزي اللّه} أي فائتيه؛ محيط بكم ومنزل عقابه عليكم. |
﴿ ٣ ﴾