|
٣٤ قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} أي دخول السجن، فحذف المضاف؛ قاله الزجاج والنحاس. {أحب إلي} أي أسهل علي وأهون من الوقوع في المعصية؛ لا أن دخول السجن مما يحب على التحقيق. وحكي أن يوسف عليه السلام لما قال: {السجن أحب إلي} أوحى اللّه إليه {يا يوسف! أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب إلي، ولو قلت العافية أحب إلي لعوفيت}. وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قرأ: {السَّجن} بفتح السين وحكى أن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق وعبدالرحمن الأعرج ويعقوب؛ وهو مصدر سجنه سجنا. {وإلا تصرف عني كيدهن} أي كيد النسوان. وقيل: كيد النسوة اللاتي رأينه؟ فإنهن أمرنه بمطاوعة امرأة العزيز، وقلن له: هي مظلومة وقد ظلمتها. وقيل: طلبت كل واحدة أن تخلو به للنصيحة في امرأة العزيز؛ والقصد بذلك أن تعذله في حقها، وتأمره بمساعدتها، فلعله يجيب؛ فصارت كل واحدة تخلو به على حدة فتقول له: يا يوسف! اقض لي حاجتي فأنا خير لك من سيدتك؛ تدعوه كل واحدة لنفسها وتراوده؛ فقال: يا رب كانت واحدة فصرن جماعة. وقيل: كيد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة؛ وكنى عنها بخطاب الجمع إما لتعظيم شأنها في الخطاب، وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض. والكيد الاحتيال والاجتهاد؛ ولهذا سميت الحرب كيدا لاحتيال الناس فيها؛ قال عمر بن لجأ: تراءت كي تكيدك أم بشر وكيد بالتبرج ما تكيد قوله تعالى: {أصب إليهن} جواب الشرط، أي أمل إليهن، من صبا يصبو - إذا مال واشتاق - صبوا وصبوة؛ قال: إلى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبي أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها. {وأكن من الجاهلين} أي ممن يرتكب الإثم ويستحق الذم، أو ممن يعمل عمل الجهال؛ ودل هذا على أن أحدا لا يمتنع عن معصية اللّه إلا بعون اللّه؛ ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه. قوله تعالى: {فاستجاب له ربه} لما قال. {وإلا تصرف عن كيدهن} تعرض للدعاء، وكأنه قال: اللّهم اصرف عني كيدهن؛ فاستجاب له دعاءه، ولطف به وعصمه عن الوقوع في الزنى. {كيدهن} قيل: لأنهن جمع قد راودنه عن نفسه. وقيل: يعني كيد النساء. وقيل: يعني كيد امرأة العزيز، على ما ذكر في الآية قبل؛ والعموم أولى. |
﴿ ٣٤ ﴾