٣٧

قال لهما يوسف: {لا يأتيكما طعام ترزقانه} يعني لا يجيئكما غدا طعام من منزلكما

{إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما، فقالا: افعل! فقال لهما: يجيئكما كذا وكذا، فكان على ما قال؛ وكان هذا من علم الغيب خُص به يوسف. وبين أن اللّه خصه بهذا العلم لأنه ترك ملة قوم لا يؤمنون باللّه، يعني دين الملك.

ومعنى الكلام عندي: العلم بتأويل رؤياكما، والعلم بما يأتيكما من طعامكما والعلم بدين اللّه، فاسمعوا أولا ما يتعلق بالدين لتهتدوا، ولهذا لم يعبر لهما حتى دعاهما إلى الإسلام، فقال: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار، ما تعبدون} [يوسف:٣٩] الآية كلها، على ما يأتي.

وقيل: علم أن أحدهما مقتول فدعاهما إلى الإسلام ليسعدا به.

وقيل: إن يوسف كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علمه من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما، وأخذ في غيره فقال:

{لا يأتيكما طعام ترزقانه} في النوم {إلا نبأتكما} بتفسيره في اليقظة، قاله السدي، فقالا له: هذا من فعل العرافين والكهنة، فقال لهما يوسف عليه السلام: ما أنا بكاهن، وإنما ذلك مما علمنيه ربي، إني لا أخبركما به تكهنا وتنجيما، بل هو بوحي من اللّه عز وجل. وقال ابن جريج: كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معروفا فأرسل به إليه، فالمعنى: لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة، فعلى هذا {ترزقانه} أي يجري عليكما من جهة الملك أو غيره. ويحتمل يرزقكما اللّه. قال الحسن: كان يخبرهما بما غاب، كعيسى عليه السلام.

وقيل: إنما دعاهما بذلك إلى الإسلام؛ وجعل المعجزة التي يستدلان بها إخبارهما بالغيوب.

﴿ ٣٧