٥

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} أي بحجتنا وبراهيننا؛ أي بالمعجزات الدالة على صدقه. قال مجاهد: هي التسع الآيات.

{أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} نظيره قوله تعالى: لنبينا عليه السلام أول السورة:

{لتخرج الناس من الظلمات إلى النور}: {أن} هنا بمعنى أي، كقوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} [ص: ٦] أي امشوا.

قوله تعالى: {وذكرهم بأيام اللّه} أي قل لهم قولا يتذكرون به أيام اللّه تعالى. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: بنعم اللّه عليهم؛ وقاله أبي بن كعب ورواه مرفوعا؛ أي بما أنعم اللّه عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم، وقد تسمى النعم الأيام؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم:

وأيام لنا غر طوال

وعن ابن عباس أيضا ومقاتل: بوقائع اللّه في الأمم السالفة؛ يقال: فلان عالم بأيام العرب، أي بوقائعها. قال ابن زيد: يعني الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية؛ وكذلك روى ابن وهب عن مالك قال: بلاؤه. وقال الطبري: وعظهم بما سلف في الأيام الماضية لهم، أي بما كان في أيام اللّه من النعمة والمحنة؛ وقد كانوا عبيدا مستذلين؛ واكتفى بذكر الأيام عنه لأنها كانت معلومة عندهم.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:

(بينا موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام اللّه وأيام اللّه بلاؤه ونعماؤه) وذكر حديث الخضر؛ ودل هذا على جواز الوعظ المرفق للقلوب، المقوي لليقين. الخالي من كل بدعة، والمنزه عن كل ضلالة وشبهة.

{إن في ذلك} أي في التذكير بأيام اللّه {لآيات} أي دلالات.

{لكل صبار} أي كثير الصبر على طاعة اللّه، وعن معاصيه. {شكور} لنعم اللّه. وقال قتادة: هو العبد؛ إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.

وروى عن النبي أنه قال: (الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر - ثم تلا هذه الآية - {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.) ونحوه عن الشعبي موقوفا. وتواري الحسن البصري عن الحجاج سبع سنين، فلما بلغه موته قال: اللّهم قد أمته فأمت سنته، وسجد شكرا،

وقرأ: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}. وإنما خص بالآيات كل صبار شكور؛ لأنه يعتبر بها ولا يغفل عنها؛ كما قال: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: ٤٥] وإن كان منذرا للجميع.

﴿ ٥