|
١٤ قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان} الإنسان هنا آدم عليه الصلاة والسلام؛ قاله قتادة وغيره، لأنه استل من الطين. ويجيء الضمير في قوله: {ثم جعلناه} عائدا على ابن آدم، وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر؛ فإن المعنى لا يصلح إلا له. نظير ذلك {حتى توارت بالحجاب} [ص: ٣٢]. وقيل: المراد بالسلالة ابن آدم؛ قاله ابن عباس وغيره. والسلالة على هذا صفوة الماء، يعني المني. والسلالة فعالة من السل وهو استخراج الشيء من الشيء؛ يقال: سللت الشعر من العجين، والسيف من الغمد فانسل؛ ومنه قوله: فسلي ثيابي من ثيابك تنسل فالنطفة سلالة، والولد سليل وسلالة؛ عنى به الماء يسل من الظهر سلا. قال الشاعر: فجاءت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين وقال آخر: وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تجللّها بغل وقوله {من طين} أي أن الأصل آدم وهو من طين. قلت: أي من طين خالص؛ فأما ولده فهو من طين ومني، حسبما بيناه في أول سورة الأنعام. وقال الكلبي: السلالة الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك؛ فالذي يخرج هو السلالة. {نطفة} قد مضى القول فيه. {ثم أنشأناه خلقا آخر} اختلف الناس في الخلق الآخر؛ فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه بعد أن كان جمادا. وعن ابن عباس: خروج إلى الدنيا. وقال قتادة عن فرقة: نبات شعره. الضحاك: خروج الأسنان ونبات الشعر. مجاهد: كمال شبابه؛ وروي عن ابن عمر: والصحيح أنه عام في هذا وفي غيره من النطق والإدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولات إلى أن يموت. قوله تعالى: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله {خلقا آخر} قال فتبارك اللّه أحسن الخالقين؛ فقال رسو اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هكذا أنزلت). وفي مسند الطيالسي: ونزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} الآية؛ فلما نزلت قلت أنا: تبارك اللّه أحسن الخالقين؛ فنزلت {تبارك اللّه أحسن الخالقين}. ويروى أن قائل ذلك معاذ ابن جبل. وروي أن قائل ذلك عبداللّه بن أبي سرح، وبهذا السبب ارتد وقال: أتي بمثل ما يأتي محمد؛ وفيه نزل {ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه} [الأنعام: ٩٣] على ما تقدم بيانه في {الأنعام}. وقوله تعالى: {فتبارك} تفاعل من البركة. {أحسن الخالقين} أتقن الصانعين. يقال لمن صنع شيئا خلقه؛ ومنه قول الشاعر: ولأنت تقري ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفري وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس وإنما يضاف الخلق إلى اللّه تعالى. وقال ابن جريج: إنما قال {أحسن الخالقين} لأنه تعالى قد أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق؛ واضطرب بعضهم في ذلك. ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع؛ وإنما هي منفية بمعنى الاختراع وإيجاد من العدم. مسألة: من هذه الآية قال ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا: اللّه أعلم؛ فقال عمر: ما تقول يا ابن عباس؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن اللّه تعالى خلق السموات سبعا والأرضين سبعا، وخلق ابن آدم من سبع وجعل رزقه في سبع، فأراها في ليلة سبع وعشرين. فقال عمر رضي اللّه عنه: أعجزكم أن تأتوا بمثل ما أتى هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه. وهذا الحديث بطول في مسند ابن أبي شيبة. فأراد ابن عباس {خلق ابن آدم من سبع} بهذه الآية، وبقوله {وجعل رزقه في سبع} قوله {فأنبتنا فيها حبا. وعنبا وقضبا. وزيتونا ونخلا. وحدائق علبا. وفاكهة وأبا} [عبس: ٢٧ - ٣١] الآية. السبع منها لابن آدم، والأب للأنعام. والقضب يأكله ابن آدم ويسمن منه النساء؛ هذا قول. وقيل: القضب البقول لأنها تقضب؛ فهي رزق ابن آدم. وقيل: القضب والأب للأنعام، والست الباقية لابن آدم، والسابعة هي للأنعام؛ إذ هي من أعظم رزق ابن آدم. |
﴿ ١٤ ﴾