١٤

قوله تعالى: {بل كذبوا بالساعة} يريد يوم القيامة.

{وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا} يريد جهنم تتلظى عليهم.

{إذا رأتهم من مكان بعيد} أي من مسيرة خمسمائة عام. {سمعوا لها تغيظا وزفيرا} قيل: المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم.

وقيل: المعنى إذا رأتهم خزانها سمعوا لهم تغيظا وزفيرا حرصا على عذابهم. والأول أصح؛ لما

روي مرفوعا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

(من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا) قيل: يا رسول اللّه! ولها عينان؟ قال: (أما سمعتم اللّه عز وجل يقول: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وكلت بكل من جعل مع اللّه إلها آخر فلهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه) في رواية

(فيخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم) ذكره رَزين في كتابه، وصححه ابن العربي في قبسه، وقال: أي تفصلهم عن الخلق في المعرفة كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة. وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

(يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق بقول إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع اللّه إلها آخر وبالمصورين).

وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. وقال الكلبي: سمعوا لها تغيظا كتغيظ بني آدم وصوتا كصوت الحمار.

وقيل: فيه تقديم وتأخير، سمعوا لها زفيرا وعلموا لها تغيظا. وقال قطرب: التغيظ لا يسمع، ولكن يرى، والمعنى: رأوا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا؛ كقول الشاعر:

ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا

أي وحاملا رمحا.

وقيل: {سمعوا لها} أي فيها؛ أي سمعوا فيها تغيظا وزفيرا للمعذبين. كما قال تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} [هود: ١٠٦] و{في واللام} يتقاربان؛ تقول: أفعل هذا في اللّه وللّه.

{وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين} قال قتادة: ذكر لنا أن عبداللّه كان يقول: إن جهنم لتضيق على الكافر كتضييق الزج على الرمح؛ ذكره ابن المبارك في رقائقه. وكذا قال ابن عباس، ذكره الثعلبي والقشيري عنه، وحكاه الماوردي عن عبداللّه بن عمرو. ومعنى {مقرنين} مكتفين؛ قاله أبو صالح.

وقيل: مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال.

وقيل: قرنوا مع الشياطين؛ أي قرن كل واحد منهم إلى شيطانه؛ قاله يحيى بن سلام. وقد مضى هذا في {إبراهيم} وقال عمرو بن كلثوم:

فأبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مقرنينا

{دعوا هنالك ثبورا} أي هلاكا؛ قاله الضحاك. ابن عباس: ويلا.

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

(أول من يقول إبليس وذلك أنه أول من يكسى حلة من النار فتوضع على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول واثبوراه). وانتصب على المصدر، أي ثبرنا ثبورا؛ قاله الزجاج. وقال غيره: هو مفعول به.

قوله تعالى: {لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا} فإن هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة. وقال: ثبورا لأنه مصدر يقع للقليل والكثير فلذلك لم يجمع؛ وهو كقولك: ضربته ضربا كثيرا، وقعد قعودا طويلا. ونزلت الآيات في ابن خطل وأصحابه.

﴿ ١٤