|
٥ قوله تعالى: {يس} في يس أوجه من القراءات: قرأ أهل المدينة والكسائي {يس والقرآن الحكيم} بإدغام النون في الواو. وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة {يس} بإظهار النون. وقرأ عيسى بن عمر {يسن} بنصب النون. وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم يسن بالكسر. وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع يسن بضم النون؛ فهذه خمس قراءات. القرأءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية؛ لأن النون تدغم في الواو. ومن بين قال: سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها، وإنما يكون الإدغام في الإدراج. وذكر سيبويه النصب وجعله من جهتين: إحداهما أن يكون مفعولا ولا يصرفه؛ لأنه عنده اسم أعجمي بمنزلة هابيل، والتقدير أذكر يسين. وجعله سيبويه اسما للسورة. وقوله الآخر أن يكون مبنيا على الفتح مثل كيف وأين. وأما الكسر فزعم الفراء أنه مشبه بقول العرب جير لا أفعل، فعلى هذا يكون يسن قسما. وقاله ابن عباس. وقيل: مشبه بأمس وحذام وهؤلاء ورقاش. وأما الضم فمشبه بمنذ وحيث وقط، وبالمنادى المفرد إذا قلت يا رجل، لمن يقف عليه. قال ابن السميقع وهارون: وقد جاء في تفسيرها رجل فالأولى بها الضم. قال ابن الأنباري {يس} وقف حسن لمن قال هو افتتاح للسورة. ومن قال: معنى {يس} يا رجل لم يقف عليه. وروي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى: {سلام على إل ياسين} [الصافات: ١٣٠] أي على آل محمد. وقال سعيد بن جبير: هو اسم من أسماء محمد صلى اللّه عليه وسلم؛ ودليله {إنك لمن المرسلين}. قال السيد الحميري: يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة على المودة إلا آل ياسين وقال أبو بكر الوراق: معناه يا سيد البشر. وقيل: إنه اسم من أسماء اللّه؛ قال مالك. روى عنه أشهب قال: سألته هل ينبغي لأحد أن يتسمى بياسين؟ قال: ما أراه ينبغي لقول اللّه: {يس والقرآن الحكيم} يقول هذا اسمي يس. قال ابن العربي هذا كلام بديع، وذلك أن العبد يجوز له أن يتسمى باسم الرب إذا كان فيه معنى منه؛ كقوله: عالم وقادر ومريد ومتكلم. وإنما منع مالك من التسمية بـ {يسين}؛ لأنه اسم من أسماء اللّه لا يدرى معناه؛ فربما كان معناه ينفرد به الرب فلا يجوز أن يقدم عليه العبد. فإن قيل فقد قال اللّه تعالى: {سلام على إل ياسين} [الصافات: ١٣٠] قلنا: ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به، وهذا الذي ليس بمتهجى هو الذي تكلم مالك عليه؛ لما فيه من الإشكال؛ واللّه أعلم. وقال بعض العلماء: افتتح اللّه هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير: ودل المفتتح على أنه قلب، والقلب أمير على الجسد؛ وكذلك {يس} أمير على سائر السور، مشتمل على جميع القرآن. ثم اختلفوا فيه أيضا؛ فقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو بلغة الحبشة. وقال الشعبي: هو بلغة طي. الحسن: بلغة كلب. الكلبي: هو بالسريانية فتكلمت به العرب فصار من لغتهم. وقد مضى هذا المعنى في {طه} وفي مقدمة الكتاب مستوفى. وقد سرد القاضي عياض أقوال المفسرين في معنى {يس} فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (لي عند ربي عشرة أسماء) ذكر أن منها طه ويس اسمان له. قلت: وذكر الماوردي عن علي رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن اللّه تعالى أسماني في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبداللّه) قاله القاضي. وحكى أبو عبدالرحمن السلمي عن جعفر الصادق أنه أراد يا سيد، مخاطبة لنبيه صلى اللّه عليه وسلم وعن ابن عباس: {يس} يا إنسان أراد محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وقال: هو قسم وهو من أسماء اللّه سبحانه. وقال الزجاج: قيل معناه يا محمد وقيل يا رجل وقيل يا إنسان. وعن ابن الحنفية: {يس} يا محمد. وعن كعب: {يس} قسم أقسم اللّه به قبل أن يخلق السماء والأرض بألفي عام قال يا محمد: {إنك لمن المرسلين} ثم قال: {والقرآن الحكيم}. فإن قدر أنه من أسمائه صلى اللّه عليه وسلم، وصح فيه أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم، مؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه. وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته. أقسم اللّه تعالى باسمه وكتابه أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه؛ أي طريق لا أعوجاج فيه ولا عدول عن الحق. قال النقاش: لم يقسم اللّه تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له، وفيه من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه يا سيد ما فيه، وقد قال عليه السلام: (أنا سيد ولد آدم) انتهى كلامه. وحكى القشيري قال ابن عباس: قالت كفار قريش لست مرسلا وما أرسلك اللّه إلينا؛ فأقسم اللّه بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين. {الحكيم} المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض؛ كما قال: {أحكمت آياته} [هود: ١]. وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل. وقد يكون {الحكيم} في حق اللّه بمعنى المحكم بكسر الكاف كالأليم بمعنى المؤلم. {على صراط مستقيم} أي دين مستقيم وهو الإسلام. وقال الزجاج: على طريق الأنبياء الذين تقدموك؛ وقال: {إنك لمن المرسلين} خبر إن، و{على صراط مستقيم} خبر ثان، أي إنك لمن المرسلين، وإنك على صراط مستقيم. وقيل: المعنى لمن المرسلين على استقامة؛ فيكون قوله: {على صراط مستقيم} من صلة المرسلين؛ أي إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة؛ كقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط اللّه} أي الصراط الذي أمر اللّه به. قوله تعالى: {تنزيل العزيز الرحيم} قرأ ابن عامر وحفص والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف: {تنزيل} بنصب اللام على المصدر؛ أي نزل اللّه ذلك تنزيلا. وأضاف المصدر فصار معرفة كقوله: {فضرب الرقاب} [محمد: ٤] أي فضربا للرقاب. الباقون {تنزيل} بالرفع على خبر ابتداء محذوف أي هو تنزيل، أو الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم. هذا وقرئ: {تنزيل} بالجر على البدل من {القرآن} والتنزيل يرجع إلى القرآن. وقيل: إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم؛ أي إنك لمن المرسلين، وإنك {تنزيل العزيز الرحيم}. فالتنزيل على هذا بمعنى الإرسال؛ قال اللّه تعالى: {قد أنزل اللّه إليكم ذكرا. رسولا يتلوا عليكم} [الطلاق:١١] ويقال: أرسل اللّه المطر وأنزله بمعنى. ومحمد صلى اللّه عليه وسلم رحمة اللّه أنزلها من السماء. ومن نصب قال: إنك لمن المرسلين إرسالا من العزيز الرحيم. و{العزيز} المنتقم ممن خالفه {الرحيم} بأهل طاعته. |
﴿ ٥ ﴾