٤٤

قوله تعالى: {وآية لهم} يحتمل ثلاثة معان:

أحدها عبرة لهم؛ لأن في الآيات اعتبارا.

الثاني نعمة عليهم؛ لأن في الآيات إنعاما.

الثالث إنذار لهم؛ لأن في الآيات إنذارا.

{أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} من أشكل ما في السورة؛ لأنهم هم المحمولون. فقيل: المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية

{في الفلك المشحون} فالضميران مختلفان؛ ذكره المهدوي. وحكاه النحاس عن علي بن سليمان أنه سمعه يقول.

وقيل: الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم؛ فالفلك على القول الأول سفينة نوح. وعلى الثاني يكون اسما للجنس؛ خبّر جل وعز بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذمة والضعفاء، فيكون الضميران على هذا متفقين.

وقيل: الذرية الآباء والأجداد، حملهم اللّه تعالى في سفينة نوح عليه السلام؛ فالآباء ذرية والأبناء ذرية؛ بدليل هذه الآية؛ قاله أبو عثمان. وسمي الآباء ذرية؛ لأن منهم ذرأ الأبناء. وقول رابع: أن الذرية النطف حملها اللّه تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك المشحون؛ قاله علي بن أبى طالب رضي اللّه عنه؛ ذكره الماوردي. وقد مضى في {البقرة} اشتقاق الذرية والكلام فيها مستوفى.

و {المشحون} المملوء الموقر، و {الفلك} يكون واحدا وجمعا. وقد تقدم في {يونس} القول فيه.

قوله تعالى: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} والأصل يركبونه فحذفت الهاء لطول الاسم وأنه رأس آية. وفي معناه ثلاثة أقوال: مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير، وروي عن ابن عباس أن معنى {من مثله} للإبل، خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر؛ والعرب تشبه الإبل بالسفن. قال طرفة:

كأن حدوج المالكية غدوة خلايا سفين بالنواصف من دَدِ

جمع خلية وهي السفينة العظيمة.

والقول الثاني أنه للإبل والدواب وكل ما يركب.

والقول الثالث أنه للسفن؛ النحاس: وهو أصحها لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس.

{وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} قال: خلق لهم سفنا أمثالها يركبون فيها. وقال أبو مالك: إنها السفن الصغار خلقها مثل السفن الكبار؛ وروي عن ابن عباس والحسن. وقال الضحاك وغيره: هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح. قال الماوردي: ويجيء على مقتضى تأويل علي رضي اللّه عنه في أن الذرية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء قول خامس في قوله: {وخلقتا لهم مثله ما يركبون} أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الأزواج لكن لم أره محكيا.

قوله تعالى: {وإن نشأ نغرقهم} أي في البحر فترجع الكناية إلى أصحاب الذرية، أو إلى الجميع، وهذا يدل على صحة قول ابن عباس ومن قال: إن المراد {من مثله} السفن لا الإبل.

{فلا صريخ لهم} أي لا مغيث لهم رواه سعيد عن قتادة.

وروى شيبان عنه: فلا منعة لهم ومعناهما متقاربان. و {صريخ} بمعنى مصرخ فعيل بمعنى فاعل. ويجوز {فلا صريخ لهم} ؛ لأن بعده ما لا يجوز فيه إلا الرفع؛ لأنه معرفة وهو {ولا هم ينقذون} والنحويون يختارون لا رجل في الدار ولا زيد. ومعنى: {ينقذون} يخلصون من الغرق.

وقيل: من العذاب. {إلا رحمة منا} قال الكسائي: هو نصب على الاستثناء. وقال الزجاج: نصب مفعول من أجله؛ أي للرحمة {ومتاعا} معطوف عليه.

{إلى حين} إلى الموت؛ قاله قتادة. يحيى بن سلام: إلى القيامة أي إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى آجالهم، وأن اللّه عجل عذاب الأمم السالفة، وأخر عذاب أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم وإن كذبوه إلى الموت والقيامة.

﴿ ٤٤