|
١٨ قوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن} {يسبحن} في موضع نصب على الحال. ذكر تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه. قال مقاتل: كان داود إذا ذكر اللّه جل وعز ذكرت الجبال معه، وكان يفقه تسبيح الجبال. وقال ابن عباس: {يسبحن} يصلين. وإنما يكون هذا معجزة إذا رآه الناس وعرفوه. وقال محمد بن إسحاق: أوتي داود من حسن الصوت ما يكون له في الجبال دوي حسن، وما تصغي لحسنه الطير وتصوت معه، فهذا تسبيح الجبال والطير. وقيل: سخرها اللّه عز وجل لتسير معه فذلك تسبيحها؛ لأنها دالة على تنزيه اللّه عن شبه المخلوقين. وقد مضى القول في هذا في {سبأ} وفي {سبحان} عند قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} {الإسراء: ٤٤} وأن ذلك تسبيح مقال على الصحيح من الأقوال. واللّه أعلم. {بالعشي والإشراق} الإشراق أيضا أبيضاض الشمس بعد طلوعها. يقال: شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت. فكان داود يسبح إثر صلاته عند طلوع الشمس وعند غروبها. روي عن ابن عباس أنه قال: كنت أمر بهذه الآية: {بالعشي والإشراق} ولا أدري ما هي، حتى حدثتني أم هانئ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى صلاة الضحى، وقال: {يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق}. وقال عكرمة قال ابن عباس: كان في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى وجدتها في القرآن {يسبحن بالعشي والإشراق}. قال عكرمة: وكان ابن عباس لا يصلي صلاة الضحى ثم صلاها بعد. وروي أن كعب الأحبار قال لابن عباس: إني أجد في كتب اللّه صلاة بعد طلوع الشمس هي صلاة الأوابين. فقال ابن عباس: وأنا أوجدك في القرآن؛ ذلك في قصة داود: {يسبحن بالعشي والإشراق}.صلاة الضحى نافلة مستحبة، وهي في الغداة بإزاء العصر في العشي، لا ينبغي أن تصلى حتى تبيض الشمس طالعة؛ ويرتفع كدرها؛ وتشرق بنورها؛ كما لا تصلى العصر إذا اصفرت الشمس. وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) الفصال والفصلان جمع فصيل، وهو الذي يفطم من الرضاعة من الإبل. والرمضاء شدة الحر في الأرض. وخص الفصال هنا بالذكر؛ لأنها هي التي ترمض قبل انتهاء شدة الحر التي ترمض بها أمهاتها لقلة جلدها، وذلك يكون في الضحى أوبعده بقليل وهو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها؛ قاله القاضي أبو بكر بن العربي. ومن الناس من يبادر بها قبل ذلك استعجالا، لأجل شغله فيخسر عمله؛ لأنه يصليها في الوقت المنهي عنه ويأتي بعمل هو عليه لا له. روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى اللّه له قصرا من ذهب في الجنة) قال حديث غريب. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: {يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى}. وفي الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مئل زبد البحر}. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: {أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر} لفظ البخاري. وقال مسلم: {وركعتي الضحى} وخرجه من حديث أبي الدرداء كما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة. وهذا كله يدل على أن أقل الضحى ركعتان وأكثره ثنتا عشرة. واللّه أعلم. وأصل السلامى {بضم السين} عظام الأصابع والأكف والأرجل، ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله. وروي من حديث عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر اللّه وحمد اللّه وهلل اللّه وسبح اللّه واستغفر اللّه وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة سلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار) قال أبو توبة: وربما قال: {يمسي} كذا خرجه مسلم. وقوله: {ويجزي من ذلك ركعتان} أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان. وذلك أن الصلاة عمل بجميع أعضاء الجسد؛ فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الأصل. واللّه أعلم. |
﴿ ١٨ ﴾