|
٩ قوله تعالى: {كذبت قبلهم قوم نوح} على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل. {والأحزاب من بعدهم} أي والأمم الذين تحزبوا عل أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمن بعدهم. {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه} أي ليحبسوه ويعذبوه. وقال قتادة والسدي: ليقتلوه. والأخذ يرد بمعنى الإهلاك؛ كقوله: {ثم أخذتهم فكيف كان نكير} {الحج: ٤٤}. والعرب تسمي الأسير الأخيذ؛ لأنه مأسور للقتل؛ وأنشد قطرب قول الشاعر: فإما تأخذوني تقتلوني فكم من آخذ يهوى خلودي وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان: أحدهما عند دعائه لهم. الثاني عند نزول العذاب بهم. {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} أي ليزيلوا. ومنه مكان دحض أي مزلقة، والباطل داحض؛ لأنه يزلق ويزل فلا يستقر. قال يحيى بن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان. {فأخذتهم} أي بالعذاب. {فكيف كان عقاب} أي عاقبة الأمم المكذبة. أي أليس وجدوه حقا. قوله تعالى: {وكذلك حقت} أي وجبت ولزمت؛ مأخوذ من الحق لأنه اللازم. {كلمة ربك} هذه قراءة العامة على التوحيد. وقرأ نافع وابن عامر: {كلمات} جمعا. {على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} قال الأخفش: أي لأنهم وبأنهم. قال الزجاج: ويجوز إنهم بكسر الهمزة. {أصحاب النار} أي المعذبون بها وتم الكلام. قوله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به} ويروى: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم. ففي الحديث: {أن اللّه تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة}. ويقال: خلق اللّه العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوامه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف، وقد وضعوا الإيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وقرأ ابن عباس: {العرش} بضم العين؛ ذكر جميعه الزمخشري رحمه اللّه. وقيل: اتصل هذا بذكر الكفار؛ لأن المعنى واللّه أعلم - {الذين يحملون العرش ومن حوله} ينزهون اللّه عز وجل عما يقوله الكفار وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم خلقه اللّه عز وجل، وأمر ملائكة بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة. وروى ابن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللّه من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام} ذكره البيهقي وقد مضى في {البقرة} في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات. وروى ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن كعب الأحبار أنه قال: لما خلق اللّه تعالى العرش قال: لن يخلق اللّه خلقا أعظم مني؛ فاهتز فطوقه اللّه بحية، للحية سبعون ألف جناح، في الجناح سبعون ألف ريشة، في كل ريشة سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان. يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر، وعدد ورق الشجر، وعدد الحصى والثرى، وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين، فالتوت الحية بالعرش، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به. وقال مجاهد: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظلمة، وحجاب نور وحجاب ظلمة. {ربنا} أي يقولون {ربنا} {وسعت كل شيء رحمة وعلما} أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير. {فاغفر للذين تابوا} أي من الشركوالمعاصي {واتبعوا سبيلك} أي دين الإسلام. {وقهم عذاب الجحيم} أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم. قال إبراهيم النخعي: كان أصحاب عبداللّه يقولون الملائكة خير من ابن الكواء؛ هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر، قال إبراهيم: وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة. وقال مطرف بن عبداللّه: وجدنا أنصح عباد اللّه لعباد اللّه الملائكة، ووجدنا أغش عباد اللّه لعباد اللّه الشيطان، وتلا هذه الآية. وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: افهموها فما في العالم جنة أرجى منها؛ إن ملكا واحدا لو سأل اللّه أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين. وقال خلف بن هشام البزار القارئ: كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت: {ويستغفرون للذين آمنوا} بكى ثم قال: يا خلف ما أكرم المؤمن على اللّه نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له. قوله تعالى: {ربنا وأدخلهم جنات عدن} يروى أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار: ما جنات عدن. قال: قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل. {التي وعدتهم} {التي} في محل نصب نعتا للجنات. {ومن صلح} {من} في محل نصب عطفا على الهاء والميم في قوله: {وأدخلهم}. {ومن صلح} بالإيمان {من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} وقد مضى في {الرعد} نظير هذه الآية. قال سعيد بن جبير: يدخل الرجل الجنة، فيقول: يا رب أين أبي وجدي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك؛ فيقول: يا رب كنت أعمل لي ولهم؛ فيقال ادخلوهم الجنة. ثم تلا: {الذين يحملون العرش ومن حوله} إلى قوله: {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم}. ويقرب من هذه الآية قوله: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} {الطور: ٢١}. قوله تعالى: {وقهم السيئات} قال قتادة: أي وقهم ما يسوءهم، وقيل: التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أمر من وقاه اللّه يقيه وقاية بالكسر؛ أي حفظه. {ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته} أي بدخول الجنة {وذلك هو الفوز العظيم} أي النجاة الكبيرة. |
﴿ ٩ ﴾