|
١٦ قوله تعالى: {فإن أعرضوا} يعني كفار قريش عما تدعوهم إليه يا محمد من الإيمان. {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} أي خوفتكم هلاكا مثل هلاك عاد وثمود. {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم} يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم {ألا تعبدوا إلا اللّه} موضع {أن} نصب بإسقاط الخافض أي بـ {ألا تعبدوا} {قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة} بدل الرسل {فإنا بما أرسلتم به كافرون} من الإنذار والتبشير. قيل: هذا استهزاء منهم. وقيل: إقرار منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد. قوله تعالى: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق} استكبروا على عباد اللّه هود ومن آمن معه {وقالوا من أشد منا قوة} اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب، وقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا. وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم. وقد مضى في {الأعراف} عن ابن عباس: أن أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم كان ستين ذراعا. فقال اللّه تعالى ردا عليهم: {أولم يروا أن الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} وقدرة، وإنما يقدر العبد بإقدار اللّه؛ فاللّه أقدر إذا. {وكانوا بآياتنا يجحدون} أي بمعجزاتنا يكفرون. قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا} هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم، أي ريحا باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب. ويقال: أصلها صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل؛ كقولهم كبكبوا أصله كببوا، وتجفجف الثوب أصله تجفف. أبو عبيدة: معنى صرصر: شديدة عاصفة. عكرمة وسعيد بن جبير: شديد البرد. وأنشد قطرب قول الحطيئة: المطعمون إذا هبت بصرصرة والحاملون إذا استودوا على الناس استودوا: إذا سئلوا الدية. مجاهد: الشديدة السموم. وروى معمر عن قتادة قال: باردة. وقاله عطاء؛ لأن {صرصرا} مأخوذ من صر والصر في كلام العرب البرد كما قال: لها عذر كقرون النسا ء ركبن في يوم ريح وصر وقال السدي: الشديدة الصوت. ومنه صر القلم والباب يصر صريرا أي صوت. ويقال: درهم صري وصري للذي له صوت إذا نقد. قال ابن السكيت: صرصر يجوز أن يكون من الصر وهو البرد، ويجوز أن يكون من صرير الباب، ومن الصرة وهي الصيحة. ومنه {فأقبلت امرأته في صرة} {الذاريات: ٢٩}. وصرصر اسم نهر بالعراق. {في أيام نحسات} أي مشؤومات؛ قال مجاهد وقتادة. كن آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء وذلك {سبع ليال وثمانية أيام حسوما} {الحاقة:٧} قال ابن عباس: ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء. وقيل: {نحسات} باردات؛ حكاه النقاش. وقيل: متتابعات؛ عن ابن عباس وعطية. الضحاك: شداد. وقيل: ذات غبار؛ حكاه ابن عيسى. ومنه قول الراجز:قد اغتدى قبل طلوع الشمس للصيد في يوم قليل النحسقال الضحاك وغيره: أمسك اللّه عنهم المطر ثلاث سنين، ودرت الرياح عليهم في غير مطر، وخرج منهم قوم إلى مكة يستسقون بها للعباد، وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد طلبوا إلى اللّه تعالى الفرج منه، وكانت طلبتهم ذلك من اللّه تعالى عند بيته الحرام مكة مسلمهم وكافرهم، فيجتمع بمكة ناس كثير شتي، مختلفة أديانهم، وكلهم معظم لمكة، عارف حرمتها ومكانها من اللّه تعالى. وقال جابر بن عبداللّه والتيمي: إذا أراد اللّه بقوم خيرا أرسل عليهم المطر وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد اللّه بقوم شرا حبس عنهم المطر وسلط عليهم كثرة الرياح. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {نحسات} بإسكان الحاء على أنه جمع نحس الذي هو مصدر وصف به. الباقون: {نحسات} بكسر الحاء أي ذوات نحس. ومما يدل على أن النحس مصدر قوله: {في يوم نحس مستمر} {القمر: ١٩} ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه؛ وبهذا كان يحتج أبو عمرو على قراءته؛ واختاره أبو حاتم. واختار أبو عبيد القراءة الثانية وقال: لا تصح حجة أبي عمرو؛ لأنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن، وإنما كان يكون حجة لو نون اليوم ونعت وأسكن؛ فقال: {في يوم نحس} {القمر: ١٩} وهذا لم يقرأ به أحد نعلمه. وقال المهدوي: ولم يسمع في {نحس} إلا الإسكان. قال الجوهري: وقرئ في قوله {في يوم نحس} {القمر: ١٩} على الصفة، والإضافة أكثر وأجود. وقد نحس الشيء بالكسر فهو نحس أيضا؛ قال الشاعر: أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم طيا وبهراء قوم نصرهم نحس ومنه قيل: أيام نحسات. {لنذيقهم} أي لكي نذيقهم {عذاب الخزي في الحياة الدنيا} أي العذاب بالريح العقيم. {ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} أي أعظم وأشد. |
﴿ ١٦ ﴾