| 
 ٥٤ قوله تعالى: {قل أرأيتم} أي قل لهم يا محمد {أرأيتم} يا معشر المشركين. {إن كان من عند اللّه ثم كفرتم به} {إن كان} هذا القرآن {من عند اللّه ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد} أي فأي الناس أضل، أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم. وقيل: قوله: {إن كان من عند اللّه} يرجع إلى الكتاب المذكور في قوله: {آتينا موسى الكتاب} {البقرة: ٥٣} والأول أظهر وهو قول ابن عباس. قوله تعالى: {سنريهم آياتنا} أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا {في الآفاق} يعني خراب منازل الأمم الخالية {وفي أنفسهم} بالبلايا والأمراض. وقال ابن زيد: {في الآفاق} آيات السماء {وفي أنفسهم} حوادث الأرض. وقال مجاهد: {في الآفاق} فتح القرى؛ فيسر اللّه عز وجل لرسوله صلى اللّه عليه وسلم وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما، وفي ناحية المغرب خصوصا من الفتوج التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات {وفي أنفسهم} فتح مكة. وهذا اختيار الطبري. وقال المنهال بن عمرو والسدي. وقال قتادة والضحاك: {في الآفاق} وقائع اللّه في الأمم {وفي أنفسهم} يوم بدر. وقال عطاء وابن زيد أيضا {في الآفاق} يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها. وفي الصحاح: الآفاق النواحي، وأحدها أفق وأفق مثل عسر وعسر، ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء: إذا كان من آفاق الأرض. حكاه أبو نصر. وبعضهم يقول: أفقي بضمها وهو القياس. وأنشد غير الجوهري: أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع {وفي أنفسهم} من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول؛ فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين، وبديع صنعة اللّه وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة. وغير ذلك من بديع حكمة اللّه فيه. وقيل: {وفي أنفسهم} من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في {المؤمنون} بيانه. وقيل: المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي صلى اللّه عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيب {حتى يتبين لهم أنه الحق} فيه أربعة أوجه: أحدها: أنه القرآن. الثاني: الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه. الثالث: أن ما يريهم اللّه ويفعل من ذلك هو الحق. الرابع: أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم هو الرسول الحق. {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} {أو لم يكف بربك} في موضع رفع بأنه فاعل {بيكف} و {أنه} بدل من {ربك} فهو رفع إن قدرته بدلا على الموضع، وجر {إن} قدرته بدلا على اللفظ. ويجوز أن يكون نصبا بتقدير حذف اللام، والمعنى أو لم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيده؛ لأنه {على كل شيء شهيد} وإذا شهده جازى عليه. وقيل: المعنى {أو لم يكف بربك} في معاقبته الكفار. وقيل: المعنى {أو لم يكف بربك} يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار. وقيل: {أو لم يكف بربك} شاهدا على أن القرآن من عند اللّه. وقيل: {أو لم يكف بربك أنه على كل شيء} مما يفعله العبد {شهيد} والشهيد بمعنى العالم؛ أو هو من الشهادة التي هي الحضور {ألا إنهم في مرية} أي في شك {من لقاء ربهم} في الآخرة. وقال السدي: أي من البعث. {ألا إنه بكل شيء محيط} أي أحاط علمه بكل شيء. قاله السدي. وقال الكلبي: أحاطت قدرته بكل شيء. وقال الخطابي: هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. وهذا الاسم أكثر ما يجيء في معرض الوعيد، وحقيقته الإحاطة بكل شيء، واستئصال المحاط به، وأصله محيط نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكنت. يقال منه: أحاط يحيط إحاطة وحيطة؛ ومن ذلك حائط الدار، يحوطها أهلها. وأحاطت الخيل بفلان: إذا أخذ مأخذا حاصرا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: {وأحيط بثمره} {الكهف: ٤٢} واللّه أعلم بصواب ذلك.  | 
	
﴿ ٥٤ ﴾