|
١٥ قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} لما قال عز وجل: {إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات} {الحج: ١٤} وصف تلك الجنات، أي صفة الجنة المعدة للمتقين. وقد مضى الكلام في هذا في {الرعد}. وقرأ علي بن أبي طالب {مثال الجنة التي وعد المتقون}. {فيها أنهار من ماء غير آسن} أي غير متغير الرائحة. والآسن من الماء مثل الآجن. وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته. وكذلك أجن الماء يأجن ويأجن أجنا وأجونا. ويقال بالكسر فيهما: أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنا، قاله اليزيدي. وأسن الرجل أيضا يأسن {بالكسر لا غير} إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه، قال زهير: قد أترك القِرن مصفرا أنامله يميد في الرمح ميد المائح الأسن ويروى {الوسن}. وتأسن الماء تغير. أبو زيد: تأسن علي تأسنا اعتل وأبطأ. أبو عمرو: تأسن الرجل أباه أخذ أخلاقه. وقال اللحياني: إذا نزع إليه في الشبه، وقراءة العامة {آسن} بالمد. وقرأ ابن كثير وحميد {أسن} بالقصر، وهما لغتان، مثل حاذر وحذر. وقال الأخفش: أسن للحال، وآسن {مثل فاعل} يراد به الاستقبال. قوله تعالى: {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة. {وأنهار من خمر لذة للشاربين} أي لم تدنسها الأرجل ولم ترنقها الأيدي كخمر الدنيا، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون. يقال: شراب لذ ولذيذ بمعنى. واستلذه عده لذيذا. {وأنهار من عسل مصفى} العسل ما يسيل من لعاب النحل. {مصفى} أي من الشمع والقذى، خلقه اللّه كذلك لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل. وفي الترمذي عن حكيم بن معاومة عن أبيه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: {إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد}. قال: حديث حسن صحيح. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة}. وقال كعب: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم. وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر. والعسل: يذكر ويؤنث. وقال ابن عباس: {من عسل مصفى} أي لم يخرج من بطون النحل. {ولهم فيها من كل الثمرات} {من} زائدة للتأكيد. {ومغفرة من ربهم} أي لذنوبهم. {كمن هو خالد في النار} قال الفراء: المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار. وقال الزجاج: أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطى هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار. فقوله: {كمن} بدل من قوله: {أفمن زين له سوء عمله} {فاطر: ٨}. وقال ابن كيسان: مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم. ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمئل أهل النار في العذاب المقيم. {وسقوا ماء حميما} أي حارا شديد الغليان، إذا أدنى منهم شوى وجوههم، ووقعت فروة رؤوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم. والأمعاء: جمع معى، والتثنية معيان، وهو جميع ما في البطن من الحوايا |
﴿ ١٥ ﴾