|
٦ قوله تعالى: {والذاريات ذروا} قال أبوبكر الأنباري: حدثنا عبداللّه بن ناجية، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا الجعيد بن عبدالرحمن، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي اللّه عنه: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن، فقال عمر: اللّهم أمكني منه؛ فداخل الرجل على عمر يوما وهو لا بس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال: يا أمير المؤمنين ما {الذاريات ذروا} فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده، ثم قال: ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب وأبلغوا به حيه، ثم ليقم خطيبا فليقل: إن صبيغا طلب العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم. وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي اللّه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين ما {الذاريات ذروا} قال: يلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا {والذاريات ذروا} الرياح {فالحاملات} وقرأ السحاب {فالجاريات يسرا} السفن {فالمقسمات أمرا} الملائكة. وروى الحرث عن علي رضي اللّه عنه {والذاريات ذروا} قال: الرياح {فالحاملات} وقرأ قال: السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر {فالجاريات يسرا} قال: السفن موقرة {فالمقسمات أمرا} قال: الملائكة تأتي بأمر مختلف؛ جبريل بالغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت. وقال الفراء: وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث. ويقال: ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذرية ذريا. ثم قيل: {والذاريات} وما بعده أقسام، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا. وقيل: المعنى ورب الذاريات، والجواب {إنما توعدون} أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب {لصادق} لا كذب فيه؛ ومعنى {لصادق} لصدق؛ وقع الاسم موقع المصدر. {وإن الدين لواقع} يعني الجزاء نازل بكم. ثم ابتدأ قسما آخر فقال: {والسماء ذات الحبك. إنكم لفي قول مختلف} {الذاريات: ٧} وقيل إن الذاريات النساء الولودات لأن في ذرايتهن ذرو الخلق؛ لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات؛ وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين. وخصى النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين: أحدهما لأنهن أوعية دون الرجال، فلاجتماع الذروين فيهن خصصن بالذكر. الثاني: أن الذرو فيهن أطول زمانا، وهن بالمباشرة أقرب عهدا. {فالحاملات} وقرأ السحاب. وقيل: الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل. والوقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن، يقال: جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره. واكثرما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار، والوسق في حمل البعير. وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا. وأوقرت النخلة كثر حملها؛ يقال: نخلة موقرة وموقر وموقرة، وحكي موقر وهو على غير القياس، لأن الفعل للنخلة. وإنما قيل: موقر بكسر القاف على قياس قولك امرأة حامل، لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء؛ فأما موقر بالفتح فشاذ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا: عصب كوارع في خليج محلم حملت فمنها موقر مكموم والجمع مواقر. فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن، وقد وقررت أذنه توقر وقرأ أي صمت، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في {الأنعام} القول فيه. {فالجاريات يسرا} السفن تجري بالرياح يسرا إلى حيث سيرت. وقيل: السحاب؛ وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان: أحدهما: إلى حيث يسيرها اللّه تعالى من البلاد والبقاع. الثاني: هو سهولة تسييرها؛ وذلك معروف عند العرب، كما قال الأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها مشي السحابة لا ريث ولا عجل |
﴿ ٦ ﴾