١٨

قوله تعالى: {خلق الإنسان} لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير من السماء والأرض، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال: {خلق الإنسان} باتفاق من أهل التأويل يعني آدم.

{من صلصال كالفخار} الصلصال الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة، شبهه بالفخار الذي طبخ.

وقيل: هو طين خلط برمل. وقيل: هو الطين المنتن من صل اللحم وأصل إذا أنتن، وقد مضى في {الحجر}. وقال هنا: {من صلصال كالفخار} وقال هناك: {من صلصال من حمأ مسنون} {الحجر: ٢٦}. وقال: {إنا خلقناهم من طين لازب} {الصافات: ١١}. وقال: {كمثل آدم خلقه من تراب} {آل عمران: ٥٩} وذلك متفق المعنى، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طينا، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالا كالفخار.

{وخلق الجان من مارج من نار} قال الحسن: الجان إبليس وهو أبو الجن.

وقيل: الجان واحد الجن، والمارج الهب، عن ابن عباس، وقال: خلق اللّه الجان من خالص النار. وعنه أيضا من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت. وقال الليث: المارج الشعلة الساطعة ذات اللّهب الشديد. وعن ابن عباس أنه اللّهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر، ونحوه عن مجاهد، وكله متقارب المعنى.

وقيل: المارج كل أمر مرسل غير ممنوع، ونحوه قول المبرد، قال المبرد: المارج النار المرسلة التي لا تمنع. وقال أبو عبيدة والحسن: المارج خلط النار، وأصله من مرج إذا أضطرب واختلط، ويروى أن اللّه تعالى خلق نارين فمرج إحداهما بالأخرى، فأكلت إحداهما الأخرى وهي نار السموم فخلق منها إبليس. قال القشيري والمارج في اللغة المرسل أو المختلط وهو فاعل بمعنى مفعول، كقوله: {ماء دافق} {الطارق: ٦} و {عيشة راضية} {الحاقة: ٢١} والمعنى ذو مرج، قال الجوهري في الصحاح: و {مارج من نار} نار لا دخان لها خلق منها الجان.

{فبأي آلاء ربكما تكذبان}.

{رب المشرقين ورب المغربين} أي هو رب المشرقين. وفي الصافات {ورب المشارق} {الصافات: ٥} وقد مضى الكلام في ذلك هنالك

﴿ ١٨