|
١٢ قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا} ندب إلى الإنفاق في سبيل اللّه. وقد مضى في {البقرة} القول فيه. والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا: قد أقرض، كما قال: وإذا جوزيت قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى ليس الجملوسمي قرضا، لأن القرض أخرج لاسترداد البدل. أي من ذا الذي ينفق في سبيل اللّه حتى يبدل اللّه بالأضعاف الكثيرة. قال الكلبي: {قرضا} أي صدقة {حسنا} أي محتسبا من قلبه بلا من ولا أذى. {فيضاعفه له} ما بين السبع إلى سبعمائة إلى ما شاء اللّه من الأضعاف. وقيل: القرض الحسن هو أن يقول سبحان اللّه والحمد اللّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر، رواه سفيان عن أبي حيان. وقال زيد بن أسلم: هو النفقة على الأهل. الحسن: التطوع بالعبادات. وقيل: إنه عمل الخير، والعرب تقول: لي عند فلان قرض صدق وقرض سوء. القشيري: والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس، يبتغي به وجه اللّه دون الرياء والسمعة، وأن يكون من الحلال. ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه، ل قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} {البقرة: ٢٦٧} وأن يتصدق في حال يأمل الحياة، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال: {أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا} وأن يخفي صدقته، لقوله تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} {البقرة: ٢٧١} وألا يمن، لقوله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} {البقرة: ٢٦٤} وأن يستحقر كثير ما يعطي، لأن الدنيا كلها قليلة، وأن يكون من أحب أموال، ل قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} {آل عمران: ٩٢} وأن يكون كثيرا، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: {أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها}. {فيضاعفه له} وقرأ ابن كثير وابن عامر {فيضعفه} بإسقاط الألف إلا ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء. وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة {فيضاعفه} بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصما نصب الفاء. ورفع الباقون عطفا على {يقرض}. وبالنصب جوابا على الاستفهام. وقد مضى في {البقرة} القول في هذا مستوفى. {وله أجر كريم} يعني الجنة. قوله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} العامل في {يوم} {وله أجر كريم}، وفي الكلام حذف أي {وله أجر كريم} في {يوم ترى} فيه {المؤمنين والمومنات يسعى نورهم} أي يمضى على الصراط في قول الحسن، وهو الضياء الذي يمرون فيه {بين أيديهم} أي قدامهم. {وبأيمانهم} قال الفراء: الباء بمعنى في، أي في أيمانهم. أو بمعنى عن أي عن أيمانهم. وقال الضحاك: {نورهم} هداهم {وبأيمانهم} كتبهم، واختاره الطبري. أي يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم. فالباء على هذا بمعنى في. ويجوز على هذا أن يوقف على {بين أيديهم} ولا يوقف إذا كانت بمعنى عن. وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة {وبأيمانهم} بكسر الألف، أراد الإيمان الذي هو ضد الكفر وعطف ما ليس بظرف على الظرف، لأن معنى الظرف الحال وهو متعلق بمحذوف. والمعنى يسعى كامنا {بين أيديهم} وكائنا {بأيمانهم}، وليس قوله: {بين أيديهم} متعلقا بنفس {يسعى}. وقيل: أراد بالنور القرآن. وعن ابن مسعود: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورا من نوره على إبهام رجله فيطفأ مرة ويوقد أخرى. وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: {إن من المؤمنين من يضيء نوره كما بين المدينة وعدن أو ما بين المدينة وصنعاء ودون ذلك حتى يكون منهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه} قال الحسن: ليستضيؤوا به على الصراط كما تقدم. وقال مقاتل: ليكون دليلا لهم إلى الجنة. واللّه أعلم. قوله تعالى: {بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار} التقدير يقال لهم: {بشراكم اليوم} دخول جنات. ولا بد من تقدير حذف المضاف، لأن البشرى حدث، والجنة عين فلا تكون هي هي. {تجري من تحتها الأنهار} أي من تحتهم أنهار اللبن والماء والخمر والعسل من تحت مساكنها. {خالدين فيها} حال من الدخول المحذوف، التقدير {بشراكم اليوم} دخول جنات {تجري من تحتها الأنهار} مقدرين الخلود فيها ولا تكون الحال من بشراكم، لأن فيه فصلا بين الصلة والموصول. ويجوز أن يكون مما دل عليه البشرى، كأنه قال: تبشرون خالدين. ويجوز أن يكون الظرف الذي هو {اليوم} خبرا عن {بشراكم} و {جنات} به لا من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم. و {خالدين} حال حسب ما تقدم. وأجاز الفراء نصب {جنات} على الحال على أن يكون {اليوم} خبرا عن {بشراكم} وهو بعيد، إذ ليس في {جنات} معنى الفعل. وأجاز أن يكون {بشراكم} نصبا على معنى يبشرونهم بشرى وينصب {جنات} بالبشرى وفيه تفرقة بين الصلة والموصول. |
﴿ ١٢ ﴾