|
١٢ قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول} {ناجيتم} ساررتم. قال ابن عباس: نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد اللّه عز وجل أن يخفف عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم، فلما قال ذلك كف كثير من الناس. ثم وسع اللّه عليهم بالآية التي بعدها. وقال الحسن: نزلت بسب أن قوما من المسلمين كانوا يستخلون النبي صلى اللّه عليه وسلم ويناجونه، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى، فشق عليهم ذلك فأمرهم اللّه تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلافه. وقال زيد بن أسلم: نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى اللّه عليه وسلم ويقولون: إنه أذن يسمع كل ما قيل له، وكان لا يمنع أحدا مناجاته. فكان ذلك يشق على المسلمين، لأن الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله. قال: فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول} {المجادلة: ٩} الآمة، فلم ينتهوا فأنزل اللّه هذه الآية، فأنتهى أهل الباطل عن النجوى، لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة، وشق ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا من النجوى، لضعف مقدرة كثير منهم عن الصدقة فخفف اللّه عنهم بما بعد الآية. قال ابن العربي: وفي هذا الخبر عن زيد ما يدل على أن الأحكام لا تترتب بحسب المصالح، فإن اللّه تعالى قال: {ذلك خير لكم وأطهر} ثم نسخه مع كونه خيرا وأطهر. وهذا رد على المعتزلة عظيم في التزام المصالح، لكن راوي الحديث عن زيد ابنه عبدالرحمن وقد ضعفه العلماء. والأمر في قوله تعالى: {ذلك خير لكم وأطهر} نص متواتر في الرد على المعتزلة. واللّه أعلم.روى الترمذي عن علي بن علقمة الأنماري عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} سألته قال لي النبي صلى اللّه عليه وسلم: {ما ترى دينارا} قلت لا يطيقونه. قال: {فنصف دينار} قلت: لا يطيقونه. قال: {فكم} قلت: شعيرة. قال: {إنك لزهيد} قال فنزلت: {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} {المجادلة: ١٣} الآية. قال: فبي خفف اللّه عن هذه الأمة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، ومعنى قوله: شعيرة يعني وزن شعيرة من ذهب. قال ابن العربي: وهذا يدل على مسألتين حسنتين أصوليتين: الأولى: نسخ العبادة قبل فعلها. والثانية: النظر في المقدرات بالقياس، خلافا لأبي حنيفة. قلت: الظاهر أن النسخ إنما وقع بعد فعل الصدقة. وقد روي عن مجاهد: أن أول من تصدق في ذلك علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وناجى النبي صلى اللّه عليه وسلم. روي أنه تصدق بخاتم. وذكر القشيري وغيره عن علي بن ابن طالب أنه قال: في كتاب اللّه آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، وهي: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بن يدي نجواكم صدقة} كان لى دينار فبعته، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الأخرى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} {المجادلة: ١٣}. وكذلك قال ابن عباس: نسخها اللّه بالآية التي بعدها. وقال ابن عمر: لقد كانت لعلي رضي اللّه عنه ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى. قوله تعالى: {ذلك خير لكم} أي من إمساكها {وأطهر} لقلوبكم من المعاصي {فإن لم تجدوا} يعني الفقراء {فإن اللّه غفور رحيم}. |
﴿ ١٢ ﴾