|
٧ قوله تعالى: {وما أفاء اللّه} يعني ما رده اللّه تعالى {على رسوله} من أموال بني النضير. {قما أوجفتم عليه} أوضعتم عليه. والإيجاف: الإيضاع في السير وهو الإسراع؛ يقال: وجف الفرس إذا أسرع، وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته؛ ومنه قول تميم بن مقبل: مذاويد بالبيض الحديث صقالها عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا والركاب الإبل، واحدها راحلة. يقول: لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حربا ولا مشقة؛ وإنما كان من المدينة على ميلين؛ قاله الفراء. فمشوا إليها مشيا ولم يركبوا خيلا ولا إبلا؛ إلا النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه ركب جملا وقيل حمارا مخطوما بليف، فافتتحها صلحا وأجلاهم وأخذ أموالهم. فسأل المسلمون النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقسم لهم فنزلت: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه} الآية. فجعل أموال بني النضير للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة يضعها حيث شاء؛ فقسمها النبي صلى اللّه عليه وسلم بين المهاجرين. قال الواقدي: والمعنى ابن وهب عن مالك؛ ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين؛ منهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة. وقيل: إنما أعطى رجلين، سهلا وأبا دجانة. ويقال: أعطى سعد بن معاذ سيف بن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: سفيان بن عمير، وسعد بن وهب؛ أسلما على أموالهما فأحرزاها. وفي صحيح مسلم عن عمر قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وكانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللّه تعالى. وقال العباس لعمر - رضي اللّه عنهما -: اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن - يعني عليا رضي اللّه عنه - فيما أفاء اللّه على رسوله من أموال بني النضير. فقال عمر: أتعلمان أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: {لا نورث ما تركناه صدقة} قالا نعم. قال عمر: إن اللّه عز وجل كان خص رسوله صلى اللّه عليه وسلم بخاصة ولم يخصص بها أحدا غيره. قال: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول} {ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا} فقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينكم أموال بني النضير، فواللّه ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال؛ فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي أسوة المال... الحديث بطوله، خرجه مسلم. وقيل: لما ترك بنو النضير ديارهم وأموالهم طلب المسلمون أن يكون لهم فيها حظ كالغنائم؛ فبين اللّه تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال؛ لأنهم حوصروا أياما وقاتلوا وقتلوا، ثم صالحوا على الجلاء. ولم يكن قتال على التحقيق؛ بل جرى مبادئ القتال وجرى الحصار، وخص اللّه تلك الأموال برسوله صلى اللّه عليه وسلم. وقال مجاهد: اعلمهم اللّه تعالى وذكرهم أنه إنما نصر رسول صلى اللّه عليه وسلم ونصرهم بغير كراع ولا عدة. {ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء} أي من أعدائه. وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دون أصحابه. قوله تعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى} قال ابن عباس: هي قريظة والنضير، وهما بالمدينة وفدك، وهي على ثلاثة أيام من المدينة وخيبر. وقرى عرينة وينبع جعلها اللّه لرسوله. وبين أن في ذلك المال الذي خصه بالرسول عليه السلام سهمانا لغير الرسول نظرا منه لعباده. وقد تكلم العلماء في هذه الآية والتي قبلها، هل معناهما واحد أو مختلف، والآية التي في الأنفال؛ فقال قوم من العلماء: إن قوله تعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى} منسوخ بما في سورة الأنفال من كون الخمس لمن سمي له، والأخماس الأربعة لمن قاتل. وكان في أول الإسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولا يكون لمن قاتل عليها شيء. وهذا قول يزيد بن رومان وقتادة وغيرهما. ونحوه عن مالك. وقال قوم: إنما غنم بصلح من غير إيجاف خيل ولا ركاب؛ فيكون لمن سمى اللّه تعالى فيه فيئا والأولى للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة، إذا أخذ منه حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين. وقال معمر: الأولى: للنبي صلى اللّه عليه وسلم. والثانية: هي الجزية والخراج للأصناف المذكورة فيه. والثالثة: الغنيمة في سورة الأنفال للغانمين. وقال قوم منهم الشافعي: إن معنى الآيتين واحد؛ أي ما حصل من أموال الكفار بغير قتال قسم على خمسة أسهم؛ أربعة منها للنبي صلى اللّه عليه وسلم. وكان الخمس الباقي على خمسة أسهم: سهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيضا وسهم لذوي القربى - وهم بنو هاشم وبنو المطلب - لأنهم منعوا الصدقة فجعل لهم حق في الفيء. وسهم لليتامى. وسهم للمساكين. وسهم لابن السبيل. وأما بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فالذي كان من ألفيء لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصرف عند الشافعي في قول إلى المجاهدين المترصدين للقتال في الثغور؛ لأنهم القائمون مقام الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي قول آخر له: يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثغور وحفر الأنهار وبناء القناطر؛ يقدم الأهم فالأهم، وهذا في أربعة أخماس الفيء. فأما السهم الذي كان له من خمس الفيء والغنيمة فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلى اللّه عليه وسلم بلا خلاف؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: {ليس لي من غنائمكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم}. وقد مضى القول فيه في سورة {الأنفال}. وكذلك ما خلفه من المال غير موروث، بل هو صدقة يصرف عنه إلى مصالح المسلمين؛ كما قال عليه السلام: {إنا لا نورث ما تركناه صدقة}. وقيل: كان مال الفيء لنبيه صلى اللّه عليه وسلم، ل قوله تعالى: {ما أفاء اللّه رسوله} فأضافه إليه؛ غير أنه كان لا يتأثل مالا، إنما كان يأخذ بقدر حاجة عياله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا إشكال أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات؛ أما الآية الأولى فهي قوله: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} {الحشر: ٢} ثم قال تعالى: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم} يعني من أهل الكتاب معطوفا عليهم. {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} يريد كما بينا؛ فلا حق لكم فيه، ولذلك قال عمر: إنها كانت خالصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يعني بني النضير وما كان مثلها. فهذه آية واحدة ومعنى متحد. قوله تعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول} وهذا كلام مبتدأ غير الأول لمستحق غير الأول. وسمى الآية الثالثة آية الغنيمة، ولا شك في أنه معنى آخر باستحقاق ثان لمستحق آخر، بيد أن الآية الأولى والثانية، اشتركتا في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه اللّه على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثالثة وهي قوله تعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى} عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال؛ فنشأ الخلاف من ها هنا، فمن طائفة قالت: هي ملحقة بالأولى، وهو مال الصلح كله ونحوه. ومن طائفة قالت: هي ملحقة بالثانية وهي آية الأنفال. والذين قالوا أنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا؛ هل هي منسوخة - كما تقدم - أو محكمة؟ وإلحاقها بشهادة اللّه بالتي قبلها أولى؛ لأن فيه تجديد فائدة ومعنى. ومعلوم أن حمل الحرف من الآية فضلا عن الآية على فائدة متجددة أولى من حمله على فائدة معادة. وروى ابن وهب عن مالك في قوله تعالى: {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} بني النضير، لم يكن فيها خمس ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. كانت صافية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقسمها بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار؛ حسب ما تقدم. وقوله: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى} هي قريظة، وكانت قريظة والخندق في يوم واحد. قال ابن العربي: قول مالك إن الآية الثانية في بني قريظة، إشارة إلى أن معناها يعود إلى آية الأنفال، ويلحقها النسخ. وهذا أقوى من القول بالإحكام. ونحن لا نختار إلا ما قسمنا وبينا أن الآية الثانية لها معنى مجدد حسب ما دللنا عليه. واللّه اعلم. قلت: ما اختاره حسن. وقد قيل إن سورة {الحشر} نزلت بعد الأنفال، فمن المحال أن ينسخ المتقدم المتأخر. وقال ابن أبي نجيح: المال ثلاثة: مغنم، أو فيء، أو صدقة، وليس منه درهم إلا وقد بين اللّه موضعه. وهذا أشبه. الأموال التي للأئمة والولاة فيها مدخل ثلاثة أضرب: ما أخذ من المسلمين على طريق التطهير لهم؛ كالصدقات والزكوات. والثاني: الغنائم؛ وهو ما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب والقهر والغلبة. والثالث: الفيء، وهو ما رجع للمسلمين من أموال الكفار عفوا صفوا من غير قتال ولا إيجاف؛ كالصلح والجزية والخراج والعشور المأخوذة من تجار الكفار. ومثله أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم، أو يموت أحد منهم في دار الإسلام ولا وارث له. فأما الصدقة فمصرفها الفقراء والمساكين والعاملين عليها؛ حسب ما ذكره اللّه تعالى، وقد مضى في {براءة}. وأما الغنائم فكانت في صدر الإسلام للنبي صلى اللّه عليه وسلم يصنع فيها ما شاء؛ كما قال في سورة {الأنفال}: {قل الأنفال للّه والرسول} {الأنفال: ١}، ثم نسخ ب قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} {الأنفال: ٤١} الآية. وقد مضى في الأنفال بيانه. فأما الفيء فقسمته وقسمة الخمس سواء. والأمر عند مالك فيهما إلى الإمام، فإن رأى حبسهما لنوازل تنزل بالمسلمين فعل، وإن رأى قسمتهما أو قسمة أحدهما قسمه كله بين الناس، وسوى فيه بين عربيهم ومولاهم. ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا، ويعطوا ذوو القربى من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الفيء سهمهم على ما يراه الإمام، وليس له حد معلوم.واختلف في إعطاء الغني منهم؛ فأكثر الناس على إعطائه لأنه حق لهم. وقال مالك: لا يعطي منه غير فقرائهم، لأنه جعل لهم عوضا من الصدقة. وقال الشافعي: أيما حصل من أموال الكفار من غير قتال كان يقسم في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم على خمسة وعشرين سهما: عشرون للنبي صلى اللّه عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء. والخمس يقسم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة. قال أبو جعفر أحمد بن الداودي: وهذا قول ما سبقه به أحد علمناه، بل كان ذلك خالصا له؛ كما ثبت في الصحيح عن عمر مبينا للآية. ولو كان هذا لكان قوله: {خالصة لك من دون المؤمنين} {الأحزاب: ٥٠} يدل على أنه يجوز الموهبة لغيره، وأن قوله: {خالصة يوم القيامة} {الأعراف: ٣٢} يجوز أن يشركهم فيها غيرهم. وقد مضى قول الشافعي مستوعبا في ذلك والحمد للّه. ومذهب الشافعي رضي اللّه عنه: أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة، وأن أربعه أخماسه كانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم، وهي بعده لمصالح المسلمين. وله قول آخر: أنها بعده للمرصدين أنفسهم للقتال بعده خاصة؛ كما تقدم. قال علماؤنا: ويقسم كل مال في البلد الذي جبي فيه، ولا ينقل عن ذلك البلد الذي جبي فيه حتى يغنوا، ثم ينقل إلى الأقرب من غيرهم، إلا أن ينزل بغير البلد الذي جبي فيه فاقة شديدة، فينتقل ذلك إلى أهل الفاقة حيث كانوا، كما فعل عمر بن الخطات رضي اللّه عنه في أعوام الرمادة، وكانت خمسة أعوام أو ستة. وقد قيل عامين وقيل: عام فيه اشتد الطاعون مع الجوع. وإن لم يكن ما وصفنا ورأى الإمام إيقاف الفيء أوقفه لنوائب المسلمين، ويعطى منه المنفوس ويبدأ بمن أبوه فقير. والفيء حلال للأغنياء. ويسوى بين الناس فيه إلا أنه يؤثر أهل الحاجة والفاقة. والتفضيل فيه إنما يكون على قدر الحاجة. ويعطي منه الغرماء ما يؤدون به ديونهم. ويعطي منه الجائزة والصلة إن كان ذلك أهلا، ويرزق القضاء والحكام ومن فيه منفعة للمسلمين. وأولاهم بتوفر الحظ منهم أعظمهم للمسلمين نفعا. ومن أخذ من ألفيء شيئا في الديوان كان عليه أن يغزو إذا غزي. قوله تعالى: {كي لا يكون دولة} قراءة العامة {يكون} بالياء. {دولة} بالنصب، أي كي لا يكون الفيء دولة وقرأ أبو جعفر والأعرج وهشام - عن ابن عامر - وأبو حيوة {تكون} بتاء {دولة} بالرفع، أي كي لا تقع دولة. فكانت تامة. و {دولة} رفع على اسم كان ولا خبر له. ويجوز أن تكون ناقصة وخبرها {بين الأغنياء منكم}. وإذا كانت تامة فقوله: {بين الأغنياء منكم} متعلق بـ {دولة} على معنى تداول بين الأغنياء منكم. ويجوز أن يكون {بين الأغنياء منكم} وصفا لـ {دولة}. وقراءة العامة {دولة} بضم الدال. وقرأها السلمي وأبو حيوة بالنصب. قال عيسى بن عمر ويونس والأصمعي: هما لغتان بمعنى واحد. وقال أبو عمرو بن العلاء: الدولة {بالفتح} الظفر في الجواب وغيره، وهي المصدر. وبالضم اسم الشيء الذي يتداول من الأموال. وكذا قال أبو عبيدة: الدولة اسم الشيء الذي يتداول. والدولة الفعل. ومعنى الآية: فعلنا ذلك في هذا الفيء، كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه، وهو المرباع. ثم يصطفي منها أيضا بعد المرباع ما شاء؛ وفيها قال شاعرهم: لك المرباع منها والصفايايقول: كي لا يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية. فجعل اللّه هذا لرسوله صلى اللّه عليه وسلم؛ يقسمه في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس، فإذا جاء خمس وقع بين المسلمين جميعا. قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عه فانتهوا} أي ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه، وما نهاكم عنه من الأخذ والغلول فانتهوا؛ قاله الحسن وغيره. السدي: ما أعطاكم من مال الفيء فأقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه. وقال ابن جريج: ما آتاكم من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه. الماوردي: وقيل إنه محمول على العموم في جميع أوامره ونواهيه؛ لا يأمر إلا بصلاح ولا ينهى إلا عن فساد. قلت: هذا هو معنى القول الذي قبله. فهي ثلاثة أقوال. قال المهدوي: قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا} هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر من اللّه تعالى. والآية وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره صلى اللّه عليه وسلم ونواهيه دخل فيها. وقال الحكم بن عمير - وكانت له صحبة - قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إن هذا القرآن صعب مستصعب عسير على من تركه يسير على من اتبعه وطلبه. وحديثي صعب مستصعب وهو الحكم فمن استمسك بحديثي وحفظه نجا مع القرآن. ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة. وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمري وتتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال اللّه تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا} ). قال عبدالرحمن بن زيد: لقي ابن مسعود رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له: انزع عنك هذا. فقال الرجل: أتقرأ علي بهذا آية من كتاب اللّه تعالى؟ قال: نعم، {وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا}. وقال عبداللّه بن محمد بن هارون الفريابي: سمعت الشافعي رضي اللّه عنه يقول: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب اللّه تعالى وسنة نبيكم صلى اللّه عليه وسلم؛ قال فقلت له: ما تقول - أصلحك اللّه - في المحرم يقتل الزنبور؟ قال فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال اللّه تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبدالملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر}. حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - أنه أمر بقتل الزنبور. قال علماؤنا: وهذا جواب في نهاية الحسن، أفتى بجواز قتل الزنبور في الإحرام، وبين أنه يقتدي فيه بعمر، وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر بالاقتداء به، وأن اللّه سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي صلى اللّه عليه وسلم؛ فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسنة. وقد مضى هذا المعنى من قول عكرمة حين سئل عن أمهات الأولاد فقال: هن أحرار في سورة {النساء} عند قوله تعالى: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} {النساء: ٥٩}. وفي صحيح مسلم وغيره عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {لعن اللّه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللّه} فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب؛ فجاءت فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في كتاب اللّه! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه! أما قرأت {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ! قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه.. الحديث. وقد مضى القول فيه في {النساء} مستوفى. قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وإن جاء بلفظ الإيتاء وهو المناولة فإن معناه الأمر؛ بدليل قوله تعالى: {وما نهاكم عنه فانتهوا} فقابله بالنهي، ولا يقابل النهي إلا بالأمر؛ والدليل على فهم ذلك ما ذكرناه قبل مع قوله عليه الصلاة والسلام: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}. وقال الكلبي: إنها نزلت في رؤوساء المسلمين، قالوا فيما ظهر عليه رسول اللّه من أموال، المشركين: يا رسول اللّه، خذ صفيك والربع، ودعنا والباقي؛ فهكذا كنا نفعل في الجاهلية. وأنشدوه: لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. {واتقوا اللّه} أي عذاب اللّه، إنه شديد لمن عصاه. وقيل: اتقوا اللّه في أوامره ونواهيه فلا تضيعوها. {إن اللّه شديد العقاب} لمن خالف ما أمره به. |
﴿ ٧ ﴾