|
٨ قوله تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} هذه الآية رخصة من اللّه تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم. قال ابن زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ. قال قتادة: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} {التوبة: ٥}. وقيل: كان هذا الحكم لعلة وهو الصلح، فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم وبقي الرسم يتلى. وقيل: هي مخصوصة في حلفاء النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن بينه وبينه عهد لم ينقضه؛ قال الحسن. الكلبي: هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف. وقاله أبو صالح، وقال: هم خزاعة. وقال مجاهد: هي مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا. وقيل: يعني به النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل؛ فأذن اللّه في برهم. حكاه بعض المفسرين. وقال أكثر أهل التأويل: هي محكمة. واحتجوا بأن أسماء بنت أبي بكر سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم: هل تصل أمها حين قدمت عليها مشركة؟ قال: {نعم} خرجه البخاري ومسلم. وقيل: إن الآية فيها نزلت. روى عامر بن عبداللّه بن الزبير عن أبيه: أن أبا بكر الصديق طلق امرأته قتيلة في الجاهلية، وهي أم أسماء بنت أبي بكر، فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبين كفار قريش، فأهدت، إلى أسماء بنت أبي بكر الصديق قرطا وأشياء؛ فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأنزل اللّه تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين}. ذكر هذا الخبر الماوردي وغيره، وخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده. قوله تعالى: {أن تبروهم} {أن} في موضع خفض على البدل من {الذين} ؛ أي لا ينهاكم اللّه عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم. وهم خزاعة، صالحوا النبي صلى اللّه عليه وسلم على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا؛ فأمر ببرهم والوفاء لهم إلى أجلهم؛ حكاه الفراء. {وتقسطوا إليهم} أي تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة. وليس يريد به من العدل؛ فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل؛ قاله ابن العربي. قال القاضي أبو بكر في كتاب الأحكام له: استدل به بعض من تعقد عليه الخناصر على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر. وهذه وهلة عظيمة، إذ الإذن في الشيء أو ترك النهي عنه لا يدل على وجوبه، وإنما يعطيك الإباحة خاصة. وقد بينا أن إسماعيل بن إسحاق القاضي دخل عليه ذمي فأكرمه، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك؛ فتلا هذه الآية عليهم. |
﴿ ٨ ﴾