١٢

قوله تعالى: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} هذا من قول الجن، أي قال بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون ومنا الكافرون.

وقيل: {ومنا دون ذلك} أي ومن دون الصالحين في الصلاح، وهو أشبه من حمله على الإيمان والشرك.

{كنا طرائق قددا} أي فرقا شتى؛ قال السدي. الضحاك: أديانا مختلفة. قتادة: أهواء متباينة؛ ومنه قول الشاعر:

القابض الباسط الهادي بطاعته في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد

والمعنى: أي لم يكن كل الجن كفارا بل كانوا مختلفين: منهم كفار، ومنهم مؤمنون صلحاء، ومنهم مؤمنون غير صلحاء. وقال المسيب: كنا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس. وقال السدي في قوله تعالى: {طرائق قددا} قال: في الجن مثلكم قدرية، ومرجئة، وخوارج، ورافضة، وشيعة، وسنية. وقال قوم: أي وإنا بعد استماع القرآن مختلفون: منا المؤمنون ومنا الكافرون. أي ومنا الصالحون ومنا مؤمنون لم يتناهوا في الصلاح.

والأول أحسن؛ لأنه كان في الجن من آمن بموسى وعيسى، وقد أخبر اللّه عنهم أنهم قالوا: {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه} {الأحقاف: ٣٠} وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة، وكان هذا مبالغة منهم في دعاء من دعوهم إلى الإيمان. وأيضا لا فائدة في قولهم: نحن الآن منقسمون إلى مؤمن وإلى كافر. والطرائق: جمع الطريقة وهي مذهب الرجل، أي كنا فرقا مختلفة. ويقال: القوم طرائق أي على مذاهب شتى. والقدد: نحو من الطرائق وهو توكيد لها، واحدها: قدة. يقال: لكل طريق قدة، وأصلها من قد السيور، وهو قطعها؛ قال لبيد يرثي أخاه أربد:

لم تبلغ العين كل نهمتها ليلة تمسي الجياد كالقدد

وقال آخر:

ولقد قلت وزيد حاسر يوم ولت خيل عمرو قددا

والقد بالكسر: سير يقد من جلد غير مدبوغ؛ ويقال: ماله قد ولا قحف؛ فالقد: إناء من جلد، والقحف: من خشب.

قوله تعالى: {وأنا ظننا أن لن نعجز اللّه في الأرض} الظن هنا بمعنى العلم واليقين، وهو خلاف الظن في قوله تعالى: {وأنا ظننا أن لن تقول} {الجن: ٥}، {وأنهم ظنوا} {الجن: ٧} أي علمنا بالاستدلال والتفكر في آيات اللّه، أنا في قبضته وسلطانه، لن نفوته بهرب ولا غيره. و {هربا} مصدر في موضع الحال أي هاربين.

﴿ ١٢