١٤

قوله تعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما} الأنكال: القيود. عن الحسن ومجاهد وغيرهما. واحدها نكل، وهو ما منع الإنسان من الحركة.

وقيل: سمى نكلا، لأنه ينكل به. قال الشعبي: أترون أن اللّه تعالى جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا؟ لا واللّه! ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم.وقال الكلبي: الأنكال: الأغلال، والأول أعرف في اللغة؛ ومنه قول الخنساء:

دعاك فقطعت أنكاله وقد كن قبلك لا تقطع

وقيل: إنه أنواع العذاب الشديد؛ قاله مقاتل. وقد جاء أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: {إن اللّه يحب النكل على النكل} بالتحريك، قال الجوهري. قيل: وما النكل؟ قال: {الرجل القوي المجرب، على الفرس القوي المجرب} ذكره الماوردي قال: ومن ذلك سمي القيد نكلا لقوته، وكذلك، الغل، وكل عذاب قوي فاشتد، والجحيم النار المؤججة.

{وطعاما ذا غصة} أي غير سائغ؛ يأخذ بالحلق، لا هو نازل ولا هو خارج، وهو الغسلين والزقوم والضريع؛ قاله ابن عباس. وعنه أيضا: انه شوك يدخل الحلق، فلا ينزل ولا يخرج. وقال الزجاج: أي طعامهم الضريع؛ كما قال: {ليس لهم طعام إلا من ضريع} {الغاشية: ٦} وهو شوك كالعوسج. وقال مجاهد: هو الزقوم، كما قال: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم} {الدخان: ٤٣ - ٤٤}. والمعنى واحد. وقال حمران بن أعين: قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم {إن لدينا أنكالا وجحيما. وطعاما ذا غصة} فصعق.

وقال خليد بن حسان: أمسى الحسن عندنا صائما، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية {إن لدينا أنكالا وجحيما. وطعاما} فقال: أرفع طعامك. فلما كانت الثانية أتيته بطعام فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعوه. ومثله في الثالثة؛ فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم، فجاؤوه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق. والغصة: الشجا، وهو ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره. وجمعها غصص. والغصص بالفتح مصدر قولك: غصصت يا رجل تغص، فأنت غاص بالطعام وغصان، وأغصصته أنا، والمنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم.

قوله تعالى: {يوم ترجف الأرض والجبال} أي تتحرك وتضطرب بمن عليها. وانتصب {يوم} على الظرف أي ينكل بهم ويعذبون {يوم ترجف الأرض}.

وقيل: بنزع الخافض؛ يعني هذه العقوبة في يوم ترجف الأرض والجبال.

وقيل: العامل {ذرني} أي وذرني والمكذبين يوم ترجف الأرض والجبال.

{وكانت الجبال كثيبا مهيلا} أي وتكون. والكثيب الرمل المجتمع - قال حسان:

عرفت ديار زينب بالكثيب كخط الوحي في الورق القشيب

والمهيل: الذي يمر تحت الأرجل. قال الضحاك والكلبي: المهيل: هو الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها، وإذا أخذت أسفله انهال.

وقال ابن عباس: {مهيلا} أي رملا سائلا متناثرا وأصله مهيول وهو مفعول من قولك: هلت عليه التراب أهيله هيلا: إذا صببته. يقال: مهيل ومهيول، ومكيل ومكيول، ومدين ومديون، ومعين ومعيون؛ وقال الشاعر:

قد كان قومك يحسبونك سيدا وإدخال أنك سيد معيون

وفي حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم أنهم شكوا إليه الجدوبة؛ فقال: {أتكيلون أم تهيلون} قالوا: نهيل. قال: {كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه}. وأهلت الدقيق لغة في هلت فهو مهال ومهيل. وإنما حذفت الواو، لأن الياء تثقل فيها الضمة، فحذفت فسكنت هي والواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين.

﴿ ١٤