٥

قوله تعالى: {عم} لفظ استفهام؛ ولذلك سقطت منها ألف {ما}، ليتميز الخبر عن الاستفهام. وكذلك {فيم، ومم} إذا استفهمت. والمعنى عن أي شيء يسأل بعضهم بعضا. وقال الزجاج: أصل {عم} عن ما فأدغمت النون في الميم، لأنها تشاركها في الغنة. والضمير في {يتساءلون} لقريش.

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به فنزلت {عم يتساءلون} ؟ وقيل: {عم} بمعنى: فيم يتشدد المشركون ويختصمون.

قوله تعالى: {عن النبأ العظيم} أي يتساءلون {عن النبأ العظيم} فعن ليس تتعلق بـ {يتساءلون} الذي في التلاوة؛ لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام فيكون {عن النبأ العظيم} كقولك: كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ فوجب لما ذكرناه من امتناع تعلقه {بيتساءلون} الذي في التلاوة، وإنما يتعلق بيتساءلون آخر مضمر. وحسن ذلك لتقدم يتساءلون؛ قال المهدوي. وذكر بعض أهل العلم أن الاستفهام في قوله: {عن} مكرر إلا أنه مضمر، كأنه قال عم يتساءلون أعن النبأ العظيم؟ فعلى هذا يكون متصلا بالآية الأولى.

و {النبأ العظيم} أي الخبر الكبير.

قوله تعالى: {الذي هم فيه مختلفون} أي يخالف فيه بعضهم بعضا، فيصدق واحد ويكذب آخر؛ فروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هو القرآن؛ دليله قوله: {قل هو نبأ عظيم. أنتم عنه معرضون} [ص: ٣٨-٣٩] فالقرآن نبأ وخبر وقصص، وهو نبأ عظيم الشأن. وروى سعيد عن قتادة قال: هو البعث بعد الموت صار الناس فيه رجلين: مصدق ومكذب. وقيل: أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم.

وروي الضحاك عن ابن عباس قال: وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء كثيرة، فأخبره اللّه جل ثناؤه باختلافهم، ثم هددهم فقال: {كلا سيعلمون} أي سيعلمون عاقبة القرآن، أو سيعلمون البعث: أحق هو أم باطل. و {كلا} رد عليهم في إنكارهم البعث أو تكذيبهم القرآن، فيوقف عليها. ويجوز أن يكون بمعنى حقا أو {ألا} فيبدأ بها. والأظهر أن سؤالهم إنما كان عن البعث؛ قال بعض علمائنا: والذي يدل عليه قوله عز وجل: {إن يوم الفصل كان ميقاتا} [النبأ: ١٧] يدل على أنهم كانوا يتساءلون عن البعث. {ثم كلا سيعلمون} أي حقا ليعلمن صدق ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم من القرآن ومما ذكره لهم من البعث بعد الموت. وقال الضحاك: {كلا سيعلمون} يعني الكافرين عاقبة تكذيبهم. {ثم كلا سيعلمون} يعني المؤمنين عاقبة تصديقهم.

وقيل: بالعكس أيضا. وقال الحسن: هو وعيد بعد وعيد. وقراءة العامة فيهما بالياء على الخبر؛ ل قوله تعالى: {يتساءلون} وقوله: {هم فيه مختلفون}. وقرأ الحسن وأبو العالية ومالك بن دينار بالتاء فيهما.

﴿ ٥