|
٢٠ قوله تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا} يعني: أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة، أو أطعم في يوم ذا مسغبة، حتى يكون من الذين آمنوا؛ أي صدقوا، فإن شرط قبول الطاعات الإيمان باللّه. فالإيمان باللّه بعد الإنفاق لا ينفع، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالإيمان، قال اللّه تعالى في المنافقين: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا باللّه وبرسوله}. [التوبة: ٥٤]. وقالت عائشة: يا رسول اللّه، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم الطعام، ويفك العاني، ويعتق الرقاب، ويحمل على إبله للّه، فعل ينفعه ذلك شيئا؟ قال: (لا، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين). وقيل: {ثم كان من الذين آمنوا} أي فعل هذه الأشياء وهو مؤمن، ثم بقي على إيمانه حتى الوفاة؛ نظيره قوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: ٨٢]. وقيل: المعنى ثم كان من الذين يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند اللّه تعالى. وقيل: أتى بهذه القرب لوجه اللّه، ثم أمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم. وقد قال حكيم بن حزام بعدما أسلم، يا رسول اللّه، إنا كنا نتحنث بأعمال في الجاهلية، فهل لنا منها شيء؟ فقال عليه السلام: (أسلمت على ما أسلفت من الخير). وقيل: إن {ثم} بمعنى الواو؛ أي وكان هذا المعتق الرقبة، والمطعم في المسغبة، من الذين أمنوا. {وتواصوا} أي أوصى بعضهم بعضا. {بالصبر} أي بالصبر على طاعة اللّه، وعن معاصيه؛ وعلى ما أصابهم من البلاء والمصايب. {وتواصوا بالمرحمة} بالرحمة على الخلق؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين. قوله تعالى: {أولئك أصحاب الميمنة} أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم؛ قال محمد بن كعب القرظي وغيره. وقال يحيى بن سلام: لأنهم ميامين على أنفسهم. ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيمن. وقيل: لأن منزلتهم عن اليمين؛ قاله ميمون بن مهران. {والذين كفروا بآياتنا} أي كفروا بالقرآن. {هم أصحاب المشأمة} أي يأخذون كتبهم بشمائلهم؛ قال محمد بن كعب. يحيى بن سلام: لأنهم مشائيم على أنفسهم. ابن زيد: لأنهم أخذوا من شق آدم الأيسر. ميمون: لأن منزلتهم عن اليسار. قلت: ويجمع هذه الأقوال أن يقال: إن أصحاب الميمنة أصحاب الجنة، وأصحاب المشأمة أصحاب النار؛ قال اللّه تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين، في سدر مخضود}، وقال: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال. في سموم وحميم} [الواقعة: ٤٢]. وما كان مثله. ومعنى {مؤصدة} أي مطبقة مغلقة. قال: تحن إلى جبال مكة ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء مؤصده وقيل: مبهمة، لا يدري ما داخلها. وأهل اللغة يقولون: أوصدت الباب وأصدته؛ أي أغلقته. فمن قال أوصدت، فالاسم الوصاد، ومن قال آصدته، فالاسم الإصاد. وقرأ أبو عمرو وحفص وحمزة ويعقوب والشيزري عن الكسائي {موصدة} بالهمز هنا، وفي {الهمزة}. الباقون بلا همز. وهما لغتان. وعن أبي بكر بن عياش قال: لنا إمام يهمز {مؤصدة} فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته. |
﴿ ٢٠ ﴾