تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى

الحنيفي

(ت ٧١٠ هـ ١٣١٠ م)

_________________________________

وهو تفسير مختصر مفيد، اختصره النسفي من تفسير البيضاوي، ومن الكشاف للزمخشري، فجاء، كما قال المؤلف: كتابا وسطا في التأويلات، جامعا لوجوه الإعراب والقراءات، متضمنا لدقائق علمي البديع والإشارات حاليا بأقاويل أهل الستة والجماعة، خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة، ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل “.

ولا يخوض النسفي في المسائل النحوية إلا بلطف، ويلتزم بالقراءات السبع المتواترة مع نسبة كل قراءة إلى قارئها، ويعرض للمذاهب الفقهية باختصار عند تفسير آيات الأحكام، ويوجه الأقوال بدون توسع، وينتصر لمذهبه الحنفي في كثير من الأحيان، ويرد على من خالفه، ويندر فيه ذكر الإسرائيليات، يتعقبها ثم يرفضها والكتاب متوسط الحجم، سهل التناول، كثير التداول، مشهور بين الناس، وحاز القبول بين العلماء، وتقرر تدريسه في الأزهر والمدارس الشرعية عدة أعوام

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه المنزه بذاته عن إشارة الأوهام المقدس بصفاته عن إدراك العقول والأفهام المتصف بالألوهية قبل كل موجود الباقي بالنعوت السرمدية بعد كل محدود الملك الذي طمست سبحات جلاله الأبصار المتكبر الذي أزاحت سطوات كبريائه الأفكار القديم الذي تعالى عن مماثلة الحدثان العظيم الذى تنزه عن مماسة المكان المتعالى عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام القادر الذي لا يشار إليه بالتكييف القاهر الذي لا يسأل عن التحميل والتكليف العليم الذي خلق الانسان وعلمه البيان الحكيم الذى نزل القرآن شفاء للأرواح والأبدان والصلاة والسلام عى المستل من أرومة البلاغة والبراعة المحتل في بحبوحة النصاحة والفصاحة محمد المبعوث إلى خليقته الداعى إلى الحق وطريقته صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله وشيعته قال مولانا الشيخ الامام المعظم والحبر الهمام المقدم استاذ أهل الأرض محى السنة والفرض كشاف حقائق أسرار التنزيل مفتاح أسرار حقائق التأويل ترجمان كلام الرحمن صاحب علم المعانى والبيان الجامع بين الأصول والفروع المرجوع إليه في المعقول والمسموع حافظ الملة والدين شيخ الإسلام والمسلمين وارث علوم الأنبياء والمرسلين أكمل فحول المجتهدين قدوة قروم المحققين ذو السعادات والكرامات أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى نفع اللّه الإسلام بطول بقائه والمسلمين بيمن لقائه قد سألني من تتعين إجابته كتابا وسطا في التأويلات جامعا لوجوه الاعراب والقراءات متضمنا لدقائق علمى البديع والاشارات حاليا بأقاويل أهل السنة والجماعة خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل وكنت أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى استقصارا لقوة البشر عن درك هذا الوطر وأخذا لسبيل الحذر عن ركوب متن الخطر حتى شرعت فيه بتوفيق اللّه والعوائق كثيرة وأتممته في مدة يسيرة وسميته بمدارك التنزيل وحقائق التأويل وهو الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالا جابة جدير

سورة الفاتحة

فاتحة الكتاب مكية وقيل مدنية والأصح أنها مكية ومدنية نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ثم نزلت بالمدينة حين حولت القبلة إلى الكعبة

وتسمى أم القرآن للحديث قال عليه السلام:

لا صلاة لمن لم يقرا بام القرآن

ولاشتمالها على المعاني التى في القرآن

وسورة الوافية والكافية لذلك

وسورة الكنز لقوله عليه السلام حاكيا عن اللّه تعالى: فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى

وسورة الشفاء والشافية لقولة عليه السلام: فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام

وسورة المثانى لأنها تثنى في كل صلاة

وسورة الصلاة لما يروى و لانها تكون واجبة أو فريضة

وسورة الحمد والاساس فانها أساس القرآن قال ابن عباس رضي اللّه عنهما إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس وآيها سبع بالاتفاق

_________________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور و إنما كتبت للفصل والتبرك للابتداء بها وهو مذهب أبي حنيفة ومن تابعه رحمهم اللّه ولذا لا يجهر بها عندهم في الصلاة

وقراء مكة والكوفة على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعليه الشافعى وأصحابه رحمهم اللّه ولذا يجهرون بها في الصلاة وقالوا قد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ليس منه

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب اللّه ولنا حديث أبي هريرة قال سمعت النبي عليه السلام يقول:

قال اللّه تعالى قسمت الصلاة -أي الفاتحة- بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل فاذا قال العبد

الحمد للّه رب العالمين قال اللّه تعالى حمدني عبدى

و إذا قال الرحمن الرحيم قال اللّه تعالى أثنى على عبدى

و إذا قال مالك يوم الدين قال مجدنى عبدى

و إذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل

فاذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدى ولعبدى ما سأل

فالابتداء بقوله الحمد للّه دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة و إذا لم تكن من الفاتحة لا تكون من غيرها إجماعا والحديث مذكور في صحاح المصابيح وماذكروا لا يضرنا لأن التسمية آية من القرآن انزلت للفصل بين السور عندنا ذكره فخر الإسلام في المبسوط

و إنما يرد علينا أن لو لم نجعلها آية من القرآن وتمام تقريره في الكافى وتعلقت الباء بمحذوف تقديره بسم اللّه اقرأ أو أتلو لأن الذى يتلو التسمية مقروء كما أن المسافر إذا حل وارتحل فقال بسم اللّه والبركات كان المعنى بسم اللّه أحل وبسم اللّه أرتحل وكذا الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله بسم اللّه كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له و إنما قدر المحذوف متأخرا لأن الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به وكانوا يبدءون بأسماء آلهتم فيقولون باسم اللات وباسم العزى فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم اللّه عز وجل بالابتداء وذا بتقديمه وتأخير الفعل و إنما قدم الفعل في اقرأ باسم ربك

لأنها أول سورة نزلت في قول وكان الأمر بالقراءة اهم فكان تقديم الفعل اوقع ويجوز أن يحمل اقرأ على معنى افعل القراءة وحققها كقولهم فلان يعطى ويمنع غير متعد إلى مقروء به و أن يكون باسم ربك مفعول اقرأ الذى بعده

واسم اللّه يتعلق بالقراءة تعلق الدهن بالانبات في قوله تنبت بالدهن [المؤمنون: ٢٠] على معنى متبركا باسم اللّه اقرأ ففيه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يعظمونه وبنيت الباء على الكسر لأنها تلازم الحرفية والجر فكسرت لتشابه حركتها عملها والاسم من الأسماء التى بنوا أوائلها على السكون كالابن والابنة وغيرهما فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة تفاديا عن الابتداء بالساكن تعذرا و إذا وقعت في الدرج لم يفتقر إلى زيادة شيء ومنهم من لم يزدها واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال سم وسم وهو من الأسماء المحذوفة الإعجاز كيد ودم وأصله سمو بدليل تصريفه كاسماء وسمى وسميت واشتقاقه من السمو وهو الرفعة لأن التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره وحذفت الألف في الخط هنا وأثبتت في قوله اقرأ باسم ربك [العلق:١] لأنه اجتمع فيها أي في التسمية مع أنها تسقط في اللفظ كثرة الاستعمال وطولت الباء عوضا من حذفها

وقال عمر بن عبد العزيز لكاتبه طول الباء واظهر السينات ودور الميم واللّه أصله الإله ونظيره الناس أصله الأناس حذفت الهمزةوعوض منها حرف التعريف والإله من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بالحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا و اما اللّه بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل وتقول اللّه واحد صمد ولأن صفاته تعالى لا بدلها من موصوف تجرى عليه فلو جعلتها كلها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها وذا لا يجوز ولا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل و الزجاج ومحمد بن الحسن والحسين بن الفضل وقيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله إذا تحير ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذا كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح وقيل هو من قولهم أله يأله إلها إذا عبد فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود كقوله هذا خلق اللّه [لقمان:١١] اى مخلوقه وتفخم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة وترقق إذا كان قبلها كسرة ومنهم من يرققها بكل حال ومنهم من يفخم بكل حال والجمهور على الأول والرحمن فعلان من رحم وهو الذى وسعت رحمته كل شيء كغضبان من غضب وهو الممتلئ غضبا وكذا الرحيم فعيل منه كمريض من مرض وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن في الرحيم زيادة واحدة وفى الرحمن زيادتين وزيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ولذا جاء في الدعاء يارحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن

وقالوا الرحمن خاص تسمية لأنه لا يوصف به غيره وعام معنى لما بينا والرحيم بعسكه لأنه يوصف به غيره ويخص المؤمنين ولذا قدم الرحمن وإن كان أبلغ والقياس الترقى من الأدنى إلى الأعلى يقال فلان عالم ذو فنون بحرير لأنه كالعلم لما لم يوصف به غير اللّه ورحمة اللّه إنعامه على عباده وأصلها العطف وأما قول الشاعر في مسيلمة

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

فباب من تعنتهم في كفرهم ورحمن غير منصرف عند من زعم أن الشرط انتفاء فعلانه إذ ليس له فعلانة ومن زعم أن الشرط وجود فعلى صرفه إذ ليس له فعلى والاول الوجه

٢

{الحمد} الوصف الجميل على جهة التفضيل وهو رفع بالابتداء وأصله النصب وقد قرئ باظمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مظمرة في معنى الاخبار كقولهم شكرا وكفرا والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر

{للّه} اللام متعلق بمحذوف اى واجب أو ثابت وقيل الحمد والمدح اخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها تقول حمدت الرجل على انعامه وحمدته على شجاعته وحسبه وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال

أفادتكم النعماء منى ثلاثة

يدى ولسانى والضمير المحجبا

اى القلب والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث: الحمد رأس الشكر ما شكر اللّه عبد لم يحمده وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من اللاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما فى عمل الجوارح من الاحتمال ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران وقيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقيا قادرا عالما أبديا أزليا والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الأفضال والحمد يشملها والألف واللام فيه للاستغراق عندنا خلافا للمعتزلة ولذا قرن باسم اللّه لأنه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال وهو بناء على مسألة خلق الأفعال وقد حققته في مواضع

{رب العالمين} الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن تقول ربه يربه ربا فهو رب ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ولم يطلقوا الرب إلا في اللّه وحده وهو فى العبد مع التقيد إنه ربى أحسن مثواى [يوسف: ٢٣] قال ارجع إلى ربك وقال الواسطى هو الخالق ابتداء والمربى غذاء والغافر انتهاء وهو اسم اللّه الأعظم والعالم هو ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض أوكل موجود سوى اللّه تعالى سمى به لأنه علم على وجوده و إنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء أو مافى حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصفية وهى الدلالة على معنى العلم

٣

{الرحمن الرحيم} ذكرهما قد مر وهو دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت منها لما أعادهما لخلو الاعادة عن الافادة

٤

{مالك} عاصم وعلى ملك غيرهما وهو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الاضافة ولقوله لمن الملك اليوم [غافر: ١٦] ولأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا و لأن امر الملك ينفذ على المالك دون عكسه وقيل المالك اكثر ثوابا لأنه أكثر حروفا وقرأ أبو حنيفة والحسن رضى اللّه عنهما ملك

{يوم الدين} أي يوم الجزاء ويقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى وهذا إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم

يا سارق الليلة أهل الدار

اى مالك الأمر كله فى يوم الدين والتخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه للّه وحده و إنما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية لأنه أريد به الاستمرار فكانت الاضافة حقيقة فساغ أن يكون صفة للمعرفة وهذه الأوصاف التي أجريت على اللّه سبحانه وتعالى من كونه ربا اى مالكا للعالمين ومنعما بالنعم كلها ومالكا للأمر كله يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله الحمد للّه [الفاتحة:٢] دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن احد أحق منه بالحمد والثناء عليه

٥

{إياك نعبد وإياك نستعين} ايا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الاعراب وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى نخصك بالعبادة وهى أقصى غاية الخضوع والتذلل ونخصك بطلب المعونة وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى

{حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}[يونس: ٢٢] وقوله

{واللّه الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه}[فاطر: ٩] وقول امرئ القيس

تطاول ليلك بالأثمد

ونام الخلى ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذى العائر الأرمد

وذلك من نبإ جاءنى

وخبرته عن أبى الأسود

فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلى وبت وجاءك والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذا إصغائه وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة فى المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك وقدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة أو النظم الآى كما قدم الرحمن و إن كان الأبلغ لا يقدم وأطلقت الاستعانة لتنناول كل مستعان فيه ويجوز أن يراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادات ويكون قوله اهدنا بيانا للمطلوب من المعونة كأنه قيل كيف أعينكم فقالوا

٦

{اهدنا الصراط المستقيم} أي ثبتنا على المنهاج الواضح كقولك للقائم قم حتى أعود إليك اى اثبت على ما أنت عليه أو اهدنا فى الاستقبال كما هديتنا فى الحال وهدى يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه كهذه الآية وقد جاء متعديا باللام وبالى كقوله تعالى هدانا لهذا [الأعراف: ٤٣] وقوله هدانى ربى إلى صراط مستقيم [الأنعام: ١٦١] والسراط الجادة من سرط الشئ إذا ابتلعه كأنه يسرط السابلة إذا سلكوه والصراط من قلب السين صادا لتجانس الطاء فى الاطباق لأن الصاد والضاد والطاء والظاء من حروف الاطباق وقد تشم الصاد صوت الزاى لأن الزاى إلى الطاء أقرب لانهما مجهورتان وهى قراءة حمزة والسين قراءة ابن كثير فى كل القرآن وهى الأصل فى الكلمة والباقون بالصاد الخالصة وهى لغة قريش وهى الثابتة فى المصحف الإمام ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل والمراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام

٧

{صراط الذين أنعمت عليهم} بدل من الصراط وهو فى حكم تكرير العامل وفائدته التأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده وهم المؤمنون والأنبياء عليهم السلام أو قوم موسى قبل أن يغيروا

{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} بدل من الذين أنعمت عليهم يعنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب اللّه والضلال أو صفة للذين يعنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهى نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب اللّه والضلال و إنما ساغ وقوعه صفة للذين وهو معرفة وغير لا يتعرف بالإضافة لأنه إذا وقع بين متضادين وكانا معرفتين تعرف بالإضافة نحو عجبت من الحركة غير السكون والمنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان و لأن الذين قريب من النكرة لأنه لم يرد به قوم بأعيانهم وغير المغضوب عليهم قريب من المعرفة للتخصيص الحاصل له بإضافته فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه فاستويا وعليهم الأولى محلها النصب على المفعولية ومحل الثانية الرفع على الفاعلية وغضب اللّه إرادة الإنتقام من المكذبين وإنزال العقوبة بهم وان يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على ما تحت يده

وقيل

{المغضوب عليهم} هم اليهود لقوله تعالى

{من لعنه اللّه وغضب عليه والضالون} [المائدة:٦٠] هم النصارى لقوله تعالى

{قد ضلوا من قبل} ولا زائدة عند البصريين للتوكيد وعند الكوفيين هى بمعنى غير

(آمين) صوت سمى به الفعل الذى هو استجب كما أن رويد اسم لأمهل وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن معنى آمين فقال (افعل) وهو مبنى وفيه لغتان مد الفه وقصرها وهو الأصل والمد بإشباع الهمزة قال

يا رب لا تسلبنى حبها أبدا

ويرحم اللّه عبدا قال آمينا

وقال أمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا قال عليه السلام لقننى جبريل آمين عند فراغى من قراءة فاتحة الكتاب وقال إنه كالختم على الكتاب وليس منه القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف

﴿ ٠