تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الزمر سورة الزمر مكية وهى خمس وسبعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {تنزيل الكتاب} أى القرآن مبتدأ خبره {من اللّه} أى نزل من عند اللّه أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل أو غير صلة بل هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا تنزيل الكتاب هذا من اللّه {العزيز} فى سلطانه {الحكيم} فى تدبيره ٢{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} هذا ليس بتكرار لأن الأول كالعنوان للكتاب والثانى لبيان ما في الكتاب {فاعبد اللّه مخلصا} حال {له الدين} أى ممحضا له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر فالدين منصوب بمخلصا وقرىء الدين بالرفع وحق من رفعه أن يقرأ مخلصا ٣{ألا للّه الدين الخالص} أى هو الذى وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر لاطلاعه على الغيوب والأسرار وعن قتادة الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا اللّه وعن الحسن الإسلام {والذين اتخذوا من دونه أولياء} أى آلهة وهو مبتدا محذوف الخبر تقديره والذين عبدوا الأصنام يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى} مصدر أى تقريبا {إن اللّه يحكم بينهم} بين المسلمين والمشركين {فيما هم فيه يختلفون} قيل كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السموات والأرض قالوا اللّه فإذا قالوا لهم فما لكم تعبدون الأصنام قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى والمعنى أن اللّه يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين {إن اللّه لا يهدي من هو كاذب كفار} أى لا يهدى من هو فى علمه أنه يختار الكفر يعنى لا يوفقه للّهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر ولكنه يخذله وكذبهم قولهم فى بعض من اتخذوا من دون اللّه أولياء بنات اللّه ولذا عقبه محتجا عليهم بقوله ٤{لو أراد اللّه أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء} أي لو جاز اتخاذ الولد على ما تظنون لاختار مما يخلق ما يشاء لا ما تختارون أنتم وتشاؤون {سبحانه} نزه ذاته عن أن يكون له أخذ ما نسبوا إليه من الأولياء والأولاد ودل على ذلك بقوله {هو اللّه الواحد القهار} يعنى أنه واحد متبرىء عن انضمام الاعداد متعال عن التجزؤ والولاد قهار غلاب لكل شىء ومن الأشياء آلهتهم فأنى يكون له أولياء وشركاء ثم دل بخلق السموات والأرض وتكوير كل واحد من الملوين على الآخر وتسخير النيرين وجريهما لأجل مسمى وبث الناس على كثرة عددهم من نفس واحدة وخلق الأنعام على أنه واحد لا يشارك قهار لا يغالب بقوله ٥{خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} والتكوير اللف واللى يقال كار العمامة على رأسه وكورها والمعنى أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه فى تغييبه إياه بشىء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار وأن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} أى يوم القيامة {إلا هو العزيز} الغالب القادر على عقاب من لم يعتبر بتسخير الشمس والقمر فلم يؤمن بمسخرهما {الغفار} لمن فكر واعتبر فآمن بمدبرهما ٦{خلقكم من نفس واحدة} أي آدم عليه السلام {ثم جعل منها زوجها} أى حواء من قصيراه قيل أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعد ذلك حواء {وأنزل لكم من الأنعام} أى جعل عن الحسن أو خلقها فى الجنة مع آدم عليه السلام ثم أنزلها أو لأنها لا تعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها {ثمانية أزواج} ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز كما بين فى سورة الأنعام والزوج اسم لواحد معه آخر فإذا انفرد فهو فرد ووتر {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق} نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم إلى تمام الخلق {في ظلمات ثلاث} ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو ظلمة الصلب والبطن والرحم {ذلكم} الذى هذه مفعولاته هو {اللّه ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون} فكيف يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره ثم بين أنه غنى عنهم بقوله ٧{إن تكفروا فإن اللّه غني عنكم} عن إيمانكم وأنتم محتاجون إليه لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالإيمان {ولا يرضى لعباده الكفر} لأن الكفر ليس برضا اللّه تعالى وإن كان بارادته {وإن تشكروا} فتؤمنوا {يرضه لكم} أى يرض الشكر لكم لأنه سبب فوزكم فيثيبكم عليه الجنة يرضه بضم الهاء والاشباع مكى وعلى يرضه بضم الهاء بدون الاشباع نافع وهشام وعاصم غير يحيى وحماد وغيرهم يرضه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أى لا يؤاخذ أحد بذنب آخر {ثم إلى ربكم مرجعكم} إلى جزاء ربكم رجوعكم {فينبئكم بما كنتم تعملون} فيخبركم باعمالكم ويجازيكم عليها {إنه عليم بذات الصدور} بخفيات القلوب ٨{وإذا مس الإنسان} هو ابو جهل أو كل كافر {ضر} بلاء وشدة والمس فى الاعراض مجاز {دعا ربه منيبا إليه} راجعا إلى اللّه بالدعاء لا يدعو غيره {ثم إذا خوله} أعطاه {نعمة منه} من اللّه عز وجل {نسي ما كان يدعو إليه من قبل} أى الزمر ( ١٠ - ٨ ) نسى ربه الذى كان يتضرع إليه وما بمعنى من كقوله وما خلق الذكر والأنثى أو نسى الضر الذى كان يدعو اللّه إلى كشفه {وجعل للّه أندادا} أمثالا {ليضل} ليضل مكى وأبوعمرو ويعقوب {عن سبيله} أي الإسلام {قل} يا محمد {تمتع} أمر تهديد {بكفرك قليلا} أى فى الدنيا {إنك من أصحاب النار} من أهلها ٩{آمن} قرأ بالتخفيف مكى ونافع وحمزة على ادخال همزة الاستفهام على من وبالتشديد غيرهم على ادخال أم عليه ومن مبتدأ خبره محذوف تقديره أمن {هو قانت} كغيره أى أمن هو مطيع كمن هو عاص والقانت المطيع للّه وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جرى ذكر الكافر قبله وقوله بعده قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون {آناء الليل} ساعاته {ساجدا وقائما} حالان من الضمير فى قانت {يحذر الآخرة} أى عذاب الآخرة {ويرجو رحمة ربه} أى الجنة ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء يرجو رحمته لا عمله ويحذر عقابه لتقصيره فى عمله ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا والخوف إذا جاوز حده يكون أياما وقد قال اللّه تعالى فلا يأمن مكر اللّه إلا القوم الخاسرون وقال انه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون فيجب أن لا يجاوز أحدهما حده {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} أى يعلمون ويعملون به كأنه جعل من لا يعمل غير عالم وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند اللّه جهله حيث جعل الفانتين هم العلماء أو أريد به التشبيه أى كما لا يستوى العالم والجاهل كذلك لا يستوى المطيع والعاصى {إنما يتذكر أولوا الألباب} جمع لب أى إنما يتعظ بوعظ اللّه أولوا العقول ١٠{قل يا عباد الذين آمنوا} بلا ياء عند الاكثر {اتقوا ربكم} بامتثال اوامره واجتناب نواهيه {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} أى أطاعوا اللّه فى الدنيا وفى يتعلق بأحسنوا لا بحسنة معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أى حسنة لا توصف وقد علقه السدى بحسنة ففسر الحسنة بالصحة والعافية ومعنى {وأرض اللّه واسعة} أى لا عذر للمفرطين فى الاحسان ألبته حتى ان اعتلوا بأنهم لا يتمكنون فى أوطانهم من التوفر على الاحسان قيل لهم فان أرض اللّه واسعة وبلاده كثيرة فتحولوا إلى بلاد أخر واقتدوا بالأنبياء والصالحين فى مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم {إنما يوفى الصابرون} على مفارقة أوطانهم وعشائرهم وعلى غيرها من تجرع الغصص واحتمال البلايا فى طاعة اللّه وازدياد الخير {أجرهم بغير حساب} عن ابن عباس رضى اللّه عنهما لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف وهو حال من الأجر أي موفرا ١١{قل إني أمرت أن أعبد اللّه} بأن أعبد اللّه {مخلصا له الدين} أى أمرت باخلاص الدين ١٢{وأمرت لأن أكون أول المسلمين} وأمرت بذلك لأجل أن أكون اول المسلمين اى مقدمهم وسابقهم فى الدنيا والآخرة والمعنى أن الاخلاص له السبقة فى الدنيا فمن أخلص كان سابقا فالأول أمر بالعبادة مع الاخلاص والثانى بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلا منزله المختلفين فصح عطف أحدهما على الآخر ١٣{قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام الاتنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت ردا عليهم ١٤{قل اللّه أعبد مخلصا له ديني} وهذه الآية اخبار بأنه يخص اللّه وحده بعبادته مخلصا له دينه دون غيره والأولى اخبار بأنه مأمور بالعبادة والاخلاص فالكلام أولا واقع فى نفس الفعل واثباته وثانيا فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله ١٥{فاعبدوا ما شئتم من دونه} وهذا أمر تهديد وقيل له عليه السلام ان خالفت دين آبائك فقد خسرت فنزلت {قل إن الخاسرين} أى الكاملين فى الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه {الذين خسروا أنفسهم} باهلاكها فى النار {وأهليهم} أى وخسروا أهليهم {يوم القيامة} لانهم أضلوهم فصاروا إلى النار ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة فى قوله {ألا ذلك هو الخسران المبين} حيث صدر الجملة بحرف التنبيه ووسط الفصل بين المبتدا والخبر وعرف الخسران ونعته بالمبين وذلك لانهم استبدلوا بالجنة نارا وبالدرجات دركات ١٦{لهم من فوقهم ظلل} أطباق {من النار ومن تحتهم ظلل} أطباق من النار وهى ظلل لآخرين أى النار محيطة بهم {ذلك الذي} وصف من العذاب أو ذلك الظلل {يخوف اللّه به عباده} ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه {يا عباد فاتقون} ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى خوفهم بالنار ثم حذرهم نفسه ١٧{والذين اجتنبوا الطاغوت} الشياطين فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت الا أن فيها قلبا بتقديم اللام على العين أطلقت على الشيطان أو الشياطين لكون الطاغوت مصدرا وفيها مبالغات وهى التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان وأن البناء بناء مبالغة فان الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط والقلب وهو للاختصاص إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها ههنا الجمع وقرىء الطواغيت {أن يعبدوها} بدل الاشتمال من الطاغوت أي عبادتها {وأنابوا} رجعوا {إلى اللّه لهم البشرى} هى البشارة بالثواب تتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين وحين يحشرون {فبشر عباد ١٨الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} هم الذين اجتنبوا وأنابوا وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والانابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقادا فى الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب وكذا المباح والندب حرصا على ما هو أقرب عند اللّه وأكثر ثوابا أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن أو يستمعون أوامر اللّه فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو ونحو ذلك أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساو فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه {أولئك الذين هداهم اللّه وأولئك هم أولوا الألباب} أى المنتفعون بعقولهم ١٩{أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار} أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب أى وجب أفانت تنقذه جملة شرطية دخلت عليها همزة الانكار والفاء فاء الجزاء ثم دخلت الفاء التى فى أولها للعطف على محذوف تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه والهمزة الثانية هى الأولى كررت لتوكيد معنى الانكار ووضع من فى النار موضع الضمير أى تنقذه فالآية على هذا جملة واحدة أو معناه أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه أفأنت تنقذه أى لا يقدر أحد أن ينقذ من أضله اللّه وسبق فى علمه أنه من أهل النار ٢٠{لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف} أى لهم منازل فى الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها يعنى للكفار ظلل من النار وللمتقين غرف {مبنية تجري من تحتها الأنهار} أى من تحت منازلها {وعد اللّه لا يخلف اللّه الميعاد} وعد اللّه مصدر مؤكد لأن قوله لهم غرف فى معنى وعدهم اللّه ذلك ٢١{ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء} يعنى المطر وقيل كل ماء فى الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه اللّه {فسلكه} فأدخله {ينابيع في الأرض} عيونا ومسالك ومجارى كالعروق فىالأجساد وينابيع نصب على الحال أو على الظرف وفى الأرض صفة لينابيع {ثم يخرج به} بالماء {زرعا مختلفا ألوانه} هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض أو أصنافه من بر وشعير وسمسم وغير ذلك {ثم يهيج} يجف {فتراه مصفرا} بعد نضارته وحسنه {ثم يجعله حطاما} فتاتا متكسرا فالحطام ما تفتت وتكسر من النبت وغيره {إن في ذلك} فى انزال الماء وإخراج الزرع {لذكرى لأولي الألباب} لتذكيرا وتنبيها على أنه لا بد من صانع حكيم وان ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن إهمال وتعطيل ٢٢{أفمن شرح اللّه صدره} أى وسع صدره {للإسلام} فاهتدى وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الشرح فقال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقيل فهل لذلك من علامة قال نعم الانابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت {فهو على نور من ربه} بيان وبصيرة والمعنى أفمن شرح اللّه صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فقسا قلبه فحذف لأن قوله {فويل للقاسية قلوبهم} يدل عليه {من ذكر اللّه} أى من ترك ذكر اللّه أو من أجل ذكر اللّه أى إذا ذكر اللّه عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة كقوله فزادتهم رجسا إلى رجسهم {أولئك في ضلال مبين} غواية ظاهرة ٢٣{اللّه نزل أحسن الحديث} فى ايقاع اسم اللّه مبتدا أو بناء نزل عليه تفخيم لأحسن الحديث {كتابا} بدل من أحسن الحديث أو حال منه {متشابها} يشبه بعضه بعضا فى الصدق والبيان والوعظ والحكمة والاعجاز وغير ذلك {مثاني} نعت كتابا جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه فهو بيان لكونه متشابها لأن القصص المكررة وغيرهما لا تكون الا متشابهة وقيل لأنه يثنى فى التلاوة فلا يمل وإنما جاز وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل وتفاصيل الشىء هى جملته ألا تراك تقول القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات فكذلك تقول أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات أو منصوب على التمييز من متشابها كما تقول رأيت رجلا حسنا شمائل والمعنى متشابهة مثانية {تقشعر} تضطرب وتتحرك {منه جلود الذين يخشون ربهم} يقال اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضا شديدا والمعنى أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم وفى الحديث إذا اقشعر جلد المؤمن من خشية اللّه تحاتت عنا ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه} أى إذا ذكرت آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة وعدى بالى لتضمنه معنى فعل متعد بالى كانه قيل اطمأنت إلى ذكر اللّه لينة غير منقبضة واقتصر على ذكر اللّه من غير ذكر الرحمة لأن رحمته سبقت غضبه فلا صالة رحمته إذا ذكر اللّه لم يخطر بالبال إلا كونه رؤوفا رحيما وذكرت الجلود وحدها أولا ثم قرنت بها القلوب ثانيا لأن محل الخشية القلب فكان ذكرها يتضمن ذكر القلوب {ذلك} اشارة إلى الكتاب وهو {هدى اللّه يهدي به من يشاء} من عباده وهو من علم منهم اختيار الاهتداء {ومن يضلل اللّه} يخلق الضلالة فيه {فما له من هاد} إلى الحق ٢٤{أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة} كمن أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف فى نظائره وسوء العذاب شدته ومعناه أن الإنسان إذا لقى مخوفا من المخاوف استقبله بيده وطلب أن بقى بها وجهه لأنه أعز اعضائه عليه والذى يلقى فى النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقى النار إلا بوجهه الذى كان يتقى المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه {وقيل للظالمين} أن تقول لهم خزنة النار {ذوقوا} وبال {ما كنتم تكسبون} أى كسبكم ٢٥{كذب الذين من قبلهم} من قبل قريش {فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} من الجهة التى لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها بينما هم آمنون إذا فوجئوا من مأمنهم ٢٦{فأذاقهم اللّه الخزي} الذل والصغار كالمسخ والخسف والقتل والجلاء ونحو ذلك من عذاب اللّه {في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر} من عذاب الدنيا {لو كانوا يعلمون} لآمنوا ٢٧{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} ليتعظوا ٢٨{قرآنا عربيا} حال مؤكدة كما تقول جاءنى زيد رجلا صالحا وانسانا عاقلا فتذكر رجلا أو انسانا توكيدا أو نصب على المدح {غير ذي عوج} مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف ولم يقل مستقيما للاشعار بأن لا يكون فيه عوج قط وقيل المراد بالعوج الشك {لعلهم يتقون} الكفر ٢٩{ضرب اللّه مثلا رجلا} بدل {فيه شركاء متشاكسون} متنازعون ومختلفون {ورجلا سلما} مصدر سلم والمعنى ذا سلامة {لرجل} أى ذا خلوص له من الشركة سالما مكى وأبو عمرو واى خالصا له {هل يستويان مثلا} صفة وهو تمييز والمعنى هل تستوى صفتاهما وحالاهما وإنما اقتصر فى التمييز على الواحد لبيان الجنس وقرىء مثلين {الحمد للّه} الذى لا إله إلا هو {بل أكثرهم لا يعلمون} فيشركون به غيره مثل الكافر ومعبوديه بعبد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع واختلاف وكل واحد منهم يدعى أنه عبده فهم يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهن شتى وهو متحير لا يدرى أيهم يرضى بخدمته وعلى أيهم يعتمد فى حاجاته وممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع والمؤمن بعبد له سيد واحد فهمه واحد وقلبه مجتمع ٣٠{إنك ميت} أى ستموت {وإنهم ميتون} وبالتخفيف من حل به الموت قال الخليل أنشد أبو عمرو وتسألنى تفسير ميت وميت فدونك قد فسرت إن كنت تعقل فمن كان ذا روح فذلك ميت وما الميت إلا من إلى القبر يحمل كانوا يتربصون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني وعن قتادة نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم اى إنك وإياهم فى عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان ٣١{ثم إنكم} أى انك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب {يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فتحتج انت عليهم بأنك بلغت فكذبوا واجتهدت فى الدعوة فلجوا فى العناد ويعتذرون بمالا طائل تحته تقول الأتباع أطعنا ساداتنا وكبراءنا وتقول السادات اغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون قال الصحابة رصى اللّه عنهم أجمعين ما خصومتنا ونحن اخوان فلما قتل عثمان رضى اللّه عنه قالوا هذه خصومتنا وعن أبى العالية نزلت فى أهل القبلة وذلك فى الدماء والمظالم التى بينهم والوجه هو الأول ألا ترى إلى قوله ٣٢( فمن أظلم ممن كذب على اللّه ) وقوله والذي جاء بالصدق وصدق به وما هو إلا بيان وتفسير للدين تكون بينهم الخصومة كذب على اللّه افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه ( وكذب بالصدق ) بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم ( إذ جاءه ) فاجأه بالتكذيب لما سمع له من غير وقفة لأعمال روية أو اهتمام بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون ( أليس في جهنم مثوى للكافرين ) أي لهؤلاء الذين كذبوا على اللّه وكذبوا بالصدق وللام في الكافرين إشارة إليهم ٣٣( والذي جاء بالصدق وصدق به ) هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاء بالحق وآمن به وأراد به اياه ومن تبعه كما أراد بموسى اياه وقومه في قوله ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون فلذا قال تعالى ( أولئك هم المتقون ) وقال الزجاج روى عن علي رضي اللّه عنه أنه قال والذي جاء بالصدق محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه وروى أن الذي جاء بالصدق محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والذي صدق به المؤمنون والكل صحيح كذا له قاله والوجه في العربية أن يكون جاء وصدق لفاعل واحد لأن التغاير يستدعي إضمار الذي وذا غير جائز أو اضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد ٣٤{لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ٣٥ليكفر اللّه عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} إضافة أسوأ وأحسن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل كقولك الاشج أعدل بني مروان ٣٦{أليس اللّه بكاف} أدخلت همزة الانكار على كلمة النفي فأفيد معنى اثبات الكفاية وتقريرها {عبده} أي محمدا صلى اللّه عليه وسلم عباده حمزة وعلى أي الأنبياء والمؤمنين وهو مثل انا كفيناك المستهزئين {ويخوفونك بالذين من دونه} أي بالأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه وذلك أن قريشا قالت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انا نخاف أن تخبلك آلهتنا وانا نخشى عليك مضرتها لعيبك إياها {ومن يضلل اللّه فما له من هاد ٣٧ومن يهد اللّه فما له من مضل أليس اللّه بعزيز} بغالب منيع {ذي انتقام} ينتقم من أعدائه وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم وينصرهم عليهم ثم اعلم بأنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن اللّه تعالى خلق السموات والأرض بقوله ٣٨{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه قل أفرأيتم ما تدعون من دون اللّه إن أرادني اللّه} بفتح الياء سوى حمزة {بضر} مرض أو فقر أو غير ذلك {هل هن كاشفات ضره} دافعات شدته ف {أو أرادني برحمة} صحة أو غنى أو نحوهما {هل هن ممسكات رحمته} كاشفات ضره وممسكات رحمته بالتنوين على الأصل بصرى وفرض المسألة في نفسه دونهم لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها بأمر بأن يقررهم أولا بأن خالق العالم هو اللّه وحده ثم يقول لهم بعد التقرير فان أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر أو برحمة هل يقدرون على خلاف ذلك فلما أفحمهم قل اللّه تعالى {قل حسبي اللّه} كافيا لمعرة أوثانكم {عليه يتوكل المتوكلون} يروى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سألهم فسكتوا فنزل قل حسبي اللّه وإنما قال كاشفات وممسكات على التأنيث بعد قوله ويخوفونك بالذين من دونه لانهن إناث وهو اللات والعزى ومناة وفيه تهكم بهم وبمعبوديهم ٣٩{قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} على حالكم عمل {فسوف تعلمون} التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها والمكانة بمعنى المكان فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان وهما للمكان {إني عامل} أي على مكانتي وحذف للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حالته تزداد كل يوم قوة لأن اللّه تعالى ناصره ومعينه ألا ترى إلى قوله {فسوف تعلمون ٤٠من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم} كيف توعدهم بكونه منصورا عليهم غالبا عليهم في الدنيا والآخرة لأنهم إذا أتاهم الخزى والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث أن الغلبة تتم له بعز بعزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه ويخزيه صفة للعذاب كمقيم أى عذاب مخزله وهو يوم بدر وعذاب دائم وهو عذاب النار مكاناتكم أبو بكر وحماد ٤١{أنا أنزلنا عليك الكتاب} القرآن {للناس} لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية {بالحق فمن اهتدى فلنفسه} فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه {ومن ضل فإنما يضل عليها} ومن اختار الضلالة فقد ضرها {وما أنت عليهم بوكيل} بحفيظ ثم أخبر بأنه الحفيظ القدير عليهم بقوله ٤٢{اللّه يتوفى الأنفس حين موتها} الأنفس الجمل كما هي وتوفيها اماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة {والتي لم تمت في منامها} ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيها للقائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك ومنه قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل {فيمسك} الأنفس {التي قضى} قضى حمزة وعلى {عليها الموت} الحقيقي أى لا يردها في وقتها حية {ويرسل الأخرى} النائمة {إلى أجل مسمى} إلى وقت ضربة لموتها وقيل يتوفى الأنفس أي يستوفيها ويقبضها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي أنفس التمييز قالوا التي تتوفى في المنام هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس ولكل إنسان نفسا إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارق عند الموت والأخرى نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام وروى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في ابن آدم نفس روح بينهما شعاع مثل شعاع الشمس فالنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها النفس والتحرك فاذا انام العبد قبض اللّه نفسه ولم يقبض روحه وعن علي رضي اللّه عنه قال تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعها في الجسد فبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة وعنه ما رأت نفس النائم في السماء فهي الرؤيا الصادقة وما رأت بعد الإرسال فيلقنها الشيطان فهي كاذبة وعن سعيد بن جبير أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي فى المنام فيتعارف منها ما شاء اللّه أن يتعارف فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها وروى أن أرواح المؤمنين تعرج عند النوم فى السماء فمن كان منهم طاهرا أذن له فى السجود ومن لم يكن منهم طاهرا لم يؤذن له فيه {إن في ذلك} إن فى توفى الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل {لآيات} على قدرة اللّه وعلمه {لقوم يتفكرون} يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون ٤٣{أم اتخذوا} بل اتخذ قريش والهمزة للانكار {من دون اللّه} من دون إذنه {شفعاء} حين قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه {قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} معناه أيشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئا قط ولا عقل لهم ٤٤{قل للّه الشفاعة جميعا} أى هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاء إلا بإذنه وانتصب جميعا على الحال {له ملك السماوات والأرض} تقرير لقوله للّه الشفاعة جميعا لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك كان مالكا لها {ثم إليه ترجعون} متصل بما يليه معناه له ملك السموات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له فله ملك الدنيا والآخرة ٤٥{وإذا ذكر اللّه وحده} مدار المعنى على قوله وحده أى إذا أفرد اللّه بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم {اشمأزت} أى نفرت وانقبضت {قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه} يعنى آلهتهم ذكر اللّه معهم أو لم يذكر {إذا هم يستبشرون} لافتتانهم بها وإذا قيل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفيا لآلهتهم ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية فى بابه فالاستبشار أن يمتلىء قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل والاشمئزاز أن يمتلىء غما وغيظا حتى يظهر الانقباض فى أديم وجهه والعامل فى إذا ذكر هو العامل فى إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجؤا وقت الاستبشار ٤٦{قل اللّهم فاطر السماوات والأرض} أى يا فاطر وليس بوصف كما يقوله المبرد والفراء {عالم الغيب والشهادة} السر والعلانية {أنت تحكم} تقضى {بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون} من الهدى والضلالة وقيل هذه محاكمة من النبى للمشركين إلى اللّه وعن ابن المسيب لا أعرف آية قرئت فدعى عندها ألا أجيب سواها وعن الربيع بن خيثم وكان قليل الزمر ( ٤٩ - ٤٧ ) الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضى اللّه عنه وقالوا الآن يتكلم فما زاد أن قال آه أو قد فعلوا وقرأ هذه الآية وروى أنه قال على أثره قتل من كان صلى اللّه عليه وسلم يجلسه فى حجره ويضع فاه على فيه ٤٧{ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه} الهاء تعود إلى ما {لافتدوا به من سوء العذاب} شدته {يوم القيامة وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون} وظهر لهم من سخط اللّه وعذابه مالم يكن قط فى حسبانهم ولا يحدثون به نفوسهم وقيل عملوا أعمالا حسبوها حسنات فإذا هى سيئات وعن سفيان الثورى أنه قرأها فقال ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له فقال أخشى آية من كتاب اللّه وتلاها فأنا أخشى أن يبدوا لى من اللّه مالم أحتسبه ٤٨{وبدا لهم سيئات ما كسبوا} أى سيآت أعمالهم التى كسبوها أو سيآت كسبهم حين تعرض صحائف أعمالهم وكانت خافية عليهم أو عقاب ذلك {وحاق بهم} ونزل بهم وأحاط {ما كانوا به يستهزؤون} جزاء هزئهم ٤٩{فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه} أى أعطيناه تفضلا يقال خولنى إذا أعطاك على غير جزاء {نعمة منا} ولا تقف عليه لأن جواب إذا {قال إنما أوتيته على علم} منى أنى سأعطاه لما فى من فضل واستحقاق أو على علم منى بوجوه الكسب كما قال قارون على علم عندى وإنما ذكر الضمير فى أوتيته وهو للنعمة نظرا إلى المعنى لأن قوله نعمة منا شيئا من النعمة وقسما منها وقيل ما فى إنما موصولة لا كافة فيرجع الضمير إليها أى أن الذى أوتيته على علم {بل هي فتنة} انكار له كأنه قال ما خولناك من النعمة لما تقول بل هى فتنة أى ابتلاء وامتحان لك أتشكر أم تكفر ولما كان الخبر مؤنثا أعنى فتنة ساغ تأنيث المبتدا لأجله وقرىء بل هو فتنة على وفق إنما أوتيته {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أنها فتنة والسبب فى عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها فى أول السورة بالواو أن هذه وقعت مسببة عن قوله وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزت على معنى أنهم يشمئزون من ذكر اللّه ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز بذكره دون من استبشر بذكره وما بينهما من الآى اعتراض فان قلت حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه قلت ما فى الاعتراض من دعاء الرسول صلى اللّه عليه وسلم ربه بأمر من اللّه وقوله أنت تحكم بين عبادك ثم ما عقبه من الوعيد العظيم تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى اللّه فى الشدائد دون آلهتهم كأنه قيل قل يا رب لا يحكم بينى وبين هؤلاء الذين يجترؤون عليك مثل هذه الجراءة إلا أنت وقوله ولو أن للذين ظلموا متناول لهم ولكل ظالم إن جعل عاما أو إياهم خاصة إن عنينهم به كأنه قيل ولو أن لهؤلاء الظالمين ما فى الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به حكم عليهم بسوء العذاب وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هى إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو ونحو قام زيد وقعد عمرو وبيان وقوعها مسببة انك تقول زيد يؤمن باللّه فاذا مسه ضر التجأ إليه فهذا تسبيب ظاهر ثم تقول زيد كافر باللّه فاذا مسه ضر التجأ إليه فتجىء بالفاء مجيئك بها ثمة كأن الكافر حين التجأ إلى اللّه التجاء المؤمن اليه مقيم كفره مقام الايمان فى جعله سببا فى الالتجاء ٥٠{قد قالها} هذه المقالة وهى قوله إنما أوتيته على علم {الذين من قبلهم} أى قارون وقومه حيث قال إنما أوتيته على علم عندى وقومه راضون بها فكأنهم قالوها ويجوز أن يكون فى الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} من متاع الدنيا وما يجمعون منها ٥١{فأصابهم سيئات ما كسبوا} أى جزاء سيآت كسبهم أو سمى جزاء السيئة سيئة للازدواج كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها {والذين ظلموا} كفروا {من هؤلاء} أى من مشركى قومك {سيصيبهم سيئات ما كسبوا} أى سيصيبهم مثل ما أصاب أولئك فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين {وما هم بمعجزين} بفائتين من عذاب اللّه ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم ٥٢{أولم يعلموا أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} ويضيق وقيل يجعله على قدر الفوت {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} بأنه لا قابض ولا باسط إلا اللّه عز وجل ٥٣{قل يا عبادي الذين} وبسكون الياء بصرى وحمزة وعلى {أسرفوا على أنفسهم} جنوا عليها بالاسراف فى المعاصى والغلو فيها {لا تقنطوا} لا تيأسوا وبكسر النون على وبصرى {من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعا} بالعفو عنها إلا الشرك وفى قراءة النبى عليه السلام يغفر الذنوب جميعا ولا يبالى ونظير نفى المبالاة نفىالخوف فى قوله ولا يخاف عقباها قيل نزلت فى وحشى قاتل حمزة رضى اللّه عنه وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أحب أن لى الدنيا وما فيها بهذه الآية {إنه هو الغفور} بستر عظائم الذنوب {الرحيم} بكشف فظائع الكروب ٥٤{وأنيبوا إلى ربكم} وتوبوا إليه {وأسلموا} وأخلصوا له العمل {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون}ان لم تتوبوا قبل نزول العقاب ٥٥{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} مثل قوله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وقوله {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} أى يفجؤكم وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئا لفرط غفلتكم ٥٦{أن تقول} لئلا تقول {نفس} إنما نكرت لأن المرد بها بعض الأنفس وهى نفس الكافر ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس اما بلجاج فى الكفر شديد أو بعذاب عظيم ويجوز أن يراد التكثير {يا حسرتى} الألف بدل من ياء المتكلم وقرىء يا حسرتى على الأصل ويا حسرتاى على الجمع بين العوض والمعوض منه {على ما فرطت} قصرت وما مصدرية مثلها فى بما رحبت {في جنب اللّه} فى أمر اللّه أو فى طاعة اللّه أو فى ذاته وفى حرف عبد اللّه فى ذكر اللّه والجنب الجانب يقال أنا فى جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجانب والجنب ثم قالوا فرط فى جنبه وفى جانبه يريدون فى حقه وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر فى مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ومنه الحديث من الشرك الخفى أن يصلى الرجل لمكان الرجل أى لأجله وقال الزجاج معناه فرط فى طريق اللّه وهو توحيده والاقرار بنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم {وإن كنت لمن الساخرين} المستهزئين قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة اللّه حتى سخر من أهلها ومحل وإن كنت النصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر أى فرطت فى حال سخريتى ٥٧{أو تقول لو أن اللّه هداني} أى أعطانى الهداية {لكنت من المتقين} من الذين يتقون الشرك قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمه اللّه تعالى هذا الكافر أعرف بهداية اللّه من المعتزلة وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لاتباعهم لو هدانا اللّه لهديناكم يقولون لو وفقنا اللّه للّهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا والمعتزلة يقولون بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا والحاصل أن عند اللّه لطفا من أعطى ذلك اهتدى وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى وكان استحبابه العذاب وتضييعه الحق بعد ما مكن من تحصيله لذلك ٥٨{أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة} رجعة إلى الدنيا {فأكون من المحسنين} من الموحدين ٥٩{بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} بلى رد من اللّه كأنه يقول بلى قد جاءتك آياتى وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق علىالباطل ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله وآثرت الضلالة علىالهدى واشتغلت بضد ما أمرت به فانما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك وبلى جواب لنفي تقديري لان المعنى لو أن اللّه هداني ما هديت وانما لم يقرن الجواب به لانه لا بد من حكاية اقوال النفس على ترتيبها ثم الجواب من بينها عما اقتضى الجواب ٦٠{ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه} وصفوه بما لا يجوز عليه من اضافة الشريك والولد اليه ونفي الصفات عنه {وجوههم} مبتدأ {مسودة} خبر والجملة في محل النصب على الحال ان كان ترى من رؤية البصر وان كان من رؤية القلب فمفعول ثان {أليس في جهنم مثوى} منزل {للمتكبرين} هو اشارة الى قوله واستكبرت ٦١{وينجي اللّه} وينجى روح {الذين اتقوا} من الشرك {بمفازتهم} بفلاحهم يقال فاز بكذا اذا أفلح به وظفر بمراده منه وتفسير المفازة {لا يمسهم السوء} النار {ولا هم يحزنون} كأنه قيل وما مفازتهم فقيل لا يمسهم السوء أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم أي لا يمس ابدانهم اذى ولا قلوبهم خزي أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب أي بمنجاة منه لان النجاة من اعظم الفلاح وسبب منجاتهم العمل الصالح ولهذا فسر ابن عباس رضى اللّه عنهما المفازة بالاعمال الحسنة ويجوز بسبب فلاحهم لان العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة ويجوز ان يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لانه سببها ولا محل للايمسهم على التفسير الاول لانه كلام مستانف ومحله النصب على الحال على الثاني بمفازاتهم كوفي غير حفص ٦٢{اللّه خالق كل شيء} رد على المعتزلة والتنوبة {وهو على كل شيء وكيل} حافظ ٦٣{له مقاليد السموات والأرض} أى هو مالك امرها وحافظها وهو من باب الكناية لان حافظ الخزائن ومدير امرها هو الذي يملك مقاليدها ومنه قولهم فلان القيت إليه الملك وهى المفاتيح وأحدها مقليد وقيل ولا واحدلها من لفظها والكلمة اصلها فارسية {والذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون} هو متصل بقوله وينجى اللّه الذين اتقوا أي ينجى اللّه المتقين بمفازاتهم والذين كفروا هم الخاسرون واعترض بينهما بأنه خالق كل شىء فهو مهيمن عليه فلا يخفى عليه شىء من اعمال المكلفين فيها وما يجزون عليها أو بما يليه على ان كل شىء في السموات والارض فاللّه خالقه وفاتح بابه والذين كفروا وجحدوا ان يكون الامر كذلك اولئك هم الخاسرون وقيل سال عثمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن تفسير قوله له مقاليد السموات والارض فقال يا عثمان ما سالني عنها احد قبلك تفسيرها لا اله الا اللّه واللّه اكبر وسبحان اللّه وبحمده واستغفر اللّه ولا حول ولا قوة الا باللّه هو الاول والاخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شىء قدير وتأويله على هذا ان للّه هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السموات والارض من تكلم بها من المتقين اصابه والذين كفروا بايات اللّه وكلمات توحيده وتمجيده اولئك هم الخاسرون ٦٤{قل} ان دعاك الى دين ابائك {أفغير اللّه تأمروني أعبد} تامروني مكى تامرونني على الاصل شامى تامروني مدني وانتصب افغير اللّه باعبد وتامروني اعتراض ومعناه افغير اللّه اعبد يأمرك بعد هذا لبيان {أيها الجاهلون} بتوحيد اللّه ٦٥{ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} من الانبياء عليهم السلام {لئن أشركت ليحبطن عملك} الذى عملت قبل الشرك {ولتكونن من الخاسرين} وانما قال لئن اشركت على التوحيد والموحى اليهم جماعة لان معناه اوحى اليك لئن اشركت ليحبطن عملك والى الذين من قبلك مثله واللام الاولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد الجوابين اعني جواب القسم والشرط وانما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بان رسله لا يشركون لان الخطاب للنبي عليه السلام والمراد به غيره ولانه على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها وقيل لئن طالعت غيري في السر ليحبطن ما بيني وبينك من السر ٦٦{بل اللّه فاعبد} رد لما امروه به من عبادة الهتهم كانه قال لا تعبد ما امروك بعبادته بل ان عبدت فاعبد اللّه فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا عنه {وكن من الشاكرين} على ما انعم به عليك من ان جعلك سيد ولد ادم ٦٧{وما قدروا اللّه حق قدره} وما عظموه حق عظمته اذ دعوك الى عبادة غيره ولما كان العظيم من الاشياء اذا عرفه الانسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تقديره عظمه حق تعظيمه قيل وما قدروا اللّه حق قدره ثم نبههم على عظمته وجلالة شانه على طريقة التخييل فقال {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} والمراد بهذا الكلام اذا اخذته كما هو بجملتيه ومجموعة تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين الى جهة حقيقة أو جهة مجاز والمراد بالارض الارضون السبع يشهد لذلك قوله جميعا وقوله والسموات ولان الموضع موضع تعظيم فهو مقتض للمبالغة والارض مبتدأ وقبضته الخبر وجميعا منصوب على الحال أي والارض اذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة والقبضة المرة من القبض والقبضة المقدار المقبوض بالكف ويقال اعطني قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر وكلا المعنيين محتمل والمعنى والارضون جميعا قبضته أي ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة يعني ان الارضين مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن الا قبضة واحدة من قبضاته كانه يقبضها قبضة بكف واحدة كما تقول الجزور اكلة لقمان أي لا يفي باكلة فذة من اكلاته واذا اريد معنى القبضة فظاهر لان المعنى ان الارضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة والمطويات من الطي الذي هو ضد النشر كما قال يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب وعادة طاوي السجل ان يطويه بيمينه وقيل قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع وبيمينه بقدرته وقيل مطويات بيمينه مفنيات بقسمه لانه اقسم ان يفنيها {سبحانه وتعالى عما يشركون} ما ابعد من هذه قدرته وعظمته وما أعلاه عما يضاف اليه من الشركاء ٦٨{ونفخ في الصور فصعق} مات {من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه} اي جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وقيل هم حملة العرش أو رضوان والحور العين ومالك والزبانية {ثم نفخ فيه أخرى} هي في محل الرفع لان المعنى ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة اخرى وانما حذفت لدلالة اخرى عليها ولكونها معلومة بذكرها في غير مكان {فإذا هم قيام ينظرون} يقلبون ابصارهم في الجهات نظر المبهوت اذا فاجأه خطب أو ينظرون امر اللّه فيهم ودلت الآية على ان النفخة اثنتان الاولى للموت والثانية للبعث والجمهور على انها ثلاث الاولى للفزع كما قال ونفخ في الصور ففزع والثانية للموت والثالثة للاعادة ٦٩{وأشرقت الأرض} اضاءت {بنور ربها} أي بعدله بطريق الاستعارة يقال للملك العادل اشرقت الافاق بعدلك واضاءت الدنيا بقسطك كما يقال اظلمت البلاد بجور فلان وقال عليه الصلاة والسلام: الظلم ظلمات يوم القيامة واضافة اسمه الى الارض لانه يزينها حيث ينشر فيها عدله وينصب فيها موازين قسطه ويحكم بالحق بين اهلها ولا ترى ازين للبقاع من العدل ولا اعمر لها منه وقال الامام ابو منصور رحمه اللّه يجوز ان يخلق اللّه نورا فينور به ارض الموقف واضافته اليه تعالى للتخصيص كبيت اللّه وناقة اللّه {ووضع الكتاب} أي صحائف الاعمال ولكنه اكتفى باسم الجنس أو اللوح المحفوظ {وجيء بالنبيين} ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة وما اجابهم قومهم {والشهداء} الحفظة وقيل هم الابرار في كل زمان يشهدون على اهل ذلك الزمان {وقضي بينهم} بين العباد {بالحق} بالعدل {وهم لا يظلمون} ختم الآية بنفي الظلم كما افتتحها باثبات العدل ٧٠{ووفيت كل نفس ما عملت} أي جزاءه {وهو أعلم بما يفعلون} من غير كتاب ولا شاهد وقيل هذه الآية تفسير قوله وهم لا يظلمون أي ووفيت كل نفس ما عملت من خير وشر لا يزاد في شر ولا ينقص من خير ٧١{وسيق الذين كفروا إلى جهنم} سوقا عنيفا كما يفعل بالاسارى والخارجين علىالسلطان اذا سيقوا الى حبس أو قتل {زمرا} حال أي افواجا متفرقة بعضها في اثر بعض {حتى إذا جاؤوها فتحت} بالتخفيف فيهماكوفى {أبوابها} وهي سبعة {وقال لهم خزنتها} أي حفظة جهنم وهم الملائكة الموكلون بتعذيب اهلها {ألم يأتكم رسل منكم} من بني ادم {يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا} أي وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة {قالوا بلى} اتونا وتلوا علينا {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} أي ولكن وجبت علينا كلمة اللّه لاملأن جهنم بسوء اعمالنا كما قالوا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين فذكروا عملهم الموجب لكلمة العذاب وهو الكفر والضلال ٧٢{قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها} حال مقدرة أي مقدرين الخلود {فبئس مثوى المتكبرين} اللام فيه للجنس لان مثوى المتكبرين فاعل بئس وبئس فاعلها اسم معروف بلام الجنس أو مضاف الى مثله والمخصوص بالذم محذوف تقديره فبئس مثوى المتكبرين جهنم ٧٣{وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} المراد سوق مراكبهم لانه لا يذهب بهم الا راكبين الى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يكرم ويشرف من الوافدين على بعض الملوك {حتى إذا جاؤوها} هي التي تحكى بعدها الجمل والجملة المحكية بعدها هي الشرطية الا ان جزاءها محذوف وانما حذف لانه في صفة ثواب اهل الجنة فذل بحدفه على انه شىء لا يحيط به الوصف وقال الزجاج تقديره حتى اذا جاؤوها {وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} دخلوها فحذف دخلوها لان في الكلام دليلا عليه وقال قوم حتى اذا جاؤوها جاؤوها وفتحت ابوابها فعندهم جاؤوها محذوف والمعنى حتى اذا جاؤوها وقع مجيئهم مع فتح ابوابها وقيل ابواب جهنم لا تفتح الا عند دخول اهلها فيها واما ابواب الجنة فمتقدم فتحها لقوله تعالى جنات عدن مفتحة لهم الابواب فلذلك جىء بالواو وكانه قال حتى اذا جاؤوها وقد فتحت ابوابها طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا وقال الزجاج أي كنتم طيبين في الدنيا ولم تكونوا خبيثين أي لم تكونوا اصحاب خبائث وقال ابن عباس طاب لكم المقام وجعل دخول الجنة مسببا عن الطيب والطهارة لأنها دار الطيبين ومثوى الطاهرين قد طهرها اللّه من كل دنس وطيبها من كل قذر فلا يدخلها الا مناسب لها موصوف بصفتها ٧٤{وقالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده} انجزنا ما وعدنا في الدنيا من نعيم العقبى {وأورثنا الأرض} ارض الجنة وقد اورثوها أي ملكوها جعلوا ملوكها واطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون تشبيها بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه {نتبوأ} حال {من الجنة حيث نشاء} أي يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة فيتبوا أي فيتخذ متبوا ومقرا من جنته حيث يشاء {فنعم أجر العاملين} في الدنيا الجنة ٧٥{وترى الملائكة حافين} حال من الملائكة {من حول العرش} أي محدقين من حوله ومن لابتداء الغاية أي ابتداء حفوفهم من حول العرش الى حيث شاء اللّه {يسبحون} حال من الضمير في {حافين} {بحمد ربهم} أي يقولون سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله الا اللّه واللّه اكبر أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح وذلك للتلذذ دون التعبد لزوال التكليف {وقضي بينهم} بين الانبياء والامم أو بين اهل الجنة والنار {بالحق} بالعدل {وقيل الحمد للّه رب العالمين} أي يقول اهل الجنة شكرا حين دخولها وتم وعد اللّه لهم كما قال واخر دعواهم ان الحمد للّه رب العالمين وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرا كل ليلة بني اسرائيل والزمر الحواميم السبع كلها مكية عن ابن عباس رضى اللّه عنهما |
﴿ ٠ ﴾