تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم وقيل سورة القتال مدنية وقيل مكية وهى ثمان وثلاثون اية أو تسع وثلاثون اية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه} اى اعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الاسلام أو صدوا غيرهم عنه قال الجوهرى صد عنه يصد صدودا اعرض وصده عن الامر صدا منعه وصرفه عنه وهم المطعمون يوم بدر أو اهل الكتاب أو عام في كل من كفر وصد {أضل أعمالهم} ابطلها واحبطها وحقيقته جعلها ضالة ضائعة ليس لها من بتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الابل واعمالهم ما عملوه في كفرهم من صلة الارحام واطعام الطعام وعمارة المسجد الحرام أو ماعملوه من الكيد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والصد عن سبيل اله ٢{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} هم ناس من قريش أو من الانصار أو من اهل الكتاب أو عام {وآمنوا بما نزل على محمد} وهو القرآن وتخصيص الايمان بالنزل على رسوله من بين ما يجب الايمان به لتعظيم شأنه واكد ذلك بالجملة الاعتراضية وهى قوله {وهو الحق من ربهم} اى القرآن وقيل ان دين محم هو الحق اذا لا يرد عليه النسخ وهو ناسخ لغيره {كفر عنهم سيئاتهم} ستر بايماتهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصى لرجوعهم عنها وتوبتهم {وأصلح بالهم} اى حالهم وشانهم بالتوفيق في امور الدين وبالتسليط علىالدنيا بما اعطاهم ٣{ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل} من النصرة والتأييد {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} ذلك مبتدأ وما بعده خبره اى ذلك الامر وهو اضلال اعمال احد الفريقين وتكفير سيآت الثاني والاصلاح كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهو الشيطان وهؤلاءالحق وهو القران {كذلك} مثل ذلك الضرب {يضرب اللّه} اى يبين اللّه {للناس أمثالهم} والضمير راجع الى الناس أو الى المذكورين من الفريقين على معنى انه يضرب امثالهم لاجل الناس ليعتبروا بهم وقد جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكافرين واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو جعل الاضلال مثلا لخيبة الكفار وتكفير السيآت مثلا لفوز الابرار ٤{فإذا لقيتم الذين كفروا} من اللقاء وهو الحرب {فضرب الرقاب} اصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر فانيب منابه مضافا الى المفعول وفيه اختصار مع اعطاء معنى التوكيد لانك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبه التى فيه وضرب الرقاب عبارة عن القتل لا ان الواجب ان تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الاعضاء ولان قتل الانسان اكثر ما يكون بضرب رقبته فوقع عبارة عن القتل وان ضرب غير رقبته {حتى إذا أثخنتموهم} أكثرتم فيهم القتل {فشدوا الوثاق} فأسروهم والوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به والمعنى فشدوا وثاق الاسارى حتى لا يفلتوا منكم {فإما منا بعد} اى بعد ان تاسروهم {وإما فداء} منا وفداء منصوبان بفعلهما مضمرين اى فاما تمنون منا أو تفدون قداء والمعنى والتخيير بين الامرين بعد الاسريين ان يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين ان يغادوهم وحكم اسارى المشركين عندنا القتل أو الاسترقاق والمن والفداء المذكوران في الآية منسوخ بقوله اقتلوا المشركين لأن سورة براء من آخر ما نزل عن مجاهد ليس اليوم من ولا فداء انما هو الاسلام أو ضرب العنق أو المراد بالمن ان يمن عليهم بترك القتل وليسترقوا أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وبالفداء ان يفادى بأساراهم اسارى المسلمين فقد رواه الطحاوى مذهبا عن ابى حنيفة رحمه اللّه وهو قولهما والمشهور انه لا يرى فداءهم لا بمال وبغيره لئلا يعودوا حربا علينا وعند الشافعى ورحمه اللّه تعالى للامام ان يختار احد الامور الاربعة القتل والاسترقاق والفداء بأسارى المسلمين والمن {حتى تضع الحرب أوزارها} اثقالها وآلاتها التى لا تقوم الا بها كالسلاح والكراع وقيل اوزارها آثامها يعنى حتى تترك اهل الحرب وهم المشركون شركهم بان يسلموا وحتى لا يخلو من ان يتعلق بالضرب والشد أو بالمن والفداء فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه اللّه انهم لا يزالون على ذلك أبدا الى ان لا يكون حرب مع المشركين وذلك اذا لم يبق لهم {ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم} شوكة وقيل اذا نزل عيسى عليه السلام وعند ابى حنيفة رحمه اللّه اذا علق بالضرب والشد فالمعنى انهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار وذلك حين لا تبقى شوكة المشركين واذا علق بالمن والفداء فالمعنى انه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر اوزارها الا ان يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل {ذلك} اى الامر ذلك فهو مبتدأ وخبر أو فعلوا بهم ذلك فهو في محل النصب {ولو يشاء اللّه لانتصر منهم} لانتقم منهم بغير قتلا ببعض اسباب الهلاك كالخسف أو الرجفة أو غير ذلك {ولكن} امركم بالقتال {ليبلو بعضكم ببعض} اى المؤمنين بالكافرين تمحيصا للمؤمنين وتمحيقا للكافرين {والذين قتلوا} بصرى وحفص قاتلوا غيرهم {في سبيل اللّه فلن يضل أعمالهم ٥سيهديهم} الى طريق الجنة أو الى الصواب في جواب منكر ونكير {ويصلح بالهم} يرضى خصماءهم ويقبل اعمالهم ٦{ويدخلهم الجنة عرفها لهم} عن مجاهد عرفهم مساكنهم فيها حتى لا يحتاجون ان يسالوا أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة ٧{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اللّه} اى دين اله ورسوله {ينصركم} على عدوكم ويفتح لكم {ويثبت أقدامكم} في مواطن الحرب أو على محجة الاسلام ٨{والذين كفروا} في موضع رفع بالابتداء والخبر {فتعسا لهم} وعطف قوله {وأضل أعمالهم} على الفعل الذى نصب تعسا لأن المعنى فقال تعسا لهم والتعس العثور وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما يرد في الدنيا القتل وفى الآخرة التردى في النار ٩{ذلك} اى التعس والضلال {بأنهم كرهوا ما أنزل اللّه} اى القرآن {فأحبط أعمالهم ١٠أفلم يسيروا في الأرض} يعنى كفار امتك {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر اللّه عليهم} اهلكهم هلال استئصال {وللكافرين} مشركى قريش {أمثالها} امثال تلك الهلكة لان التدمير يدل عليها ١١{ذلك} اى نصر المؤمنين وسموء عاقبة الكافرين {بأن اللّه مولى الذين آمنوا} وليهم وناصرهم {وأن الكافرين لا مولى لهم} اى لا ناصر لهم فإن اللّه مولى العباد جميعا من جهة الاختراع وملك التصرف فيهم ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصر ١٢{إن اللّه يدخل الذين آمنوا} {وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} {وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون} ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا اياما قلائل {ويأكلون} غافلين غير متفكرين في العاقبة {كما تأكل الأنعام} في معالفها ومسارحها غافلة عما هى بصدده من النحر والذبح {والنار مثوى لهم} منزل ومقام ١٣{وكأين من قرية} اى كم من قرية للتكثير وأراد بالقرية اهلها ولذكل قال اهلكناهم {هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} اى وكم من قرية أشد قوة من قومك الذين اخرجوك اى كانوا سبب خروجك {أهلكناهم فلا ناصر لهم} اى فلم يكن لهم من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم ١٤{أفمن كان على بينة من ربه} اى على حجة من عنده وبرهان وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات يعنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {كمن زين له سوء عمله} هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم للّه ورسوله وقال سوء عمله {واتبعوا أهواءهم} للحمل على لفظ من ومعناه ١٥{مثل الجنة} صفة الجنة العجيبة الشأن {التي وعد المتقون} عن الشرك {فيها أنهار} داخل في حكم الصلة كالتكرير لها الا ترى الى صحة فولك التي فيها انهار أو حال اى مسقرة فيها انهار {من ماء غير آسن} غير متغير اللون والريح والطعم يقال اسن الماء اذا تغير طعمه وريحه اسن مكى {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} كما تتغير ألبان الدنيا الى الحموضة وغيرها {وأنهار من خمر لذة} تأنيث للذيذ وهو لاذيذ {للشاربين} اى ما هو الا التلذذ الخالص ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع ولا آفة من آفات الخمر {وأنهار من عسل مصفى} لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره {ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم} مثل مبتدأ خبره {كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما} حارا في النهاية {فقطع أمعاءهم} والتقدير أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد في النار وهو كلام في صورة الاثبات ومعناه النفى لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الانكار ودخوله في حيزه وهو قوله افمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وفائدة حذف حرف الانكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوى بين التمسك بالبينة والتابع لهواه وانه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التى تجرى فيها تلك ١٦{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك} الانهار وبين النار التى يسقى اهلها الحميم {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا} هم المنافقون كانوا يحضرون مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له بالانهاونا منهم فاذا خرجوا قالوا لاولى العلم من الصحابة ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء {أولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم واتبعوا أهواءهم} ١٧{والذين اهتدوا} بالايمان واستماع القرآن {زادهم} اللّه {هدى} اى بصيرة وعلما أو شرح صدورهم {وآتاهم تقواهم} اعلنهم عليها أو آتاهم جزاء تقواهم أو بين لهم ما يتقون ١٨{فهل ينظرون إلا الساعة} اى ينتظرون {أن تأتيهم} اى اتيانها فهو بدل اشتمال من الساعة {بغتة} فجأة {فقد جاء أشراطها} علاماتها وهو مبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان وقيل قطع الارحام وقلة الكرام وكثرة اللئام {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} قال الأخفش التقدير فأنى لهم ذكراهم اذا جاءتهم ١٩{فاعلم أنه} ان الشان {لا إله إلا اللّه واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} والمعنى فاثبت على ما انت عليه من العلم بوحدانية اللّه وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك وفي شرح التأويلات جاز ان يكون له ذنب فامره بالاستغفار له ولكنا لا نعلمه غير ان ذنب الانبياء ترك الافضل دون مباشرة القبيح وذنوبنا مباشر القبائح من الصغائر والكبائر وقيل ألفاآت في هذه الايات لعطف جملة على جملة بينهما اتصال {واللّه يعلم متقلبكم} في معايشكم ومتاجركم {ومثواكم} ويعلم حيث تستقرون من منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثواكم في القبور أو متقلبكم في اعمالكم ومثواكم في الجنة والنار ومثله حقيق بان يتقى ويخشى وان يستغفر وسئل سفيان بن عبينة عن فضل العلم فقال الم تسمع قوله فاعلم انه لا اله الا اللّه واستغفر لذنبك فأمر بالعمل بعد العلم ٢٠{ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة} فيها ذكر الجهاد {فإذا أنزلت سورة} في معنى الجهاد {محكمة} مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها الا وجوب القتال وعن قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهى محكمة لان النسخ لا يرد عليها من قبل ان القتال نسخ ما كان من الصفح والمهادنة وهو غير منسوخ الى يوم القيامة {وذكر فيها القتال} اى امر فيها بالجهاد {رأيت الذين في قلوبهم مرض} نفاق اى رأيت المنافقين فيما بينهم {ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت} يضجرون منها {ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت} اى تشخص أبصارهم جبنا وجزعا كما ينظر من اصابته الغشية عند الموت {فأولى لهم} وعيد بمعنى فويل لهم وهو افعل من الولى وهو القرب ومعناه الدعاء عليهم بان يليهم المكروه ٢١{طاعة وقول معروف} كلام مستأنف اى طاعة وقول معروف خير لهم {فإذا عزم الأمر} فاذا جد الامر ولزمهم فرض القتال {فلو صدقوا اللّه} في الايمان والطاعة {لكان} الصدق {خيرا لهم} من كراهة الجهاد ثم التفت من الغيبة الى الخطاب بضرب من التوبيخ والارهاب فقال ٢٢{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} اى فلعلكم ان اعرضتم عن دين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسنته ان ترجعوا الى ما كنتم عليه في الجاهلية من الافساد في الارض بالتغاور والتناهب وقطع الارحام بمقاتلة بعض الاقارب بعضا ووأد البنات وخبر عسى ان تفسدوا والشرط اعتراض بين الاسم والخبر والتقدير فهل عسيتم ان تفسدوا في الارض تقطعوا ارحامكم ان توليتم ٢٣{أولئك} اشارةالى المذكورين {الذين لعنهم اللّه} أبعدهم عن رحمته {فأصمهم} عن استماع الموعظة {وأعمى أبصارهم} عن ابصارهم طريق الهدى ٢٤{أفلا يتدبرون القرآن} فيعرفوا ما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة حتى لا يجسروا على المعاصى وام في {أم على قلوب أقفالها} بمعنى بل وهمزة التقدير للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل اليها ذكر ونكرت القلوب لأن المراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك والمراد بعض القلوب وهى قلوب المنافقين واضيفت الاقفال الى القلوب لان المراد الاقفال المختصة بها وهى اقفال الكفر التى استغلقت فلا تنفتح نحو الرين والختم والطبع ٢٥{إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} اى المنافقون رجعوا إلى الكفر سرا بعد وضوح الحق لهم {الشيطان سول} زين {لهم} جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبر الان نحو ان زيدا عمرو مر به {وأملي لهم} ومد لهم في الآمال والامانى واملى ابو عمر واى امهلوا ومد في عمرهم ٢٦{ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل اللّه} اى المنافقون قالوا لليهود {سنطيعكم في بعض الأمر} اى عداوة محمد والقعود عن نصرته {واللّه يعلم إسرارهم} على المصدر من اسر حمزة وعلى ٢٧{فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} وحفص اسرارهم غير جمع سر {فكيف إذا توفتهم الملائكة} اى فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ {يضربون وجوههم وأدبارهم} عن ابن عباس رضى اللّه عنهما لا يتوفى احد على معصية الا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره ٢٨{ذلك} اشارة الى التوفى الموصوف {بأنهم} بسبب انهم {اتبعوا ما أسخط اللّه} من معاونة الكافرين {وكرهوا رضوانه} من نصرة المؤمنين {فأحبط أعمالهم ٢٩أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج اللّه أضغانهم} احقادهم والمعنى اظن المنافقون ان اللّه تعالى لا يبرز بغضهم وعداوتهم للمؤمنين ٣٠{ولو نشاء لأريناكهم} لعرفناكهم ودللناك عليهم {فلعرفتهم بسيماهم} بعلامتهم وهو ان يسمهم اللّه بعلامة بها وعن انس رضى اللّه عنه ماخفى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية احد من المافقين كان يعرفهم بسيماهم {ولتعرفنهم في لحن القول} في نحوه واسلوبه الحسن من فحوى كلامهم لانهم كانوا لا يقدرون على كتمان ما في انفسهم واللام في فلعرفتهم داخلة في جواب لو كالتى في لاريناكم كررت في المعطوف واما اللام فى ولتعرفنهم فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف {واللّه يعلم أعمالكم} فيميز خيرها من شرها ٣١{ولنبلونكم} بالقتال أعلاما لا استعلاما أو نعاملكم معاملة المختبر ليكون أبلغ في اظهار العدل {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} على الجهاد اى نعلم كائنا ما علمناه انه سيكون {ونبلو أخباركم} اسراركم وليبلونكم حتى يعلم ويبلوا ابو بكر وعن الفضيل انه كان اذا قرأها بكى وقال اللّهم لا تبلنا فإنك ان بلوتنا فضحتنا وهتكت استارنا وعذبتنا ٣٢{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه وشاقوا الرسول} وعادوه يعنى المطعمين يوم بدر وقد مر {من بعد ما تبين لهم الهدى} من بعد ما ظهر لهم انه الحق وعرفوا الرسول {لن يضروا اللّه شيئا وسيحبط أعمالهم} التى عملوها في مشاقة الرسول اى سيبطلها فلا يصلون منها الى اغراضهم ٣٣{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} بالنفاق أو بالرياء ٣٤{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه} {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر اللّه لهم} قيل هم اصحاب القليب والظاهر العموم ٣٥{فلا تهنوا} فلا تضغفوا ولا تذلوا للعدو {وتدعوا إلى السلم} وبالكسر حمزة وأبو بكر وهما المسالة اى ولا تدعوا الكفار الى الصلح {وأنتم الأعلون} اى الاعلبون وتدعوا مجزوم لدخوله في حكم النهى {واللّه معكم} بالنصرة اى ناصركم {ولن يتركم أعمالكم} ولن ينقصكم اجر اعمالكم ٣٦{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} تنقطع في أسرع مدة {وإن تؤمنوا} باللّه ورسوله {وتتقوا} الشرك {يؤتكم أجوركم} ثواب ايمانكم وتقواكم {ولا يسألكم أموالكم} اى لا يسألكم جميعها بل ربع العشر والفاعل اللّه اوالرسول وقال سفيان بن عبينة غيضا من فيض ٣٧{إن يسألكموها فيحفكم} اى يجهدكم ويطلبه كله والاحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شىء يقال احفاه في المسألة اذا لم يترك شيئا من الالحاح واحفى شاربه اذا استأصله {تبخلوا ويخرج} اىاللّه أو البخل {أضغانكم} عند الامتناع أو عند سؤال الجميع لان عند مسألة المال تظهر العداوة والحقد ٣٨{ها أنتم} ها للتنبيه {هؤلاء} موصول بمعنى الذين صلته {تدعون} اى انتم الذين تدعون {لتنفقوا في سبيل اللّه} هى النفقة في الغزو أو الزكاة كأنه قال الدليل على انه لو احفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء انكم تدعون الى اداء ربع العشر {فمنكم من يبخل} بالرفع لان من هذه ليست للشرط اى فمنكم ناس يبخلون به {ومن يبخل} بالصدقة واداء الفريضة {فإنما يبخل عن نفسه} اى يبخل عن داعى نفسه لا عن داعى ربه وقيل يبخل على نفسه يقال بخلت عليه وعند {واللّه الغني وأنتم الفقراء} اى انه لا يامر بذلك لحاجته اليه لانه غنى عن الحاجات ولكن لحاجتكم وفقركم الى الثواب {وإن تتولوا} وان تعرضوا ايها العرب عن طاعته وطاعة رسوله والانفاق في سبيله وهو معطوف على وان تؤمنوا وتتقوا {يستبدل قوما غيركم} يخلق قوما خيرا منكم واطوع وهم فارس وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن القوم وكان سلمان الى جنبه فضرب على فخذه وقال هذا وقومة والذى نفسى بيده لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناله رجال من فارس {ثم لا يكونوا أمثالكم} اى ثم لا يكونوا في الطاعة أمثالكم بل اطوع منكم |
﴿ ٠ ﴾