تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة العلق

سورة العلق مكية وهى تسع عشرة آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

عن ابن عباس ومجاهد هى أول سورة نزلت والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم

_________________________________

{اقرأ باسم ربك الذي خلق} محل باسم ربك النصب على الحال أى اقرأ مفتحا باسم ربك كانه قبل قل بسم اللّه ثم اقرأ الذى خلق ولم يذكر لخلق مفعولا لأن المعنى الذى حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه أو تقديره خلق كل شئ فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات يتقديره أولى من بعض وقوله

٢

{خلق الإنسان} تخصيص للانسان بالذكرمن بين ما يتناوله الخلق لشرفه ولأن التنزيل إليه ويجوز أن يراد الذى خلق الانسان إلا أنه ذكر مبهما ثم مفسرا تفخيما لخلقه ودلالة على عجيب فطرته

{من علق} وإنما جمع ولم يقل من علقه لأن الانسان فى معنى الجمع

٣

{اقرأ وربك الأكرم} الذى له الكمال فى زيادة كرمه على كل كريم ينعم على عبادة النعم ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وكانه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال

٤

{الذي علم} الكتابة

{بالقلم}

٥

{علم الإنسان ما لم يعلم} فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين

ولا كتب اللّه المنزلة إلا بالكتابة ولولا هى لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة اللّه دليل الا امر القلم والخط لكفى به

٦

{كلا} ردع لمن كفر بنعمة اللّه عليه بطغيانه وان لم يذكر لدلالة الكلام عليه

{إن الإنسان ليطغى} نزلت فى أبى جهل إلى آخر السورة

٧

{أن رآه} أن رأى نفسه يقال فى أفعال القلوب رأيتنى وعلمتنى ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الابصار لامتنع فى فعلها الجمع بين الضميرين

{استغنى} هو المفعول الثانى

٨

{إن إلى ربك الرجعى} تهديد للانسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات والرجعى مصدر بمعنى الرجوع أى أن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك

٩

انظر تفسير الآية ١٠

١٠

{أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى} أى أرأيت أبا جهل ينهى محمدا عن الصلاة

١١

{أرأيت إن كان على الهدى} أى ان كان ذلك الناهى على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة اللّه

١٢

{أو أمر بالتقوى} أو كان آمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد

١٣

{أرأيت إن كذب وتولى} أرأيت ان كان ذلك الناهى مكذبا بالحق متوليا عنه كما تقول نحن

١٤

{ألم يعلم بأن اللّه يرى} ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله وهذا وعيد وقوله الذى ينهى مع الجملة الشرطية مفعولا أرأيت وجواب الشرط محذوف تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن اللّه يرى وإنما حذف لدلالة ذكره فى جواب الشرط الثانى وهذا كقولك ان أكرمتك أتكرمنى وأرأيت الثانية مكررة زائدة للتوكيد

١٥

{كلا} ردع لأبى جهل عن نهيه عن عبادة اللّه وأمره بعبادة الأصنام ثم قال

{لئن لم ينته} عما هو فيه

{لنسفعا بالناصية} لنأخذن بناصيته ولنسجنه بها إلى النار والسفع القبض على الشئ وجذبه بشدة وكتبها فى المصحف بالألف على حكم الوقف واكتفى بلام العهد عن الإضافة بأنها ناصية المذكور

١٦

{ناصية} بدل من الناصية لأنها وصفت بالكذب والخطأ بقوله

{كاذبة خاطئة} على الاسناد المجازى وهما لصاحبها حقيقة وفيه من الحسن والجزالة ما ليس فى قولك ناصية كاذب خاطئ

١٧

انظر تفسير الآية ١٨

١٨

{فليدع ناديه  * سندع الزبانية} النادى المجلس الذى يجتمع فيه القوم والمراد أهل النادى روى أن أبا جهل مر بالنبى عليه السلام وهو يصلى فقال ألم أنهك فأغلظ له رسول اللّه عليه السلام فقال أنهددنى وأنا أكثر أهل الوادى ناديا فنزل والزبانية لغة الشرط الواحد زبنية من الزبن وهو الدفع والمراد ملائكة العذاب

وعنه عليه السلام: ولو دعا ناديه لآخذته الزبانية عيانا

١٩

{كلا} ردع لأبى جهل

{لا تطعه} أى اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله فلا تطع المكذبين

{واسجد} ودم على سجودك يريد الصلاة

{واقترب} وتقرب إلى ربك بالسجود فأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد كذا الحديث واللّه أعلم

﴿ ٠