تفسير روح البيان

إسماعيل حقى بن مصطفى بروسوي الإستانبولي

الحنفي الجلوتي

(ت ١١٣٧ هـ ١٧٢٥ م)

_________________________________

سُورَةُ الْفاَتِحَةِ الْكِتاَبِ

مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سَبْعُ آياَتٍ

١

{ بسم اللّه الرحمن الرحيم } الاصح المقبول عند متأخرى الحنفية ان البسملة آية فذة ليست جزأ من سورة انزلت للفصل والتبرك بالابتداء كما بذكرها في كل أمر ذى بال وهى مفتاح القرآن واول ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ واول ما نزل على آدم عليه السلام وحكمة تأخرها واول ما جرى به القلم فى اللوح المحفوظ واول ما نزل على آدم عليه السلام وحكمة تأخرها عن الاستعاذة تقدم التخلية بالمعجمة على التحلية والاعراض عما سوى اللّه على الاقبال والتوجه اليه

{ بسم اللّه } كانت الكفار يبدؤون باسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات والعزى فوجب ان يقصد الموحد معنى اختصاص اسم اللّه عز وجل بالابتداء وذلك بتقديمه وتأخير الفعل فلذلك قدر المحذوف متأخرا اى باسم اللّه اقرأ او اتلو أو غير ذلك مما جعلت التسمية مبدأ له

قالوا واودع جميع العلوم في الباء اى بى كان ما كان وبى يكون ما يكون فوجد العوالم بى وليس لغيرى وجود حقيقى الا بالاسم والمجاز وهو معنى قولهم ما نظرت شياً الا ورأيت اللّه فيه او قبله ومعنى قوله عليه السلام ( لا تسبوا الدهر فان الدهر هو اللّه ) فان قلت ما الحكمة في افتتاح اللّه بالباء عشرة معان.

احدها ان فى الالف ترفعا وتكبرا وتطاولا وفى الباء انكسارا وتواضعا وتساقطا فمن تواضع للّه رفعه اللّه.

وثانيها ان الباء مخصوصة بالالصاق بخلاف اكثر الحروف خصوصا الالف من حروف القطع وجدت شرف العندية من اللّه تعالى كما قال اللّه تعالى ( انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى )

ورابعها ان فى الباء تساقطا وتكسرا فى الظاهر ولكن رفعة درجة وعلوهمة فى الحقيقة وهى من صفات الصديقين وفى الالف ضدها اما رفعة درجتها فبانها اعطيت نقطة وليست للالف هذه الدرجة

واما علو الهمة فانه لما عرضت عليها النقط ما قبلت الا واحدة ليكون حالها كحال محب لا يقبل الا محبوبا واحدا.

وخامسها ان فى الباء صدقا فى طلب قربة الحق لانها لما وجدت درجة حصول النقطة وضعتها تحت قدمها وما تفاخرت بها ولا يناقضه الجيم والياء لان نقطهما فى وضع الحروف ليست تحتهما بل فى وسطهما وانما موضع النقط تحتهما عند اتصالهما مفردة أو متصلة بحرف آخر.

وسادسها ان الالف حرف علة بخلاف الباء.

وسابعها ان الباء حرف تام متبوع فى المعنى وان كان تابعا صورة من حيث ان موضعه بعد الالف فى وضع الحروف وذلك لان الالف فى لفظ الباء يتبعه بخلاف لفظ الالف فان الباء لا يتبعه والمتبوع فى المعنى اقوى

وثامنها ان الباء حرف عامل ومتصرف فى غيره فظهر لها من هذا الوجه قدر وقدرة فصلحت للابتداء بخلاف الالف فانه ليس بعامل.

وتاسعها أن الباء حرف كامل فى صفات نفسه بانه للالصاق والاستعانة والاضافة مكمل لغيره بان يخفض الاسم التابع له ويجعله مكسوراً متصفاً بصفات نفسه وله علو وقدرة في تكميل الغير بالتوحيد والارشاد كما اشارة اليه سيدنا على رضى اللّه عنه بقوله [ان النقطة تحت الباء] فالباء له مرتبة الارشاد والدلالة على التوحيد

وعاشرها ان الباء حرف شفوى تنفتح الشفة به ما لا تنفتح بغيره من الحروف الشفوية ولذلك كان اول انفتاح فم الذرة الانسانية فى عهد الست بربكم بالباء فى جواب بلى فلما كان الباء اول حرف نطق به الانسان وفتح به فمه وكان مخصوصا بهذه المعانى اقتضت الحكمة الالهية اختياره من سائر الحروف فاختارها ورفع قدرها واظهر برهانها وجعلها مفتاح كتابه ومبدأ كلامه وخطا به تعالى وتقدس كذا فى التأويلات النجمية.

واسم اللّه ما يصح ان يطلق عليه بالنظر الى ذاته او باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس او الثبوتية كالعليم او باعتبار فعل من افعاله كالخالق ولكنها توقيفية عند بعض العلماء كما فى الشرح المشارق لابن الملك ثم المختار ان كلمة اللّه هو الاسم الاعظم فان سأل سائل وقد قلنا ان للدعاء آدابا وشرائط لا يستجاب الدعاء الا بها كما ان للصلاة كذلك فاول شرائطه اصلاح الباطن باللقمة الحلال وقد قيل ( الدعاء مفتاح السماء واسنانه لقمة الحلال ) وآخر شرائطه الاخلاص وحضور القلب كما قال اللّه تعالى

{ فادعوا اللّه مخلصين له الدين } فان حركة الانسان باللسان وصياحه من غير حضور القلب ولولة الواقف على الباب وصوت الحارث على السطح اما اذا كان حاضرا فالقلب الحاضر فى الحضرة شفيع له.

قال الشيخ مؤيد الدين الجندى قدس سره ان للاسم الاعظم الذى اشتهر ذكره وطاب خبره ووجر طيه وحرم نشره من عالم الحقائق والمعانى حقيقة ومعنى ومن عالم الصورة والالفاظ صورة ولفظا اما حقيقته فهى احدية جمع جميع الحقائق الجمعية الكمالية كلها

واما معناه فهو الانسان الكامل فى كل عصر وهو قطب الاقطاب حامل الامانة الالهية خليفة اللّه

واما صورته فهى صورة كامل ذلك العصر وعلمه كان محرما على سائر الامم لما لم تكن الحقيقة فحسب فلما وجد معنى الاسم الاعظم وصورته بوجود الرسول صلى اللّه عليه وسلم اباح اللّه العلم به كرامة له

{ الرحمن } الرحمة فى اللغة رقة القلب والانعطاف ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها والمراد بها ههنا هو التفضل والاحسان او ارادتهما بطريقة اطلاق اسم السبب بالنسبة الينا على مسببه البعيد او القريب فان اسماء اللّه تؤخذ باعتبار الغايات التى هي افعال دون المبادى التي هى انفعالات فالمعنى العاطف على خلقه بالرزق لهم ودفع الآفات عنهم لا يزيد فى رزق المتقى لقبل تقواه ولا ينقص من رزق الفاجر لقبل فجوره بل يرزق الكل بما يشاء

{ الرحيم } المترحم اذا سئل اعطى واذا لم يسأل غضب وبنى آدم حين يسأل يغضب والعم ان الرحمة من صفات الذات وهو ارادته ايصال الخير ودفع الشر والارادة صفة الذات لان اللّه تعالى لو لم يكن موصوفا بهذه الصفة لما خلق الموجودات فلما خلق الخلق علمنا ان رحمته صفة ذاتية لان الخلق ايصال خير الوجود الى المخلوق ودفع شر العدم عنهم فان الوجود خير كله

قال الشيخ القيصرى اعلم ان الرحمة صفة من الصفات الالهية وهى حقيقة واحدة لكنها تنقسم بالذاتية والصفاتية اى تقتضيها اسماء الذات واسماء الصفات وكل منهما عامة وخاصة فصارت اربعا ويتفرع منها الى ان يصير المجموع مائة رحمة واليها اشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله

( ان للّه مائة رحمة اعطى واحدة منها لاهل الدنيا كلها وادخر تسعا وتسعين الى الآخرة يرحم بها عباده ) فالرحمة العامة والخاصة الذاتيتان ما جاء فى البسملة من الرحمن الرحيم والرحمة الرحمانية عامة لشمول الذات جميع الاشياء علما وعينا والرحيمية خاصة لانها تفصيل تلك الرحمة العامة الموجب لتعيين كل من الأعيان بالاستعداد الخاص بالفيض الاقدس والصفاتية ما ذكره فى الفاتحة من الرحمن الرحيم الاولى عامة الحكم لترتبها على ما افاض الوجود العام العلمى من الرحمة العامة الذاتية والثانية خاصة وتخصيصها بحسب استعداد الاصلى الذى لكل عين من الاعيان وهما نتيجتان للرحمتين الذاتيتين العامة والخاصة انتهى كلامه قالوا للّه تعالى ثلاثة آلاف اسم الف عرفها الملائكة لا غير والف عرفها الانبياء لا يغر وثلاثمائة فى التوراة وثلاثمائة فى الانجيل وثلاثمائة فى الزبور وتسعة وتسعون في القرآن وواحد استأثر اللّه به ثم معنى هذه الثلاثة آلاف فى هذه الاسماء الثلاثة فمن علمها وقالها فكأنما ذكر اللّه تعالى بكل اسمائه وفى الخبر ان النبى عليه السلام قال ( ليلة اسرى بى الى السماء عرض على جميع الجنان فرأيت فيها اربعة انهار نهرا من ماء ونهرا من لبن ونهرا نم خمر ونهرا من عسل فقلت يا جبريل من اين تجيئ هذه الانهار والى اين تذهب قال تذهب الى حوض الكوثر ولا ادرى من اين تجئ فادع اللّه تعالى ليعلمك او يريك فدعا ربه فجاء ملك فسلم على النبى عليه السلام ثم قال يا محمد غمض عينيك قال فغمضت عينى ثم قال افتح عينيك ففتحت فاذا انا عند شجرة ورأيت قبة من درة بيضاء ولها باب من ذهب احمر وقفل لو أن جميع ما فى الدنيا من الجن والانس وضعوا على تلك القمة لكانوا مثل طائر جالس على جبل فرأيت هذه الانهار الاربعة تخرج من تحت هذه القبة فلما اردت ان ارجع قال لى ذلك الملك لم لا تدخل القبة قلت كيف ادخل وعلى بابها قفل لا مفتاح له عندى قال مفتاحه بسم اللّه الرحمن الرحيم فلما دنوت من القفل وقلت بسم اللّه الرحمن الرحيم انفتح القفل فدخلت فى القبة فرأيت هذه الانهار تجرى من اربعة اركان القبة ورأيت مكتوبا على اربعة اركان القبة بسم اللّه الرحمن الرحيم ورأيت نهر الماء يخرج من ميم بسم اللّه ورأيت نهر اللبن يخرج من هاء اللّه ونهر الخمر يخرج من ميم الرحمن ونهر العسل من ميم الرحيم فعلمت ان اصل هذه الانهار الاربعة من البسملة فقال اللّه عز وجل يا محمد من ذكرنى بهذه الاسماء من امتك بقلب خالص من رياء وقال بسم اللّه الرحمن الرحيم سقيته من هذه الانهار )

وفى الحديث ( لا يرد دعاء اوله بسم اللّه الرحمن الرحيم ) وفي الحديث ايضا ( من رفع قرطاسا من الارض مكتوبا عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم اجلالا له ولاسمه عن ان يدنس كان عند اللّه من الصديقين وخفف عن والديه وان كانا مشركين ) وذكر الشيخ احمد البونى فى لطائف الاشارات ان شجرة الوجود تفرعت عن بسم اللّه الرحمن الرحيم وان العالم كله قائم بها جملة وتفصيلات فلذلك من اكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوى والسفلى. وكتبت قيصر ملك الروح الى عمررضى اللّه عنه قلنسوة فكان اذا وضعها على رأسه سكن صداعه واذا رفعها عن رأسه عاد صداعه فتعجب منه ففتش فى القلنسوة فاذا فيها كاعد مكتوب عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم.

قال الشيخ الاكبر في الفتوحات اذا قرأت فاتحة الكتاب فصل جبريل عليه السلام حالفا عن ميكائيل عليه السلام حالفا عن اسرافيل عليه السلام قال اللّه تعالى ( يا اسرافيل بعزتي وجلالى وجودى وكرمى من قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة فاشهدوا على انى قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت له عن السيآت ولا احرق لسانه بالنار واجيره من عذاب القبر وعذاب النار وعذاب يوم القيامة والفزع الاكبر وتلقانى قبل الانبياء والاولياء اجميعن )

وجه التسمية بفاتحة الكتاب اما لافتتاح المصاحف والتعليم وقراءة القرآن والصلاة بها

واما لان الحمد فاتحة كل كلام

واما لانها اول سورة نزلت

واما لانها اول ما كتب في اللوح المحفوظ

واما لانها فاتحة ابواب المقاصد فى الدنيا وابواب الجنان فى العقبى

واما لان انفتاح ابواب خزائن اسرار الكتاب بها لانها مفتاح كنوز لطائف الخطاب بانجلائها ينكشف جميع القرآن لاهل البيان لان من عرف معانيها يفتح بها اقفال المتشابهات ويتقبس بسناها انوار الآيات. وسميت بام القرآن وما الشئ اصله لان المقصود من كل القرآن تقرير امور اربعة اقرار بالالوهية والنبوة واثبات القضاء

{ اياك نعبد واياك نستعين } على نفى الجبر والقدر وعلى اثبات ان الكل بقضاء اللّه تعالى وسميت بالسبع المثانى لانها سبع آيات او لان كل آية منها تقوم مقام سبع من القرآن فمن قرأها اعطى ثواب اعطى ثواب قراءة الكل او لان من فتح فاه بقراءة آياتها السبع غلقت عنه ابواب النيرات السبعة هذه وجوه التسمية بالسبع

واما بالمثانى فلانها تثنى فى كل صلاة او فى كل ركعة بالنسبة الى الاخرى او المراد تشفع فى كل ركعة سورة حقيقية او حكما او لان نزولها مرتين مرة فى مكة ومرة فى المدينة.

وسميت بسورة الصلاة وسورة الشفاء والشافية واساس القرآن والكافية والوافية وسورة الحمد وسورة السؤال وسورة الشكر وسورة الدعاء لاشتمالها عليها وسورة الكنز لما يروى ان اللّه تعالى قال ( فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى )

٢

{ الحمد للّه } لامه للعهد اى الحمد الكامل وهو حمد اللّه للّه أو حمد الرسل او كمل اهل الولاء او للعموم والاستغراق اى جميع المحامد والاثنية للمحمود اصلا والممدوح عدلا والمعبود حقا عينية كانت تلك المحامد او عرضية من الملك او من المبشر او من غيرهما كما قال تعالى

{ وان من شئ الا يسبح بحمده } والحمد عنه الصوفية اظهار كمال المحمود وكماله تعالى صفاته وافعاله وآثاره.

قال الشيخ داود القيصرى الحمد قولى وفعلى وحالى اما القولى فحمد اللسان وثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان انبيائه عليهم السلام

واما الفعلى فهو الاتيان بالاعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه اللّه تعالى وتوجها الى جنابه الكريم لان الحمد كما يجب على الانسان باللسان كذلك يجب عليه كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الاحوال كما قال النبى عليه السلام ( الحمد للّه على كل حال ) وذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها

واما الحالى فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والخلق بالاخلاق الالهية لان الناس مأمورون بالتخلق باخلاق اللّه تعالى بلسان الانبياء عليهم السلام لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفى الحقيقة هذا حمد الحق ايضا نفسه فى مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له

واما حمده ذاته فى مقامه الجمعى الالهى قولا فهو ما نطق به فى كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه الى شهادته ومن باطنه الى ظاهره ومن علمه الى عينه فى مجالى صفاته ومحال ولاية اسمائه وحال فهو تجاليتاه فى ذاته بالفيض القدس الاولى وظهور النور الازلى فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا كما قيل

لقد كنت دهرا قبل ان يشكف الغطا ... اخالك انى ذاكر لك شاكر

فلما اضاء الليل اصبحت شاهدا ... بانك مذكور وذكر وذاكر

وكل حامد بالحمد القولى يعرف محموده باسناد صفات الكمال اليه فهو يستلزم التعريف انتهى كلامه والحمد شامل للثناء والشكر والمدح ولذلك صدر كتابه بان حمد نفسه بالثناء فى للّه والشكر فى رب العالمين والمدح فى الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ليس للعبد ان يحمده بهذه الوجوه الثلاثة حقيقة بل تقليدا ومجازا

اما الاول فلان الثناء والمدح بوجه يليق بذاته او بصفاته فرع معرفة كنههما وقد قال اللّه تعالى

{ لا يحيطون به علما. وما قدر اللّه حق قدره }

واما الثانى فكما ان النبي عليه السلام لما خوطب ليلة المعراج بان أثن على قال

( لا احصى ثناء عليك ) وعلم ان لا بد من امتثال الامر واظهار العبودية فقال ( انت كما اثنيت على نفسك ) فهو ثناء بالتقليد وقد امرنا ايضا ان نحمد بالتقليد بقوله

{ قل الحمد للّه } كما قال

{ فاتقوا اللّه ما استطعتم } كذا فى التأويلات النجمية : قال السعدى قدس سره

عطا ييست هر موى ازو برتنم ... جه كونه بهر موى شكرى

وذكر الشيخ الامام حجة الاسلام الغزالى رحمه اللّه فى منهاج العادبين ان الحمد والشكر آخر العقبات السبع التى لا بد للسالك من عبورها ليظفر بمبتغاه فاول ما يتحرك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماوية وتوفيق خاص الهى وهو الذى اشار اليه صاحب الشرع صلى اللّه عليه وسلم بقوله ( ان النور اذا دخل قلب العبد انفتح وانشرح ) فقيل يا رسول اللّه هل لذلك من علامة يعرف بها فقال ( التجافى عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ) فاذا خطر بقلب العبد اول كل شئ ان له منعما بضروب من النعم وقال انه يطالبنى بشركه وخدمته فلعله ان غفلت يزيل نعمته ويذيقنى نقمته وقد بعث الى رسولا بالمعجزات واخبرنى بان لى ربا عالما قادرا على ان يثيبت بطاعته ويعاقب بمعصيته وقد امر ونهى فيخاف على نفسه عنده فلم يجد فى طريق الخلاص من هذا النزاع سبيلا سوى الاستدلال بالصنعة على الصانع فيحصل له اليقين بوجود ربه الموصوف بما ذكر فهذه عقبة العلم والمعرفة استقبله فى اول الطريق ليكون فى قطعها على بصيرة بالتعلم والسؤال من علماء الآخرة فاذا حصل له اليقين بوجود ربه بعثته المعرفة على التشمر للخدمة ولكنه لا يدرى كيف يعبده فيتعلم ما يلزمه من الفرائض الشرعية ظاهرا وباطنا فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض انبعث للعبادة فنظر فاذا هو صاحب ذنوب كما هو حال اكثر الناس فيقول كيف اقبل على الطاعة وانا مصر متلطخ بالمعاصى فيجب ان اتوب اليه ليخلصنى من اسرها واتطهر من اقذارها فاصلح للخدمة فيستقبله ههنا عقبة التوبة فلما حصلت له اقامة التوبة الصادقة بحقوقها وشرائطها نظر للسلوك فاذا حوله عوائق من العبادة محدقة به فتأمل فاذا هى اربع الدنيا والخلق والشيطان والنفس فاستقبلته عقبة العوائق فيحتاج الى قطعها باربعة امور التجرد عن الدنيا والتفرد عن الخلق والمحاربة مع الشيطان والنفس وهى اشدها اذ لا يمكنه التجرد عنها ولا ان يقهرها بمرة كالشيطان اذهى المطية والآلة ولا مطمع ايضا فى مواقتها على الاقبال على العبادة اذهى مجبولة على ضد الخير كالهوى واتباعها له.

نمى تازد اين نفس سركش جنان ... كه عقلش نواندكرفتن عنان

كه بانفس وشيطان برآيد بزور ... مصاف بلنكان نيايد زمور

فاحتاج الى ان يلجمها بلجام التقوى لتنقاد فيستعملها فى المراشد ويمنعها عن المفاسد فلما فرع من قطعها وجدعوا ارض تعترضه وتشغله عن الاقبال على العبادة فنظر فاذا هى اربعة رزق تطلبه النفس ولا بد واخطار من كل شئ يخافه او يرجعوه او يريده او يكرهه ولا يدرى اصلاحه فى ذلك ام فساده والثالث الشدائد والمصائب تنصب عليه من كل جانب لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق ومحاربة الشيطان ومضارة النفس والرابع انواع القضاء فاستقبله ههنا عقبة العوارض الأربعة فاحتاج الى قطعها باربعة بالتوكل على اللّه فى الرزق والتفويض اليه فى موضع الخطر لخير كما يحق وينبغى وانما ميلها الى غفلة ودعة وبطالة بل الى سرف وفضول فاحتاج الى سائق يسوقها الى الطاعة بهذين المذكورين فلما فرغ منها لم ير عائقا ولا شاغلا ووجد باعثا وداعيا فعائق العبادة بلزام الشوق فنظر فاذا تبدو بعد كل ذلك آفتان عظيمتان هما الرياء والعجب فتارة يرائى بطاعته الناس وتارة يستعظم ذلك ويكرم نفسه فاستقبلته ههنا عقبة القوادح فاحتاج الى قطعها بالاخلاص وذكر المنة فاذا قطعها بحسن عصمة الجبار وتأييده حصلت العبادة له كما يحق وينبغى ولكنه نظر فاذا هو غريق فى بحور نعم اللّه من امداد التوفيق والعصمة فخاف ان يكون منه افغال للشكر فيقع فى الكفران وينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التى هى مرتبة اغذية الخالصين فاستقبلته ههنا عقبة الحمد والشكر فقطعها بتكثيرهما فلما فرغ منها فاذا هو بمقصوده ومبتغاه فيتنعم فى طيب هذه الحالة بقية عمره بشخص فى الدنيا وقلب فى العقبى ينتظر البريد يوما ويستقذر الدنيا فاستكمل الشوق الى الملأ الاعلى فاذا هو برسول رب العالمين يبشره بالرضوان من عند رب غير غضبان فينتقلو به فى طيبة النفس وتمام البشر والانس من هذه الدنيا الفانية الى الخضرة الالهية ومستقر رياض الجنة فيرى لنفسه الفقير لعيما وملكا عظيما : قال الشيخ سعدى قدس سره.

عروسى يود نوبت ما تمت ... كرت نيك روزى بودخاتمت

قال خسرو عند وفاته

زدنيا ميرود خسر وبزيرلب همى كويد ... دلم بكرقت ازغربت تمناى وطن دارم

{ رب العالمين } لما نبه على استحقاقه الذاتى بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات اردفه باسماء الصفات جمعا بين الاستحاققين وهو اى رب العالمين كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتى والصفاتي والدنيوى والخروى. والرب بمعنى التربية والاصلاح اما في حق العالمين فيربيهم باغذيتهم وسائر اسباب بقاء وجودهم وفى حق الانسان فيربى الظواهر بالنعمة وهى النفس ويربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ويربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ويربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ويربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة ويربى الانسان تارة باطواره وفيض قوى انواره فى اعضائه فسبحان من اسمع بعظم وبصر بشحم وانطق بلحم واخرى بترتيب غذائه فى النبات بحبوبه وثماره وفى الحيوان بلحومه وشحومه وفى الاراضى باشجاره وانهاره وفى الافلاك بكواكبه وانواره وفى الزمان بسكونك وتسكين الحشرات والحركات المؤذية فى الليالى وحفظك وتمكينك من ابتغاء فضله بالنهار فيا هذا يربيك كانه ليس له عبد سواك وانت لا تخدمه او تخدمه كأن لك ربا غير.

والعالمين جمع عالم والالم جمع لا واحد له من لفظه. قال وهب للّه ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما للعمران في الخراب الا كفسطاط فى صحراء. وقال الضحاك ثلاثمائة وستون ثلاثمائة منهم حفاة عرافة لا يعرفون خالقهم وهم حشو جهنم وستون عالما يلبسون الثياب مر بهم ذو القرنين وكلمهم وقال كعب الاحبار لا يحصى لقوله تعالى

{ وما يعلم جنود ربك الا هو } وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه ان اللّه تعالى خلق الخلق اربعة اصناف الملائكة والشياطين والجن والانس ثم جعل هؤلاء عشرة اجزاء تسعة منهم الملائكة وواحد الثلاثة الباقي ثم جعل هذه الثلاثة عشرة اجزاء تسعة منهم الشياطين وجزء واحد الجن والانس ثم جعلهما عشرة اجزاء فتسعة منهم الجن وواحد الانس ثم جعل الانس مائة وخمسة وعشرين جزأ فجعل مائة جزء فى بلاد الهند منهم ساطوح وهم اناس رؤسهم مثل رؤس الكلاب ومالوخ وهم اناس اعينهم على صدورهم وماسوخ وهم اناس آذانهم كآذان الفيلة ومالوف وهم اناس لا يطاوعهم ارجعلهم يسمون ذوال ياى ومصير كلهم الى النار وجعل اثنى عشر جزأ منهم فى بلاد الروم النسطورية والملكانية والاسرائيلية كل من الثلاث اربع طوائف ومصيرهم الى النار جميعا وجعل ستة اجزاء منهم فى المشرق يأجوج ومأجوج وترك وخاقان وترك حد خلخ وترك خزر وترك جرجير وجعل ستة اجزاء فى المغرب الزنج والزط والحبشة والنوبة وبربر وسائر كفار العرب ومصيرهم الى النار وبقى من الانس من اهل التوحيد جزء واحد فجز أهم ثلاثا وسبعين فرقة اثنتان وسبعون على خطر وهم أهل البدع والضلالات وفرقة ناجية وهم اهل اسنة والجماعة وحسابهم على اللّه تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وفى الحديث ( ان بنى اسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة وتفرق امتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى النار الا فرقة واحدة ) قالوا من هى يا رسول اللّه قال ( من هم على ما انا عليه واصحابى ) يعنى ما انا عليه واصحابى من الاعتقاد والفعل والقول فهو حق وطريق موصل الى الجنة والفوز والفلاح وما عداه باطل وطريق الى النار ان كانوا اباحيين فهم خلود والا فلا.

٣

{ الرحمن الرحيم } فى التكرار وجوه احدها ما سبق من ان رحمتى البسملة ذاتيتان ورحمتى الفاتحة صفاتيتان كماليتان والثانى ليعلم ان التسمية ليست من الفاتحة ولو كانت منها لما اعادهما لخلوا عن الفائدة والثالث انه ندب العباد الى كثرة الذكر فان من علامة حب اللّه حب ذكر اللّه وفى الحديث ( من احب شيئا اكثر ذكره ) والرابع انه ذكر رب العالمين فبين ان رب العالمين هو الرحمن الذى يرزقهم فى الدنيا الرحيم ، الذى يغفر لهم فى العقبى ولذلك ذكر بعده مالك يوم الدين يعنى ان الربوبية اما بالرحمانية وهى رزق الدنيا وما بالرحيمية وهى المغفرة فى المغفرة فى العقبى والخامس انه ذكر الحمد وبالحمد تنال الرحمة فان اول من حمد اللّه تعالى من البشر آدم عطس فقال الحمد للّه واجيب للحال يرحمك ربك ولذلك خلقك فعلم خلقه الحمد وبين انهم ينالون رحمته بالحمد. والسادس ان التكرار للتعليل لان ترتيب الحمد على هذه الأوصاف امارة عليه مأخذها فالرحمانية والرحيمية من جملتها لدلالتهما على انه مختار في الاحسان لا موجب وفى ذلك استيفاء اسباب استحقاق الحمد من فيض الذات برب العالمين وفيض الكمالات بالرحمن الرحيم ولا خارج عنهما فى الدنيا وفيض الاثوبة لطفا والجزية عدلا فى الآخرة ومن هذا يفهم وجه ترتيب الاوصاف الثلاثة. والفرق بين الرحمن والرحيم اما باختصاص الحق بالاول او بعمومه او بجلائل النعم فعلى الاول هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد والرحيم بما يتصور صدوره منهم فذا كما روى عن ذى النون قدس سره وقعت ولولة فى قلبى فخرجت الى شط النيل فرأيت عقربا يعدو فتبعته فوصل الى ضفدع على الشط فركب ظهره وعبر به النيل فركبت السفينة واتبعته فنزل وعدا الى شاب نائم واذا افعى بقربه تقصده فتواثبا وتلادغا وماتا وسلم النائم - ويحكى - ان ولد الغراب اذا خرج من القشر يكون كلحم احمر ويفر الغراب منه فيجتمع عليه البعوض فليتقمه الى ان ينبت ريشه فعند ذلك تعود الام اليه ولهذا قيلا يا رازق النعاب فى عشه

واما على ان الرحمن عام فقيل كيف ذلك وقلما يخلو أحد بل حالة له عن نوى بلوى قلنا الحوادث منها ما يظن انه رحمة ويكون نقمة وبالعكس قال اللّه تعالى

{ فعسى ان تكرهوا شيئاً } الآية فالاول كما قال

ان الشاب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء اى مفسده

وكل منها فى الظاهر نعمة والثانى كحبس الولد فى المكتب وحمله على التعليم بالضرب وكقطع اليد المتأكلة فالايله يعتبر بالظواهر والعاقل ينظر الى السرائر فما من بلية ومحنة الا وتحتها رحمة ومنحة وترك الخير الكثير للشر القليل شر كبير فالتكاليف فتطهير الارواح عن العلائق الجسدانية وخلق النار لصرف الاشرار الى اعمال الابرار وخلق الشيطان لتميز المخلصين من العباد فشأن المحقق ان يبنى على الحقائق كالخضر عليه السلام فى قصة موسى عليه السلام معه فكل ما يكره الطبع فتحته اسرار خفية وحكمة بالغة فلولا الرحمة وسبقها للغضب لم يكن وجود الكون ولما ظهر للاسم المنعم عين

وإما على ان الرحمن لجلائل النعم فانما اتبعه بالرحيم لدفع توهم ان يكون طلب العبد التشئ اليسير سواء ادب كما قيل لبعضهم جئتك لحاجة يسيرة قال اطلب لها رجلا يسيرا فكأن اللّه يقول لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت ولكنى رحيم فاطلب منى حتى شراك نعلك وملح قدرك : قال الشيخ السعدى قدس سره العزيز

محالست اكر سربرين درنهى ... كه باز آيدت سدت حاجت تهى

قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن صلاة حضرة الظهور وحضرة البطون وحضرة الجمع وكل موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها وعلى هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء والاشقياء والمتنعمين بنفوسهم دون ابدانهم كالارواح المجردة وبالعكس والجامعين بين الامرين وكذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا فى الجنة الاعمال ما يستوجبون به النعيم الصورى وان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم وعكس ذلك كالزهاد والعباد الذين لا علم لهم فان ارواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحانى لعدم المناسب بينهم وبين الحضرات العلمية الالهية ولهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده واقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به ورهبة مما حذروا منه

واما الجامعون بين النعيمين تمام فهم الفائزون بالحظ الكامل فى العلم والعمل كالرسل عليهم السلام ومن كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الاولياء : قال المولى جلال الدين قدس سره.

هركبوتر مى برد در مذهبى ... وين كبوتر جانب بى جانبى

٤

{ مالك يوم الدين } اليوم فى العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفى الشرع عما بين طلوع الفجر الثانى وغروب الشمس والمراد ههنا مطلق الوقت لعدم الشمس ثم اى مالك الامر كله فى يوم الجزاء فاضافة اليوم الى الدين لادنى ملابسة كاضافة سائر الظروف الى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الاحزاب ويوم الفتح وتخصيصه اما تخصيصه اما لتعظيمه وتهويله او لبيان تفرده باجراء الامر فيه وانقطاع العلائق بين الملاك والاملاك حينئذ بالكلية ففى ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره واصل الملك والملك الربط والشد والقوة فاللّه فى الحقيقة القوة الكاملة والولاية النافذة والحكم الجارى والتصرف الماضى وهو للعباد مجاز اذلملكهم بداوية ونهاية وعلى البعض لا الكل وعلى الجسم لا العرض وعلى النفس لا النفس وعلى الظاهر لا الباطن وعلى الحى لا الميت بخلاف المعبود الحق اذ ليس لملكه زوال ولا لملكه انتقال وقراءة مالك بالالف اكثر ثوابا من ملك لزيادة حرف فيه - يحكى - عن ابى عبد اللّه محمد بن شجاع الثلجى رحمه اللّه تعالى انه قال كان من عادتى قراءة مالك فسمعت من بعض الادباء ان ملك ابلغ فتركت عادتي وقراءة مالك فسمعت من بعض الادباء ان ملك ابلغ فتركت عادتى وقرأت ملك فرأيت فى المنام قائلا يقول لم قنصت من حسناتك عشرا اما سمعت قول النبى صلى اللّه عليه وسلم ( من قرأ القرآن كتب له بكل حرف عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيآت ورفعت له عشر درجات ) فانتهبت فلم اترك عادتى حتى رأيت ثانيا فى المنام انه قيل لى لم لا تترك هذه العادة اما سمعت قول النبيى صلى اللّه عليه وسلم ( اقرأوا القرآن فخما مفخما ) اى عظيما معظما فاتيت قطربا وكان اماما فى اللغة فسألته ما بين المالك والملك فقال بينهما فرق كثير اما المالك فهو الذى ملك شيأ من الدنيا

واما الملك فهو الذى يملك الملوك.

قال فى تفسير الارشاد قرأ أهل الحرمين المحترمين التصرف الكلى فى امور العامة بالامر والنهى وهو الانسب بمقام الاضافة الى يوم الدين انتهى ولكل وجوه ترجيح ذكرت فى التفاسير فلتطالع ثمة. والوجه فى سرد الصفات الخمس كانه يقول خلقتك فانا ثم ربيتك بالنعم فانا رب ثم عصيت فسترت عليك فانا رحمن ثم تبت فغفرت فانا رحيم ثم لا بد من الجزاء فانا مالك يوم الدين.

وفي التأويلات النجمية الاشارة فى

{ مالك يوم الدين } ان الدين في الحقيقة الاسلامية يدل عليه قوله تعالى ( ان الدين عند الاسلام ) والاسلام على نوعين اسلام بالظاهر واسلام بالباطن فاسلام الظاهر باقرار اللسان وعمل الاركان فهذا الاسلام جسدانى والجسدانى ظلمانى ويعبر عن الليل بالظلمة

واما اسلام فبانشراح القلب والصدر بنور اللّه تعالى فهذا الاسلام الروحانى نورانى ويعبر عن اليوم بالنور فالاسلام الجسدانى يقتضى اسلام الجسد لاوامر اللّه ونواهيه والاسلام الروحانى يقتضى استسلام القلوب والروح لاحكام الازلى وقضائه وقدره فمن كان موقوفا عند الاسلام الجسدانى ولم يبلغ مرتبة الاسلام الروحانى وهو بعد فى سير ليلة الدين متردد ومتحير فيرى ملوكا وملاكا كثيرة كما كان حال الخليل عليه السلام الروحانى من وراء جبل نفسه من مشرق القلب فهو على نور من ربه واضح فى كشف يوم الدين فيكون ورد وقته اصبحنا واصبح الملك فيشاهد بعين اليقين بل يكاشف حق اليقين ان الملك للّه ولا مالك يوم الدين فاذا تجلى له النهار وكشف بالمالك جهارا يخاطبه وجاها ويناجيه شفاها

{ اياك نعبد واياك نستعين } ومن لطائفة مالك يوم الدين ان مخالفة الملك تأويل الى خراب العالم وفناء الخلق فكيف مخالفة ملك الملوك كما قال اللّه تعالى فى سورة مريم

{ تكاد السموات يتفطرن منه } والطاعة سبب لمصالح كما قال تعالى

{ نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } فعلى الرعية مطاوعة الملوك وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك لينتظم مصالح العالم.

ومن لطائفه ايضا ان مالك يوم الدين يبين ان كمال ملكه بعد له حيث قال

{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا نظلم نفس شيأ } فالملك المجازى ان كان عادلا كان حقا فدرت الضروع ونمت الزروع وان كان جائرا كان باطلا فارتفع الخير - يحكى - ان انوشر وان انقطع في الصيد عن القوم فانتهى الى بستان فقال لصبى فيه اعطنى رمانة فاعطاه فاستخرج من حبها ماء كثيرا سكن به عطشه فاعجبه واضمر اخذا البستان من مالكه فسأله اخرى فكانت عفصة قليلة الماء فسأل الصبى عنه فقال لعل الملك عزم على الظلم فتاب قلبه وسأله اخرى فوجدها اطيب من الاولى فقال الصبى لعل الملك تاب فتنبه انوشروان وتاب بالكلية عن الظلم فبقى اسمه مخلدا بالعدل حتى روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه تفاخر فقال ( ولدت فى زمن الملك العادل ) لا اصل له ولا صحة وان صح فاطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذى كان يدعى به لا الوصفية بالعدل والشهادة له بذلك او وصفه بذلك على اعتقاد المعتقدين فيه انه كان عادلا كما قال اللّه تعالى

{ فما اغنت عنهم آلهتهم } اى ما كان عندهم آلهة ولا يجوز ان يسمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من يحكم بغير حكم اللّه عدلا انتهى كلام المقاصد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( يجاء بالوالى يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه فصل الازال عن مكانه فان كان مطيعا للّه فى عمله مضى فيه وان كان عاصيا للّه انخرق به الجسر فيهوى فى جهنم مقدار خمسين عاما ) كذا فى تذكرة الموتى للامام القرطبى قال السعدى قدس سره

مهازور مندى مكن برجهان ... كه بريك نمط مى نماندجهان

نماند ستمكار بد روز كار ... بماند برو لعنت بايدار

٥

{ اياك نعبد واياك نستعين } بنى اللّه سبحانه اول الكلام على ما هو مبادى حال العارف من الذكر والفكر والتأمل فى اسمائه والنظر فى آلائه والاستدلال بصنائعه على عظيم شانه وتأثير سلطانه ثم قفى بما هو منتهى امره وهوان يخوض لجة الوصول ويصير من اهل المشاهدة فيراه عيانا ويناجيه شفاها اللّهم اجعلنا من الواصلين الى العين دون السامعين للاثر. وفيه اشارة ايضا الى ان العابد ينبغى ان يكون نظره الى المعبود اولا وبالذات ومنه الى العبادة لا من حيث انها عبادة صدرت منه بل من حيث انها نسبة شريفة ووصلة بينه وبين الحق فان العارف انما يحق وصوله اذا استغرف فى ملاحظة جناب القدس وغاب عما عداه حتى انه لا يلاحظ نفسه ولا حالا من احوالها الا من حيث انها ملاحظة له ومنتسب اليه ولذلك فضل ما حكى عن حبيبه حين قال

{ لا تحزن ان اللّه معنا } على ما حكاه عن كليمه حيث قال

{ ان معى ربى سيهدين } وتقديم المفعول لقصد الاختصاص اى تخصك بالعبادة لا نعبد غيرك والعبادة غاية الخضوع والتذلل.

وعن عكرمة جميع ما ذكر فى القرآن من العبادة التوحيد ومن التسبيح الصلاة ومن القنوت الطاعة.

وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان جبريل عليه السلام قال للنبى صلى اللّه عليه وسلم قل يا محمد

{ اياك نعبد } اى اياك نؤمل ونرجوا لا غيرك والضمير المستكن فى

{ نعبد } وكذا فى

{ نستعين } للقارئ ومن معه من الحفظة وحاضرى صلاة الجماعة او له ولسائر الموحدين ادرج عبادته فى تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها وتجاب ولهذا شرعت الجماعة قال الشيخ الاكبر والمسك الاذفر قد سنا اللّه بسره الاطهر فى كتاب العظمة اذا كنى العبد عن نفسه بنون نفعل فليست بنون التعظيم واذا كنى عن الحق تعالى بضمير الافراد فان ذلك لغلبه سلطان التوحيد فى قلب هذا العبد وتحققه به حتى سرى فى كليته فظهر ذلك فى نطقه لفظا كما كان عقدا وعلما ومشاهدة وعيعنا وهذه النون نون الجمع فان العبد وان كان فرد انى اللطيفة وحدانى الحقيقة فانه غير وحدانى ولا فرد انى من حيث لطيفته ومركبها وهيكلها وقالبها وما من جزء فى الانسان الا والحق تعالى قد طالب الحقيقة الربانية التى فيه ان تلقى على هذه الجزاء ما يليق بها من العبادات وهى فى الجملة وان كانت المدبرة فلها تكاليف يخصها ويناسب ذاتها فلهذه الجميعة يقول العبد للّه تعالى نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد واياك نعبد وامثال هذا الخطاب ولقد سألنى سائل من علماء الرسوم عن هذه المسئلة وكان قد حار فيها فاجبته باجوبة منها هذا فشفى غليله والحمد للّه انتهى كلام الشيخ قدس سره وانما خصص العبادة به تعالى لان العبادة نهاية التعظيم فلا تليق الا بالمنعم فى الغاية وهو المنعم بخلق المنتفع وباعطاء الحياة الممكنة من الانتفاع كما قال تعالى

{ وكنتم امواتا فاحياكم } الآية

{ وخلق لكم ما فى الارض جميعا } ولان احوال العبد ماض وحاضر ومستقبل ففى الماضى نقله من العدم والموت والعجز و الجهل الى الوجود والحياة والقدرة والعلم بقدرته الازلية وفى الحاضر انفتحت عليه ابواب الحاجات ولزمته اسباب الضروريات فهو رب الرحمن الرحيم وفى المستقبل مالك يوم الدين يجازيه باعماله فمصالحه فى الاحوال الثلاثة لا تستتب الا باللّه فلا مستحق للعبادة الا اللّه تعالى. ثم قوله

{ نعبد } يحتمل ان يكون من العبادة ومن العبودة والعبادة هى العابدية والعبودة هى العبدية. فمن العبادة الصلاة بلا غفلة والصوم بلا غيبة والصدقة بلا منة والحج بلا اراءة والغزو بلا سمعة والعتق بلا اذية والذكر بلا ملالة وسائر الطاعات بلات آفة. ومن العبودة الرضى بلا خصومة والصبر بلا شكاية واليقين بلا شبهة والشهود بلا غيبة والاقبال بلا رجعة والايصال بلا قطيعة. واقسام العبادة على ما ذكره حجة الاسلام فى كتابه المسمى بالاربعين عشرة كما ن الاعتقاد التى قبلها عشرة فالمعتقدات الذات الازلية الابدية المنعوتة بصفات الجلال والاكرام الذى هو الاول والآخر والظاهر والباطن اى الاول بوجوده والآخر بصفاته وافعاله والظاهر بشهادته ومكوناته والباطن بغيبه ومعلوماته ثم التقديس عما لا يليق بكماله او يشين بجماله من النقائص والرذائل ثم القدرة الشاملة للممكنات ثم العلم المحيط بجميع المعلومات حتى بدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء وما هو اخفى منه كهواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر ثم الارادة بجميع الكائنات ثم السمع والبصر لا يحجب سمعه بعد ولا رؤيته ظلام فيسمع من غير اصمخة وآذان ويبصر من غير حدقة واجفان. ثم الكلام الازلى القائم بذاته لا بصوت ككلام الخلق وان القرآن مقروء ومكتوب ومحفوظ ومع ذلك من غير شكل ولا لون. ثم الافعال الموصوفة بالعدل المحضن فلا موجود الا وهو حادث بفعله وفائض من عدله اذا لا يضاف لغيره ملكيا ليكون تصرفه فيه ظلما فلا يتصور منه ظلم ولا يجب عليه فعل فكل نعمة من فضله وكل نقمه من عدله. ثم اليوم الآخر. والعاشر النبوة المشتملة على الرسال الملائكة وانزال الكتب *

واما العبادات العشرة فالصلاة والزكاة والصوم والحج وقراءة القرآن وذكر اللّه فى كل حال وطلب الحلال والقيام بحقوق المسلمين وحقوق الصحبة والتاسع الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والعاشر اتباع السنة وهو مفتاح السعادة وامارة محبة اللّه كما قال تعالى ( قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعونى يحببكم اللّه ) قال المولى الجامى قدس سره

يا نبى اللّه السلام عليك ... انما الفوز والفلاح لديك

كرنرفتم طريق سنت تو ... هستم از عاصيان امت توو

ما نده ام زير بار عصيان بست ... افتم ازابى اكرنكيرى دست

وجاء فى بيان مراتب العباد المتوجهين إلى اللّه ان الانسان اذا فعل برا ان قصد به امرا ما غير الحق كان من الاحرار لا من العبيد وان لم يقصد امرا بعينه بل يفعله لكونه خيرا فقط ولكونه مأمورا به لا مطلقا بل من حيث الحضور منه مع الآخر فهو الرجل فان ارتقى بحيث لا يقصد بعمله غير الحق كان تماما في الرجولية فان كان بحيث لا يفعل شيأ الا بالحق كما ورد فى قرب النوافل صار تاما فى المعرفة والرجولية وان انضم الى ما سبق حضوره مع الحق فى فعله بحيث يشهده بعين الحق لا بنفسه من حيث اضافة الشهود الى اللّه والفعل والاضافة اليه الا الى نفسه فهو العبد المخلص عمله فان ظهرت عليه غلبة احكام هذه المقام والذي قبله وهو مقام فبى يسمع غير متقيد بشئ منها ولا بمجموعها مع سريان حكم شهوده الاحدى فى كل مرتبة ونسبة دون الثبات على امر بعينه بل ثابتا فى سعته وقبوله كل وصف وحكم عن علم صحيح منه بما اتصف به وما انسلخ عنه فى كل وقت وحال دون غفلة وحجاب فهو الكامل فى العبودية والخلافة والاحاطة والاطلاق كذا فى تفسير الفاتحة للصدر القنوى قدس سره قال فى التأويلات النجمية فى قوله

{ اياك نعبد } رجع الى الخطاب من الغيبة لانه ليس بين الملوك ومالكه الاحجاب ملك نفس المملوك فاذا عبر من حجاب ملك النفس وصل الى مشاهدة مالك النفس كما قال ابو يزيد فى بعض مكاشفاته الهى كيف السبيل اليك قال له ربه دع نفسك وتعالى فللنفس اربع صفات امارة ولوامة وملهمة ومطمئنة فامر العبد المملوك بان يذكر مالكه باربع صفات بالصفة والالهية والربوبية والرحمانية والرحيمية فيعبر بعد مدح الالهية وشكر الربوبية وثناء الرحمانية وتمجيد الرحيمية بقوة جذبات هذه الصفات الاربع من حجاب ممالك الصفات الاربع للنفس فيتخلص من ظلمات ليلة رين نفسه بطلوع صبح صادق مالك يوم الدين فيبقى العبد عبدا مملوكا لا يقدر على شئ فيرحمه مالكه ويذكره بلسان كرمه على قضية وعده

{ فاذكرونى اذكركم } ويناديه ويخاطب نفسه

{ يا ايتها النفس المطمئنة } ثم يجذبه من غيبة نفسه الى شهود مالكية ربه بجذبة

{ ارجعى إلى ربك } فيشاهد جمال مالكه ويناديه نداء عبد خاضع خاشع ذليل عاجز كما قرأ بعضهم مالك يوم الدين نصبا على نداء اياك نعبد. واعلم ان النفس دنيوية تعبدو هواها الدنيوى لقوله تعالى

{ أفرأيت من اتخذ الهه هواه } والقلب اخروى يعبد الجنة لقوله تعالى

{ ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هى المأوى } والروح قربى يعبد القربة والعندية لقوله تعالى

{ فى مقعد صدق عند مليك مقتدر } والسر حضرتى يعبد الحق تبارك لقوله تعالى على لسان نبيه عليه السلام ( الاخلاص سر بينى وبين عبدى لا يسعه فيه مل كمقرب ولا نبى مرسل ) فلما انعم اللّه على عبده بنعمة الصلاة قسمها بينه وبين عبده كما قال تعالى على لسان نبيه عليه السلام ( قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل ) فتقرب العبد بنفصفه الى حضرة كماله بالحمد وةالثناء والشكر على صفات جماله وجلاله وتقرب الرب على مقتضى كرمه وانعامه كما قال ( من تقرب الى اللّه شبرا تقربت اليه ذراعا ) بنصفه الى خلاص عبده من رق عبودية الاغيار باخراجه من ظلمات بعضها فوق بعض من هوى الناس وسموات القلب وعرش الروح وكرسى السر بنور ربها فآمنوا كلهم اجمعون باللّه الذي خلقهم وهو مالكهم وملكهم وكفروا بطواغيتهم التى يعبدونها واستمسكوا بالعروة الوثقى وجعلوا كلهم واحدا وقالوا

{ ايك نعبد واياك نستعين } كرر اياك للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة ايضا والاستعانة طلب العون ويعدى بالباء وبنفسه اى نطلب العون على عبادتك اون على ما لا طاقة لنابه او على مالا طاقة لنا به او على محاربة الشيطان المانع من عبادتك او فى امورنا بما يصلحنا فى دنيانا وديننا والجامع للاقاويل نسألك ان تعيننا على اداء الحق واقامة الفروض وتحمل المكاره وطلب المصالح وتقديم العبادة على الاستعانة ليوافق رؤوس الآيى وليعلم منه ان تقديم الوسيلة على طلب الحاجة ادعى الى الاجابة واياك نعبد لما ورثه العجب اردف اياك نستعين ازالة له وافناء للنخوة. ففى الجمع بينهما افتخار وافتقار فالافتخار بك اذ فيه اثبات الفعل من العبد والتوفيق من اللّه كالخلق ففيه رد الجبرية النافين للفعل نما لعبد بقوله اياك نعبد ورد المعتزلة النافين للتوفيق والخلق من اللّه بقوله اياك نستعين ثم تحقيقهما من العبد ان لا يخدم غير اللّه ولا يسأل الامن اللّه - حكى - عن سفيان الثورى رحمه اللّه انه ام قوما فى صلاة المغرب فلما قال

{ اياك نعبد واياك نستعين } خر مغشيا عليه فلما افاق قيل له فى ذلك فقال خفت ان يقال فلم تذهب الى ابواب الاطباء والسلاطين.

وفى تخصيص الاستانة بالتقديم اقتداء بالخليل عليه السلام فى قدي النمرود حيث قال له جبريل عليه السلام هل لك من حاجة فقال اما اليك فلا فقال سله قال حسبى من سؤالى علمه بحالى بل زدت عليه فان الخليل قيد رجلاه ويداه لا غير فاما انا فقيدت الرجلين فلا اسير واليدين فلا احركهما وعينى فلا انظر بهما واذنى فلا اسمع بهما ولسانى فلا اتكلم به وانا مشرف على نار جهنم فكما لم يرض الخليل بغيرك معينا لا اريد الاعونك فاياك نستعين وكانه تعالى يقول فنحن ايضا نزيد حيث قلنا ثمة يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم

واما انت فقد نجيناك من النار واوصلناك الى الجنة زدنا سماع الكلام القديم وامرنا نار جهنم تقول لك جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى : قال المولى جلال الدين قدس سره

زآتش مؤمن ازين رو اى صفى ... ميشود دوزخ ضعيف ومنطفى

كويدش بكذر سبك اى محتشم ... ورنه زآتشهاى تو مرد آتشم

٦

{ اهدنا الصراط المستقيم } بيان المعونة المطلوبة كانه قيل كيف اعينك فقالوا اهدنا الصراط المستقيم وايضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية. قال فى التيسير

{ اياك نعبد } اظهار التوحيد

{ واياك نستعين } طلب العون عليه وقوله

{ اهدنا } لسؤال الثبات على دينه وهو تحقيق عبادته واستعانته وذلك لان الثبات على الهداية اهم الحاجات اذ هو الذى سأله الانبياء والاولياء كما قال يوسف عليه السلام توفنى مسلما وسحره فرعون توفنا مسلمين والصحابة وتوفنا مع الابرار وذلك لانه لا ينبغى ان يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير فى المآل كما لابليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا : قالوا المولى جلال الدين قدس سره

صد هزار ابليس وبلعم درجهان ... همجنين بودست بيدا ونهان

اين دورا مشهور كردانداله ... تاكه باشند اين دوبرباقى كواه

اين دور درزد آويخت بردا بلند ... ورنه اندر قهر بس درزدان بدند

وفى تفسر القاضى اذا قاله العارف الواصل الى اللّه عنى به ارشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات احوالنا وتميط غواشى ابداننا لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك. قال المولى الفنارى ومبناه ان السير فى اللّه غير مثناه كما قال قطب المحققين ولا نهاية للمعلومات والمقدورات فما دام معلوم او مقدور فالشوق للعبد لا يسكن ولا يزول واصل الهداية ان يعدى باللام الاولى فعومل معاملة اختار فى قوله تعالى

{ واختار موسى قومه } والصراط المستقيم استعارة عن ملة الاسلام والدين الحق تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد او المقصد او لمحل التوجه الروحانى بمحل التوجه الجسمانى وانما سمى الدين صراطا لان اللّه سبحانه وان كان متعاليا عن الامكنة لكن العبد الطالب لا بد له من قطع المسافات ومس الآفات وتحمل المجافاة ليكرم لوصول والموافاة.

ثم فى قوله

{ اهدنا الصراط المستقيم } مع انه مهتد وجوه الاول ان لا بد بعد معرفة اللّه تعالى والاهتداء بها من معرفة الخط المتوسط بين الافراط والتفريط فى الاعمال الشهوية والغضبية وانفاق المال والمطلوب ان يهديه الى الوسط والثانى انه وان عرف اللّه بدليل فهناك ادلة اخرى فمعنى اهدنا عرفنا ما فى كل شئ من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وافعالك. والثالث ان معنا بموجب قوله تعالى

{ وان هذا صراطي مستقيما } طلب الاعراض عما سوى اللّه وان كان نفسه والاقبال بالكلية عليه حتى لو امر بذلبح ولده كابراهيم عليه السلام او بان يتلمذ مع بلوغه اعلى درجات الغايات كموسى فعل وهذا مقام هائل الا ان فى قوله

{ صراط الذين انعمت عليهم } دون ان يقول صراط الذين ضربوا وقتلوا تيسيرا ما وترغيبا الى مقام الانبياء والاولياء من حيث انعامهم ثم الاستقامة الاعتدالية ثم الثبات عليها امر صعب ولذا قال النبى صلى اللّه عليه وسلم

( شيبتنى هود وا اخواتها ) حيث ورد فيها فاستقم كما امرت فان الانسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة مشتمل على صفات واخلاق طبيعية وروحانية ولكل منها طرفا افراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كل ذلك والبقاء عليه وبذلك وردت الاوامر ونطقت الآيات كقوله تعالى

{ ولا تجعل يدك مغلولة } الآية حرضة على الوسط بين البخل والاسراف وكقوله صلى اللّه عليه وسلم لمن سأله مستشيرا فى الترهيب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره اياه ( ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فصم وافطر وقم ونم ) وهكذا فى الاحوال كلها نحو قوله تعالى

{ ولا تجهر بصلوتك ولا تخافت بها } ولم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما.

{ وما زاغ البصر وما طغى } ولما رأى صلى اللّه عليه وسلم عمر رضى اللّه عنه يقرأ رافعا صوته سأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام ( اخفض من صوتك قليلا ) واتى اباك بكر رضى اللّه عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام ( ارفع من صوتك قليلا ) وهكذا الامر فى باقى الاخلاق فان الشجاعة صفة متوسطة بين الهور والجبن والبلابغة بين الايجاز المجحف والطناب المفرط وشريعتنا قد تكلفت بيان ميزان الاعتدال فى كل ترغيب وترهيب وحال وحكم وصفة وخلق حتى عينت للمذمومة مصارف اذا استعملت فيها كانت محمودة كالمنع للّه والبغض للّه.

والمستقيم على اقسام منها مستقيم بقوله وفعله وقلبه ومستقيم بقلبه وفعله دون قوله اى لم يعلم احدا ولهذين الفوز والاول اعلى ومستقيم بفعله وقوله دون قلبه وهذا يرجى له النفع بغيره ومنها مستقيم بقوله وقلبه دون فعله ومستقيم بقوله دون فعله وقلبه ومستقيم بقلبه دون قوله وفعله ومستقيم بفعله دون قوله وقلبه وهؤلاء الاربعة عليهم لا لهم وان كان بعضهم فوق بعض ولبس المراد بالاستقامة بالقول ترك الغيبة والنميمة وشبههما فان الفعل يشتمل ذلك.

انما المراد بها ارشاد لغير الى الصراط المستقيم وقد يكون عريا مما يرشد اليه مثال اجتماعها رجل تفقه فى امر صلاته وحققها ثم علمها غيره فهذا مستقيم فى قوله ثم حضر قوتها فاداها على ما علمها محافظا على اركانها الظاهرة فهذا مستقيم فى فعله ثم علم ان مراد اللّه منه من تلك الصلاة حضور قلبه معه فاحضره فهذا مسقتيم بقلبه وقس على ذلك بقية الاقسام.

وفى التأويلات النجمية ان اقسام الهداية ثلاثة.

الاولى هداية العامة الحيوانات الى جلب منافعها وسل بمضارها واليه اشار بقوله تعالى

{ اعطى كل شئ خلقه ثم هدى } وقوله

{ وهديناه النجدين } والثانية هداية الخاصة اى للمؤمنين الى الجنة واليه الاشارة بقوله تعالى

{ يهديهم ربهم بايمانهم } الآية.

والثالثة هداية الاخص وهى هداية الحقيقة الى اللّه باللّه واليله الاشارة بقوله تعالى

{ قل ان هذى اللّه هو الهدى } قووله

{ انى ذاهب الى ربى سيهدين } وقوله

{ اللّه يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب } وقوله

{ ووجدك ضالا فهدى } اى كنت ضالا فى تيه وجودك فطلبتك بجودى ووجدتك بفضلى ولطفى وهديتك بجذبات عنايتى ونور هدايتى الى وجعلتك نورا فاهدى بك الى من اشاء من عبادى فمن اتبعك وطلب رضاك فنخرجهم من ظلمات الوجود البشرى الى نور الوجود الروحانى ونهديهم الى صراط مستقيم كما قال تعالى

{ قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين يهدى به اللّه } والصراط المستقيم هو الدين القويم وهو ما يدل عليه القرآن العظيم وهو خلق سيد المرسلين صلى اللّه عليه وسلم فيما قال تعالى

{ وانك لعلى خلق عظيم } ثم هو اما الى الجنة وذلك لاصحاب اليمين كما قال تعالى

{ واللّه يدعوا الى دار السلام } الآية

واما الى اللّه تعالى وهذا اللسابقين المتقربين كما قال تعالى

{ الى صراط مستقيم صراط اللّه } وكل ما يكون لاصحاب اليمين يحصل للسابقين وهم سابقون على اصحاب اليمين بمالهم من شهود الجمال وكشف الجلا وهذا خاصة لسيد المرسلين ومتابيعه كما قال تعالى

{ قل هذه سبيلى ادعوا الى اللّه على بصيرة انا ومن اتبعنى } قال الشيخ سعدى قدس سره

اكر جز بحق مى رود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات

٧

{ صراط الذين انعمت عليهم } بدل من الاول بدل الكل والانعام ايصال النعمة وهى فى الاصل الحالة التى يستلذها الانسان فاطلقت على ما يستلذه من نعمة الدين الحق. قال ابو العباس ابن عطاء هؤلاء المنعم عليهم هم طبقات فالعارفون انعم اللّه عليهم بالمعرفة والاولياء انعم اللّه عليهم بالصدق والرضى واليقين والصفوة والابرار انعم اللّه عليهم بالحلم والرأفة والمريدون انعم اللّه عليهم بحلاوة الطاعة والمؤمنون انعم اللّه عليهم بالاستقامة.

وقيل هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى

{ فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } واضيف الصراط هنا الى العباد وفى قوله

{ وان هذا صراطى مستقيما } الى ذاته تعالى كما اضيف الدين والهدى تارة الى اللّه تعالى نحو

{ أفغير دين اللّه } { وان الهدى هدى اللّه } وتارة الى العباد نحو

{ اليوم اكملت لكم دينكم } { وبهداهم اقتده } وسره من وجوه.

الاول بيان ان ذلك كله له شرعا ولنا نفعا كما قال تعالى

{ شرع لكم من الدين } والثانى انه له ارتضاء واختيارا ولنا سلوكا وائتمارا. والثالث انه اضافه الى نفسه قطعا لعجب العبد والى العبد تسلية لقلبه. والرابع انه اضافه الى العبد تشريفا له وتقريبا والى نفسه قطعا لطمع ابليس عنه كما قيل لما نزل قوله تعالى

{ وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين } قال الشيطان ان لم اقدر على سلب عزة اللّه ورسوله اسلب عزة المؤمنين فقال اللّه تعالى

{ فللّه العزة جميعا } فقطع طمعه كذا فى التيسير.

وتكرار الصراط اشارة الى ان الصراط الحقيقى صراطان من العبد الى الرب ومن الرب الى العبد فالذى من العبد الى الرب طريق مخوف كم قطع فيه القوافل وانقطع به الرواحل ونادى منادى العزة لاهل العزة الطلب رد والسبيل سد وقاطع الطريق يقطع على هذا الفريق

{ لاقعدن لهم صراطك المستقيم } الآية والذى من الرب الى العبد طريق آمن وبالامان كائن قد سلم فيه القوافل وبالنعم محفوف المنازل يسير فيه سيراته ويقاد بالدلائل قادته

{ مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين } الآية اى انعم اللّه على اسرارهم بانوار العناية وعلى ارواحهم باسرار الهداية وعلى قلوبهم بآثار الولاية وعلى نفوسهم فى قمع الهوى وقهر الطبع وحفظ الشرع بالتوفيق والرعاية وفى مكايد الشيطان بالمراقبة والكلاية.

والنعم اما ظاهرة كارسال الرسل وانزال الكتب وتوفيق قبول دعوة الرسل واتباع السنة واجتناب البدعة وانقياد النفس للاوامر وانواهى والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية.

واما باطنة وهى ما انعم على ارواحهم فى بداية الفطرة باصابة رشاش نوره كما قال عليه السلام ( ان اللّه خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن اصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل ) فكان فتح باب صراط اللّه الى العبد من رشاش ذلك النور واول الغيث رش ثم ينسكب فالمؤمنون ينظرون بذلك النور المرشوش الى مشاهدة المغيث وينتظرون الغيث ويستعينون

{ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم } بجذبات الطافك وفتحت عليهم ابواب فضلك ليهتدوا بك اليك فأصابوا بما اصابهم بك منك كذا فى التأويلات النجمية.

قال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى الفكوك فى تأويل الحديث المذكور لا شك ان الوجود المحض يتعقل فى مقابلته العدم المضاد له فان للعدم تعينا فى التعقيل لا محالة وله الظلمة كما ان الوجود له النورانية ولهذا يوصف الممكن بالظلمة فانه يتنور بالوجود فيظهر فظلمته من احد وجهيه الذى يلى العدم وكل نقص يلحق الممكن ويوصف به انما ذلك من احكام النسبة العدمية واليه الاشارة بقوله النبى صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليه من نوره فظهر ) وخلق ههنا بمعنى التقدير فان التقدير سابق على الايجاد ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات فاعلم ذلك انتهى كلام الشيخ

{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين } بدل من الذين على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال.

وكلمة غير على ثلاثة اوجه الاول بمعنى المغايرة وفارسيته ( جز ) قال اللّه تعالى

{ لتفترى علينا غيره } والثانى بمعنى لا وفارسيته ( ن ) قال تعالى

{ فمن اضطر غير باغ ولا عاد } والثالث بمعنى الا وفارسيته ( مكر ) قال تعالى

{ فما وجدنا فيها غير بيت من المسليمن } وصرفها ههنا على هذه الوجوه محتمل غير ان معنى الاستثناء مخصوص بقراءة النصب.

والغضب ثوران النفس عند ارادة الانتقام يعنى انه حالة نفسانية عند غليان النفس ودم القلب لشهوة الانتقام وهنا نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الاخذ الاليم او الطبش الشديد او هتك الاستار والتعذيب بالنار لان القاعدة التفسيرية ان الافعال التى لها اوائل بدايات واواخر غايات اذا لم يمكن اسنادها الى اللّه باعتبار البدايات يراد بها حين الاسناد غاياتها كالغضب والحياء والتكبر والاستهزاء والغم والفرح والضحك والبشاشة وغيرها والضلال والعدو عن الطريق السوى عمدا او خطأ. والمراد بالمغضوب عليهم العصاة وبالضالين الجاهلون باللّه لان المنعم عليهم هم الجامعون بين العلم والعمل فكان المقابل لهم من اختل احدى قوتيه العاقلة والعاملة والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى فى القاتل عمدا

{ وغضب اللّه عليه ولعنه } والمخل بالعلم جاهل ضال كقوله تعالى

{ فماذا بعد الحق الا الضلال } والمغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى فى حقهم

{ من لعنه اللّه وغضب عليه } والضالون النصارى لقوله تعالى فى حقهم

{ قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا } وليس المراد تخصيص نسبة الغضب باليهود ونسبة الضلال بالنصارى لان الغضب قد نسب ايضا الى النصارى وكذا الضلال قد نسب الى اليهود فى القرآن بل المراد انهما اذا تقابلا فالتعبير بالغضب الذى هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود فى القرآن بل المراد انهما اذا تقابلا فالتعبير الذي هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود أليق لغاية تمردهم فى كفرهم من اعتدائهم وقتلهم الانبياء وقولهم

{ ان اللّه فقير ونحن اغيناء } وغير ذلك.

فان قلت من المعلوم ان المنعم عليهم غير الفريقين فما الفائدة فى ذكرهما بعدهم قلت فائدته وصف ايمانهم بكمال الخوف من حال الطائفتين بعد وصفه بكمال الرجاء في قوله

{ الذين انعمت عليهم } قال عليه السلام ( لو وزن خوف الؤمن ورجاؤه لاعتدالا )

واعلم ان حكم الغضب الالهى تكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه فليد الواحدة المضاف اليها عموم السعداء الرحمة والحنان وللاخرى القهر والغضب ولوازمهما فسر حكم الغضب هو التكميل المشار اليه فى الجمع بين حكم اليدين والوقاية ولصاحب الاكلة اذا ظهرت فى عضو واحد وقدر أن يكون الطبيب والده او صديقه او شقيقه فانه مع فرط محبته يبادر لقطع العضو المعتل لما لم يكن فيه قابلية الصلاح والسر الثالث التطهير كالذهب الممزوج بالرصاص والنحاس اذا قصد تمييزه لا بد وان يجعل فى النار الشديدة والضلال هو الحيرة فمنها ما هى مذومة ومناه ما هى محمدة ولها ثلاثة مراتب حيرة اهل البدايات وحيرة المتوسطين من اهل الكشف والحجاب وحيرة اكبار المحققين واول مزيل للحيرة الاولى تعين المطلب المرجح كرضى اللّه والتقرب اليه والشهود الذاتي ثم معرفة الطريق الموصل كملازمة شريعة الكمل ثم السبب المحصل كالمرشد ثم ما يمكن الاستعانة به فى تحصيل الغرض من الذكر والفكر وغيرهما ثم معرفة العوائق وكيفية ازالتها كالنفس والشيطان فاذا تعينت هذه الامور الخمسة حينئذ تزول هذه الحيرة وحيرة الاكابر محمودة لا تظن ان هذه الحيرة سببها قصور فى الادراك ونقص مانع من كمال الجلاء هنا والاستجلاء لما هناك بل هذه حيرة يظهر حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة والشهود ومعاينة سر كل وجود والاطلاع التام على احدية الوجود وفى تفسير النجم

{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين } هم الذين اخطأهم ذلك النور فضلوا فى تيه هوى النفس وتاهوا فى ظلمات الطبع والتقليد فغضب اللّه عليهم مثل اليهود ولعنهم بالطرد والتبعيد حتى لم يهتدوا الى الشرع القويم ووقعوا عن الصراط المستقيم اى عن المرتبة الانسانية التى خلق فيها الانسان فى احسن تقويم ومسخوا قردة وخنازير صورة أو معنى او لما وقعوا عن الصراط المستقيم فى سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية وضلوا عن صراط التوحيد فاخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى الها والدنيا الها وقالوا

{ ثالث ثلاثة } { نسوا اللّه فنسيهم } هذا بحسب اول الحال وفيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل وهوان يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور والمحنة بعد السرور والظلمة غب النور نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اى من الرجوع الى النقصان بعد الزيادة ولا الضالين بغلبة الفسق والفجور وانقلاب السرورة بالشرور ووجه ثالث يعبر فى السلوك الى ملك الملوك وهو غير المغضوب عليهم بالاحتباس فى المنازل والانقطاع عن القوافل ولا الضالين بالصدود عن المقصود

{ آمين } اسم فعل بمعنى استجب معناه يا اللّه استجب دعاءنا او افعل يا رب بنى على الفتح كأين وكيف لالتقاء الساكنين وليست من القرآن اتفاقا لانها لم تكتب فى الامام ولم ينقل احد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضى اللّه تعالى عنهم قرآن لكن يسن ان يقول القارئ بعد الفاتحة آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام ( علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة وقال انه كالختم على الكتاب ) وزاده على رضى اللّه عنه توضيحا فقال [ آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده ] فسره ان الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه والتصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة.

وقال وهب يخلق بكل حرف منه ملك يقول اللّهم اغفر لمن قال آمين وفى الحديث ( الداعى والمؤمن شريكان ) يعنى به قوله تعالى

{ قد اجيبت دعوتكما } قال عليه السلام ( اذا قال الامام ولا الضالين فقولوا آمين فان الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وسره ما مر فى كلام وهب اما الموافقة فقيل فى الزمان

وقيل فى الاخلاص والتوجه الاحدى واختلف فى هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة

وقيل غيرهم ويعضده ما روى انه عليه السلام قال ( فان من وافق قوله قول اهل السماء ) ويمكن ان يجمع بين القولين بان يقولها الحفظة واهل السماء ايضا.

قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة ان الفاتحة نسخة الكمال لمن اخرج للاستكمال من ظلمة العدم والاستهلاك فى نور القدم الى انوار الروحانية ثم بواسطة النفخ الى عالم الجسمانية ليكمل مرتبة الانسانية التى لجمعيتها مظنة الانانية فاحتاج الى طلب الهداية الى منهاج العناية التى منها جاء ليرجع من الوجود الى العدم بل من الحدوث الى القدم فيفقد الموجود فقدانا لا يجده ليجد المفقود وجدانا لا يفقده ولما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال ولعبدى ما سأل فاضافه الى نفسه بلام التمليك ثم ختم اكرم الا كرمين نسخة حالهم بخاتم آمين اشارة الى ان عباده المخلصين ليس لاحد من العالمين ان يتصرف فيهم بان يفك خاتم رب العالمين ولهذا ايس ابليس فقال

{ الا عبادك منهم المخلصين } وعدد آيات سورة الفاتحة سبع فى قول الجمهور على ان احداها ما آخرها انعمت عليهم لا التسمية او بالعكس وعدد كلماتها ، ففى لتيسير انها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون.

وفى عين المعانى كلماتها سبع وعشرون وحروفها مائة واثنان واربعون وسبب الاختلاف بعد عدم العتبار البسملة اعتبار الكلمات المنفصلة كتابة او المستقلة تلفظا واعتبار الحروف الملفوظة او المكتوبة او غيرهما. وسئل عطاء اى وقت انزلت فاتحة الكتاب قال انزلت بمكة يوم الجمعة كرامة اكرم اللّه بها محمد عليه السلام وكان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبريل على محمد عليهما السلام. روى ان عيرا قدمت من الشام لابى جهل بمال عظيم وهى سبع فرق ورسول اللّه واصحابه ينظرون اليها واكثر الصحابة بهم جوع وعرى فخطر ببال النبى صلى اللّه عليه وسلم شئ لحاجة اصحابه فنزل قوله تعالى

{ ولقد آتيناك سبعا من المثانى } اى مكان سبع قوافل لابى جهل لا ينظر الى ما اعطيناك مع جلالة هذه العطية فلم تنظر الى ما اعطيته من متاع الدنيا الدنية ولما علم اللّه ان تمنيه لم يكن لنفسه بل لاصحابه قال

{ ولا تحزن عليهم } وامره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال

{ واخفض جناحك للمؤمنين } فان تواضعك اطيب لقلوبهم من ظفرهم بمحبوبهم ومن فضائلها ايضا قوله عليه السلام ( لو كانت فى التوراة لما تهود قوم موسى ولو كانت فى الانجيل لما تنصر قوم عيسى ولو كانت فى الزبور لما مسخ قوم داود عليهم السلام وأيما مسلم قرأها اعطاه اللّه من الاجر كانما قرأ القرآن كله وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ) ومن فضائلها ايضا ان الحروف المعجمة فيها اثنان وعشرون واعوان النبى صلى اللّه عليه وسلم بعد الوحى اثنان وعشرون وان ليست فيها سبعة احرف ثاء الثبور وجيم الجحيم وخاء الخوف وزاى الزقوم وشين الشقاوة وظاء الظلمة وفاء الفراق فمعتقد هذه السورة وقارئها على التعظيم والحرمة آمن من هذه الاشياء السبعة.

وعن حذيفة رضى اللّه عنه انه عليه السلام قال ( ان القوم ليبعث اللّه عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبى من صبيانهم فى المكتب الحمد للّه رب العالمين فيسمعه ويرفع عنهم بسببه العذاب اربعين سنة ) وقد مر ما روى من ايداع علوم جميع الكتب فى القرآن ثم فى الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكل ومن قرأها فكأنما قرأ الكل. قال تفسير الكبير والسبب ان المقصود من جميع الكتب علم الاصول والفروع والمكاشفات وقد علم اشتمالها عليها.

قال الفنارى وذلك لما علم ان اولها الى قوله تعالى

{ مالك يوم الدين } اشارة الى العقائد المبدئية المتعلقة بالهيات ذاتا وصفة وفعلا لان حصر الحمد يقتضى حصر الكمالات الذاتية والوصفية والفعلية ثم بالنبوات والولايات لانهما اجلاء النعم او اخصاؤها ثم الى العقائد المعادية لكونه مالكا للامر كله يوم المعاد واوسطها من قوله

{ اياك نعبد واياك نستعين } الى اقسام الاحكام الرابطة بين الحق والعبد من العبادات وذلك ظاهر من المعاملات والمزاجر لان الاستعانة الشرعية اما لجلب المنافع او لدفع المضار وآخرها الى طلب المؤمن وجوه الهداية المرتبة على الايمان المشار اليه فى القسم الاول والاسلام المشار اليه فى القسم الثانى وهى وجوه الاحسان اعنى المراتب الثلاث من الالخلاق الروحانية المحمودة ثم المراقبات المعهودة فى قوله عليه السلام

( ان تعبد اللّه كأنك تراه ) ثم الكمالات المشهودة عند الاستغراق فى مطالع الجلال الرافع لكاف التشبيه الذى فى ذلك الخبر والدافع لغضب تنزيه الجبر وضلال نسبة القدر وهذه هى المسماة بعلوم المكاشفات واللّه اعلم باسرار كلية المبطنات.

﴿ ٠