٢٦٧

الحمد للّه الذى امر المؤمنين بالانفاق ليزكى به نفوسهم عن سفساف الاخلاق وهدى العارفين الى بذلك المال والروح ليفتح لهم ابواب الفتوح والصلاة على المتخلق باخلاق مولاه سيدنا محمد الذى جاء بالشفاعة لمن يهواه وعلى آله واصحابه ممن اثر اللّه على ما سواه ووثق فى اجر الانفاق بربه الذى اعطاه وبعد فان العبد العليل سمى الذبيح اسماعيل الناصح البروسى ثم الاسكوبى اوصله اللّه الى غاية المقام الحى يقول لما ابتليت بالنصح والعظه أهتممت فى باب الموعظه فكنت التقط من التفاسير وانظم فى سلك التحرير ما به ينحل عقد الآيات القرآنيه والبينات الفرقانيه من غير تعرض لوجوه المعانى مما يحتمله المبانى قصدا الى التكلم بقدر عقول الناس وتصديا للاختصا الحامل على الاستئناس واضم الى كل آية ما يناسبها من الترغيب والترهيب وبعض من التأويل الذى لا يخفى على كل لبيب حتى انتهيت من سورة البقرة الى ما ها هنا من آيات الانفاق بعون اللّه الملك الخلاق فجعلت اول هذه الآية معنونا ليكون هذا النظم مع ما يضم اليه مدونا مقطوعا عما قبله من الآيات مجموعا بلطائف العظات ومن اللّه استمد ان يمهلنى الى ان آخذ بهذا المنوال القرآن العظيم واقضى هذا الوطر الجسيم واتضرع ان يجعله منتفعا به وذخر اليوم والمعاد ونعم المسؤل والمراد

{ يا ايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم } اى من حلال ما كسبتم او جياده لقوله تعالى

{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وفسر صاحب الكشاف الطيبات بالجياد حيث قال من طيبات ما كسبتم من جياد مكسوباتكم

ذكر بعض الافاضل انه انما فسر الطيب بالجيد دون الحلال لان الحل استفيد من الامر فان الانفاق من الحرام لا يؤمر به ولان قوله تعالى بعده

{ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } والخبيث هو الرديئ المستخبث يدل على ان المعنى انفقوا مما يستطاب من اكسابكم

{ ومما } اى ومن طيبات ما

{ اخرجنا لكم من الارض } من الحبوب والثمار والمعادن

{ ولا تيمموا } اى لا تقصدوا

{ الخبيث } اى الرديئ الخسيس. والخبيث نقيض الطيب ولهما جميعا ثلاث معان الطيب الحلال والخبيث الحرام والطيب الطاهر والخبيث النجس والطيب ما يستطيبه الطبع والخبيث ما يستخبثه

{ منه تنفقون } الجار متعلق بتنفقون والضمير للخبيث والتقديم للتخصيص والجملة حال من فاعل تيمموا اى لا تقصدوا الخبيث قاصرين الانفاق عليه والتخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من انفاق الخبيث خاصة لا تسويغ انفاقه مع الطيب عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انهم كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه

{ ولستم بآخذيه } حال من واو تنفقون اى تنفقون والحال انكم لا تأخذون الخبيث فى معاملاتكم فى وقت من الاوقات او بوجه من الوجوه

{ الا ان تغمضوا فيه } اى الا وقت اغماضكم فيه او الا باغماضكم يعنى لو كان لكم على رجل حق فجاء برديئ ماله بدل حقكم الطيب لا تأخذونه الا فى حال الاغماض والتساهل مخافة فوت حقكم او لاحتياجكم اليه من قولك اغمض فلان عن بعض حقه اذا غض بصره ويقال للبائع اغمض اى لا تستقص كأنك لا تبصر

{ واعلموا ان اللّه غنى } عن انفاقكم وانما يأمركم به لمنفعتكم.

وفى الامر بان يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من اعطاء الخبيث وايذان بان ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى فان اعطاء مثله انما يكون عادة عند اعتقاد المعطى ان الآخذ محتاج الى ما يعطيه بل مضطر اليه

{ حميد } مستحق للحمد على نعمه العظام

واعلم ان المتصدق كالزارع والزارع اذا كان له اعتقاد بحصول الثمرة يبالغ فى الزراعة وجودة البذر لتحققه ان جودة البذر مؤثرة فى جودة الثمرة وكثرتها فكذلك المتصدق اذا ازداد ايمانه باللّه والبعث والثواب والعقاب يزيد فى الصدقة وجودتها لتحققه ان اللّه لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما والعبد كما اعطى اللّه احب ما عنده فان اللّه يجازيه باحب ما عنده كما قال تعالى

{ هل جزاء الاحسان الا الاحسان } ودلت الآية على جواز الكسب وان احسن وجوه التعيش هو التجارة والزراعة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان اطيب ما اكله الرجل من كسبه وان ولده من كسبه ) وكذلك اطيب الصدقات ما كانت من عمل اليد

بقنطار زر بخش كردن زكنج ... نباشد جو قيراط از دست رنج

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ا يكسب عبد مالا حراما فيتصدق منه فيقبل منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره الا كان زاده الى النار ان اللّه تعالى لا يمحوا السيىء بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن ان الخبيث لا يمحو الخبيث ) ووجوه الانفقا والصدقة كثيرة قال صلى اللّه عليه وسلم ( ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمة الا كانت له صدقة ) روى ان النبى صلى اللّه عليه وسلم حث اصحابه على الصدقة فجعل الناس يتصدقون وكان ابو امامة الباهلى جالسا بين يدى النبى عليه السلام وهو يحرك شفتيه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( انك تحرك شفتيك فماذا تقول ) قال انى ارى الناس يتصدقون وليس معى شىء اتصدق به فأقول فى نفسى سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله الا اللّه واللّه اكبر فقال صلى اللّه عليه وسلم ( هؤلاء الكلمات خير لك من مد ذهبا تتصدق به على المساكين )

فعلى العاقل ان يواظب على الاذكار فى الليل والنهار ويتصدق على الفقراء والمساكين بخلوص النية واليقين فى كل حين

كرامت جوانمردى ونان دهيست ... مقالات بيهوده طبل تهيست

وجلس الاسكندر يوما مجلسا عاما فلم يسأل فيه حاجة فقال واللّه ما اعد هذا اليوم من ملكى قيل ولم ايها الملك قال لانه لا توجد لذة الملك الا باسعاف الراغبين واغاثة الملهوفين ومكافأة المحسنين

قال السرى السقطى قدس سره فى وصف الصوفية اكلهم اكل المرضى ونومهم نوم العرضى ومن تخليهم عن الاملاك ومفارقتهم اياها سموا فقراء فالصوفى ما لم يبذل ماله وروحه فى طلب اللّه فهو صاحب دنيا والدنيا مانعة عن الوصول فعليك بالايثار وكمال الافتقار

﴿ ٢٦٧