|
١١٩ { وما لكم ان لا تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه } وأى سبب حاصل لكم فى ان لا تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه قال الامام ان المشركين كانوا يبيحون اكل ما ذبح على اسم اللّه تعالى ولا ينازعون فيه وانما النزاع فى انهم ايضا كانوا يبيحون اكل الميتة والمسلمون كانوا يحرمونها واذا كان كذلك كان ورود الامر باباحة ما ذكر اسم اللّه عليه عبثا لانه يقتضى اثبات الحكم فى المتفق عليه وترك الحكم فى المختلف فيه فاجاب بان معنى كلوا اجعلوا اكلكم مقصورا على ما ذكر اسم اللّه عليه ومعنى ان لا تأكلوا ان لا تجعلوا اكلكم مقصورا عليه فيفيد تحريم اكل الميتة فقط { وقد فصل لكم } اى والحال انه تعالى قد بين لكم { ما حرم عليكم } مما لم يحرمه بقوله تعالى فى هذه السورة { قل لا اجد فيما اوحى الىّ محرما } ية فبقى ما عدا ذلك على الحل لا بقوله تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم } الآية لانها مدنية وهذه السورة مكية فان قلت قوله تعالى { قل لا اجد } الآية مذكور بعده هذه الآية وصيغة فصل تقتضى التقدم قلت ان التأخر فى التلاوة لا يوجب التأخر فى النزول ويجوز ان يحمل على التفصيل بالوحى الغير المتلو كما ذهب اليه سعدى جلبى المفتى وجعله اولى عنده { الا ما اضطررتم اليه } مما حرم عليكم فانه ايضا حلال حال الضرورة فالاستثناء متصل والمستثنى منه ما حرم وما مصدرية بمعنى المدة اى وقد فصل لم الاشياء التى حرمت عليكم فى جميع الاوقات الا وقت الاضطرار اليها وان جعلت موصولة تعين ان يكون الاستثناء منقطعة لان ما اضطر اليه حلال فلا يدخل تحت ما حرم عليهم { وان كثيرا } من الكفار { ليضلون } الناس { باهوائهم } بما تهواه انفسهم من تحليل الميتة وغيرها { بغير علم } مقتبس من الشريعة الشريفة مستند الى الوحى { ان ربك هو اعلم بالمعتدين } المتجاوزين الحق الى البالط والحلال الى الحرام اعلم ان اهل الهوى على انواع فالمعتزلة والشيعة ونحوهما من اهل القبلة اهل هوى لانهم يخالفون اهل السنة والجماعة بتأويل الكتاب والسنة على حسب هواهم فيضلون الناس بهواهم كما يضل الكفار واهل الشرك. واما اخذ الاشارة من الآيات والاحاديث على وجه يطابق الشرع الشريف فذلك ليس بهو بل هو عرفان محض : قال فى المثنوى توزقر آن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نبيند جزكه طين ظاهر قرآن جو شخص آدميست ... كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست فالتقليد لاصحاب الاشارات ليس كالتقليد لاصحاب الضلالات لانهم بنوا امرهم على العيان واليقين لا على الظن والتخمين وكذا اهل الدنيا اهل هوى بالنسبة الى اهل العقبى فان الكون كله خيال وتابع الخيال لا يعد من العقلاء والرجال وعن بهلول رحمه اللّه قال بينما انا ذات يوم فى بعض شوارع البصرة اذا الصبيان يلعبون بالجوز واللوز واذا انا بصبى ينظر اليهم ويبكى فقلت هذا صبى يتسحر على ما فى ايدى الصبيان ولا شئ معه فيلعب به فقلت له اى بنى ما يبكيك اشترلك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان فرفع بصره الىّ وقال يا قليل العقل ما للعب خلقنا فقلت اى بنى فلما ذا خلقنا فقال للعلم والعبادة فقلت من اين لك ذلك بارك اللّه فيك قال من قول اللّه عز وجل { أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون } المولى فاهل المولى تجردوا عن تعلق الكونين وتجاوزوا عن اعتبار الوصل والبين وما نظروا الى شئ غيره : قال صاحب المحمدية سالكان دركهت را هردو عالم يك نفس ... والهان حضرتت را ازحور جنت ملال وقد حرم اللّه الدنيا على اهل الآخرة والآخرة على اهل الدنيا وحرم كلا منهما على اهل اللّه تعالى لكن من تناول من الدنيا قدر ما يسد به جوعته ويستر به عورته فانه ليس من اهل الدنيا لان ذلك من الضرورات البشرية وفيه اذن اللّه تعالى لمحافظة الدائرة البدنية التى هى الاس والاشارة فى قوله تعالى { فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه ان كنتم بآياته مؤمنين } يعنى ان من امارات الايمان ان تأكلوا الطعام بحكم الشرع لا على وفق الطبع وتذيبوه بذكر اللّه كما قال عليه السلام ( اذيبوا طعامكم بذكر اللّه ) فان الاكل على الغفلة والنسيان والاستعانة به على العصيان يورث موت الجنان والحرمان من الجنان وفى هذا الحديث اشارة الى مشروعية الجهر اذ ذوبان الطعام فى صورة الجهر اظهر ويدل عليه ما ورد ايضا من الركعتين بعد الطعام او من تلاوة عشر آيات من القرآن اذ الحركة البدنية تفضى الى استمراء الطعام وانهضامه الذى به تحصل قوة البدن وبقوة البدن يقوى المرء على العبادة وفى العبادة بعد الطعام شكر للنعمة والشكر اما بالقلب او باللسان او بالاعضاء والجوارح |
﴿ ١١٩ ﴾