١١

{ اذ يغشيكم النعاس } قال جماعة من المفسرين لما امر اللّه النبى عليه السلام بالمسير الى الكفار سار بمن معه حتى اذا كان قريبا من بدر لقى رجلين فى الطريق فسألها هل مرت بكما العير قالا نعم مرت بنا ليلا وكان بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشرة من المسلمين فاخذوا الرجلين وكان احدهما عبدا للعباس بن عبد المطلب يقال له ابو رافع والآخر عبدا لعقبة بن ابى معيط يقال له اسلم كانا يسقيان الماء فدفع اسلم الى اصحابه يسألونه واخذ وهو يسأل ابا رافع عمن خرج من اهل مكة فقال ما بقى بها احد الا وقد خرج فقال عليه السلام تأتى مكة اليوم بافلاذ كبدها ثم قال هل رجع منهم احد قال نعم ابىّ بن سريق فى ثلاثمائة من بنى زهرة وكان خرج لمكان العير فلما اقبلت العير رجع فسماه النبى عليه السلام الا خنس حين خنس بقومه ثم اقبل على اصحابه وهم يسألون اسلم وكان يقول لهم خرج فلان وفلان وابو بكر يضر به بالعصا ويقول له كذبت أتجبن الناس فقال عليه السلام ( ان صدقكم ضربتموه وان كذبكم تركتموه ) فعلموا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد عرف امرهم فساروا حتى نزلوا فى كثيب اعفر اى فى تل من الرمل الاحمر تسوخ فيه الاقدام اى تدخل وتغيب على غير ماء بالجانب الاقرب من المدينة من الوادى ونزل المشركون بجانبه الا بعد من المدينة الاقرب الى مكة والوادى بينهما ثم باتوا ليلتهم تلك وناموا ثم استيقظوا وقد اجنب اكثرهم وغلب المشركون على ماء بدر وليس معهم ماء فتمثل لهم الشيطان فوسوس اليهم وقال انتم يا اصحاب محمد تزعمون انكم على الحق وانكم اولياء اللّه وفيكم رسوله وانكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عطشتم ولو كنتم على الحق ما سبقكم المشركون الى الماء وغلبوكم عليه وما ينتظرون الا ان يضعفكم العطش فاذا قطع اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا فاشفقوا فانزل اللّه عليهم المطر ليلا حنى سال الوادى وامتلأ من الماء فاغتسل المسلمون وتوضأوا وشربوا وسقوا دوابهم وبنوا على عدوته اى جانبه حياضا واشتد الرمل وتلبدت بذلك ارضهم واوحل ارض عدوهم حتى تثبت علينا الاقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس وقويت القلوب وتهيأوا للقتال من الغد فذلك قوله تعالى

{ اذ يغشيكم النعاس } اى اذكروا ايها المؤمنون وقت جعل النعاس وهو اول النوم قبل ان يثقل عاشيا لكم ومحيطا وملقى عليكم

{ امنة منه } منصوب على العلية بفعل مترتب على الفعل المذكور اى يغشيكم النعاس فتنعسون امنا كائنا من اللّه تعالى لا كلالا واعياء فيتحد الفاعلان لان ان من فعل النعاس

قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان النعاس فى المعركة عند مواجهة العدو والا من منه يدل الخوف انما هو من تقليب الحال الى ضده بامر التكوين كما قال تعالى للنار

{ يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } فكانت كذلك قال للخوف كن امنا على محمد واصحابه فكان انتهى

وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه النعاس عند القتال امن من اللّه تعالى وهو فى الصلاة من الشيطان

قال الحسن ان للشيطان ملعقة ومكحلة فملعقته الكذب ومكحلته النوم عند الذكر

{ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } اى بذلك الماء يعنى المطر من الحدث والجنابة

{ ويذهب عنكم رجز الشيطان } اى وسوسته وتخويفه اياكم من العطش ويقال اراد بالرجز الجنابة التى اصابتهم بالاحتلام فان الاحتلام انما يكون من رجز الشيطان اى تخييله ووسوسته ولذلك

قال بعضهم من كتب اسم عمر على صدره لم يحتلم فان الشيطان كان يفر منه ويسلك فجا غير الفج الذى اقبل هو منه

{ وليربط على قلوبكم } الربط الشد والتقوية وعلى صلة. والمعنى ليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف اللّه تعالى وكرمه وجيء بكلمة على للايذان بان قلوبهم امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها

{ ويثبت به } اى بذلك الماء

{ الاقدام } حتى لا تسوخ فى الرمل ويجوز ان يكون الضمير للربط فان الاقدام انما تثبت فى الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة فيه

دلا در عاشقى ثابت قدم باش ... كه در اينره نباشد كار بى اجر

وبمثل الصدق والصبر وارتباط القلب وثبات الاقدام سادت الصحابة الكرام من عداهم الى يوم القيام ولا فضل لاحد على احد الا بالديانة والتقوى

قال الزهرى قدمت على عبد الملك بن مروان قال من اين قدمت يا زهرى قلت من مكة قال فمن خلفت فيها يسود اهلها قال قلت عطاء بن رباح قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال بم سادهم قلت بالديانة والرواية قال ان اهل الديانة والرواية ينبغى ان يسودوا الناس قال فمن يسود اهل اليمن قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال فيم سادهم قلت بما ساد به عطاء قال من كان كذلك ينبغى ان يسود الناس قال فمن يسود اهل مصر قلت يزيد بن ابى حبيب قتل فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كما فى الاولين ثم قال فمن يسود اهل الشام قلت مكحول الدمشقى فقال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى عبد نوبى اعتقته امرأة من هذيل فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كم قال ثم قال فمن يسود اهل حرمنا قلت الضحاك بن مزاحم فقال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كما قال فمن يسود اهل البصرة قلت الحسن بن ابى الحسن قال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قلت ابراهيم النخعى قال من العرب ام من الموالى قلت من العرب قال ويلك يا زهرى فرجت هنى واللّه ليسودن الموالى على الاكابر حتى يخطب لها على المنابر وان العرب تحتها قال قلت يا امير المؤمنين انما هو امر اللّه ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط

وفى الآية بيان نعمة الماء وان الخوف من العطش وكذا من الجوع من الشيطان ووسوسته فان المرء اذا كان قوى التوكل يستوى عنده الفقد والوجود واللّه تعالى من اسمه الخالق والرازق قالوا وللاسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة الى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل من فريسة غيره واذا شبع من فريسة تركها ولم يعد اليها واذا امتلأ بالطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب فينبغى للمؤمن ان لا يكون أدون من الاسد فى هذ الصفات

على المرء ان يسعى لتحسين حاله ... وليس عليه ان يساعده الدهر

واللّه تعالى قد سن الاعانة باعانته للمؤمنين فالمؤمن الكامل يساعد المؤمن حسب الطاقة -وحكى- ان فيروز بن بزدجرد بن بهرام من آل ساسان لما ملك عدل وانصف ولما مضى سبع سنين من ملكه ولم ينزل من السماء مطر ارسل الى كل بلد بان يقسم طعام كل بلد بين الاغنياء والفقراء واذا مات فقير من الجوع قتل من الاغنياء رجلا بدلا منه : قال الحافظ

توانكرا دل درويش خود بدست آور ... كه مخزن زر وكنج درم نخواهد ماند

اللّهم احفظنا من البخل والكسل الى حلول الاجل

﴿ ١١