٨٤

{ ولا تصل } يا محمد

{ على احد منهم } اى من المنافقين وهو صفة لاحد

{ مات } صفى اخرى ويجوز ان يكون منهم حالا من الضمير فى مات كذا فى تفسير ابى البقاء

{ ابدا } ظرف للنهى اى لا تدع ولا تستغفر لهم ابدا وهو الاظهر.

وقيل منصوب بمات على ان يكون المعنى لا تصل على احد منهم ميت مات ابدا بان مات على الكفر فان من مات على الكفر ميت ابدا وان احياءه للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحى وكان حذيفة رضى اللّه عنه صاحب سر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له ( يوما انى مسرا اليك سرا فلا تذكرنه انى نهيت ان اصلى على فلان وفلان ) وعد جماعة من المنافقين ولما توفى رسول اللّه كان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه خلافته اذا مات الرجل ممن يظن انه من اولك اخذ بيد حذيفة فناداه الى الصلاة عليه فان مشى معه حذيفة صلى عليه عمر وان انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه

{ ولا تقم على قبره } اى ولا تقف عند قبره للدفن او للزيارة والدعاء وكان النبى عليه السلام اذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له

{ انهم كفروا باللّه ورسوله } تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره ودعا له

{ انهم كفروا باللّه ورسوله } تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره انما يكون لاستصرحه وذلك مستحيل فى حقهم لانهم استمروا على الكفر باللّه وبرسوله مدة حياتهم قال الحافظ قدس سره

بآب زمزم وكوثر سفيدنتوان كرد ... كليم بخت كسى راكه بافنند سياه

وقال السعدى قدس سره

توان باك كردن ززنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه

{ وماتوا وهم فاسقون } اى متمردون فى الكفر خارجون عن حدوده -روى- عن ابن عباس ان رئيس المنافقين عبد اللّه بن ابى سلول دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه السلام فى مرضه فلما دخل عليه سأله ان يستغفر له ويصلى عليه اذا مات ويقوم على قبره ثم انه ارسل اليه عليه السلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه فارسل اليه القميص الفوقانى فرده فطلب الذى يلى جاده فقال عمر رضى اللّه عنه تعطى قميصك لرجس القميص الفوقانى فرده فطلب الذى يلى جلده فقال عمر رضى اللّه عنه تعطى قميصك لرجس النجس فقال عليه السلام ( ان قميصى لا يغنى عنه من اللّه شيأ من اللّه تعالى ان يدخل به الف فى الاسلام ) وذلك ان المنافقين كانوا لا يفارقون ابن ابى فلما رأوه يطلب منه عليه السلام قميصه يتبرك به ويرجو ان ينفعه القميص فى دفع عذاب اللّه وجلب رحمته وفضله اسلم الف من الخروج وانما قال عليه السلام ان قميصى لا يغنى لعدم الاساس الذى هو الايمان ومثله انما يؤثر عند صلاح المحل ويدل عليه قوله عليه السلام

( ادفنوا امواتكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء ) وما يروى الارض المقدسة لا تقدس احدا انما يقدس المرء عمله وقد ثبت ان عبد اللّه بن انيس رضى اللّه عنه لما قتل سفيان بن خالد الهذلى ووضع بين يديه عليه السلام دفع اليه عصا كانت بيده وقال تحضر بهذه الجنة اى توكأ عليها فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة اوصى اهله ان يجعلوها فاعطى نصف شعر رأسه لابى طلحة وفرق النصف الآخر بين الاصحاب شعره وشعرتين فكانوا يتبركون بها وينصرون ما داموا حاملين لها ولذا قال فى الاسرار المحمدية لو وضع شعر رسول اللّه او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات وان لم يشعروا به ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول وبطانة استار الكعبة والتكفن بها وكتابة القرآن على القراطيس والوضع فى ايدى الموتى انتهى

اقول ان قلت قد ثبت ان فى خزانة السلاطين خصوصا فى خزانة آل عثمان شيأ مما يتبرك به من خرقة النبى عليه السلام وغيرها ورأيناهم قد لا ينصرون ومعهم شئ من لوائه عليه السلام وبصبب بلدتهم آفات كثيرة قلت لذلك لهتكم الحرمة ألا ترى ان مكة والمدينة كان لا يدخلهما طاعون فلما هتك السكان حرمتهما دخلهما واللع الغفور فلما مات ابن ابى انطلق ابنه وكان مؤمنا صالحا الى النبى عليه السلام ودعاه الى جنازة ابيه فقال عليه السلام ( ما اسمك ) قال الحباب بن عبد اللّه فقال عليه السلام ( أنت عبد اللّه بن عبد اللّه ان الحباب هو الشيطان ) اى اسمه كما فى القاموس ثم قال ( صل عليه وادفنه ) فقال ان لم تصل عليه يا رسول اللّه لا يصلى عليه مسلم أنشدك اللّه ان لا تشمت بى الاعداء فاجابه عليه السلام تسلية له ومراعاة لجانبه فقام ليصلى عليه فجاء عمر رضى اللّه عنه فقام بين رسول اللّه وبين القبلة لئلا يصلى عليه وقال أتصلى على عدو اللّه القائل كذا يوم كذا وكذا وكذا وعد ايامه الخبيثة فنزلت الآية واخذ جبرائيل عليه السلام بثوبه وقال لا تصلى على احد منهم مات ابدا فاعرض عن الصلاة عليه وهذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضى اللّه عنه فان الوحى كان ينزل على وفق قوله فى آيات كثيرة منها هذه الآية وهو منصب عال ودرجة رفيعة له فى الدين فلذا قال عليه السلام فى حقه ( لو لم ابعث لبعثت نبيا يا عمر ) وقال ( انه كان فيما مضى قبلكم من الامم محدثون فانه ان كان فى امتى هذه فانه عمر بن الخطاب )

رضى اللّه عنه. والمحدث بفتح الدلال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة وهى الاصابة فى النظر ويكون كما قال وكأنه حدثه الملأ الاعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء ولم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التردد فى ذلك لانه امته افضل الامم واذا وحد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد به التأكيد لفضل عمر كما قيل فى فضيلة رضى اللّه عنه

له فضائل لا تخفى على احد ... الا على احد لا يعرف القمرا

كذا فى شرح المشارق لابن ملك

فان قيل كيف يجوز ان يقال انه عليه السلام رغب فى ان يصلى عليه بعد ان علم انه كافر مات على الكفر وان صلاته عليه دعاء له بالمغفرة وقد منعه اللّه من ان يستغفر للمشركين واعلمه انه لا يغفر للكفار وايضا الصلاة عليه ودفعه قميصه اليه توجب اعزازه وهو مأمور باهانة الكفار

فالجواب ان الخبيث لما طلب منه ان يرسل اليه قميصه الذى يمس جلده الشريف ليدفن فيه غلب على ظنه انه قد تاب عن نفاقه وآمن لان ذلك الوقت وقت توبة الفاجر وايمان الكافر فلما رأى منه اظهار الاسلام وشاهد منه هذه الامارة الدالة على اسلامه غلب على ظنه انه صار مسلما فرغب فى ان يصلى عليه فلما أتى جبريل واخبره بانه مات على كفره ونفاقه امتنع من الصلاة عليه.

وقيل نزلت الاية بعدما صلى ولبث يسيرا فما صلى بعد ذلك على منافق ولاقام على قبره

واما دفع القميص اليه فذكروا فيه وجوها

منها ان العباس عم النبى عليه السلام لما اخذ اسيرا يوم بدر ولم يجدوا له قميصا يساوى قده وكان رجلا طويلا كساه عبد اللّه قميصه فهو عليه السلام انما دفع اليه قميصه مكافأة لاحسانه ذلك لا اعزاز له

ومنها انه تعالى امره ان لا يرد سائلا من حيث قال

واما السائل فلا تنهر ... فالضنة بالقميص وعدمارساله سيما وقد سئل فيه مخل بالكرم

ومنها انه لعله اوحى اليك انك ان دفعت اليه قميصكصار ذلك حاملا لدخول الف نفر من المنافقين فى الاسلام ففعل ذلك بنا عليه واللّه اعلم بحقيقة الحال وما علينا الالقبول وطى المقال وهو الهادى الى طريق التحقيق

﴿ ٨٤