|
١٠٥ { وقل } لهم بعد ما بان لهم شأن التوبة { اعملوا } ما شئتم من الاعمال فظاهره ترخيص وتخيير وباطنه ترغيب وترهيب { فسيرى اللّه عملكم } فانه لا يخفى عليه خيرا كان او شرا تعليل لما قبله وتأكيد للترغيب والترهيب والسين للتأكيد { ورسوله والمؤمنون } فى الخبر ( لو ان رجلا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله الى الناس كائنا ما كان ) والمعنى انه تعالى لا يخفى عليه عملهم كما رأيتم وتبين لكم ثم ان كان المراد بالرؤية معناها الحقيقى فالامر ظاهر وان اريد بها مآلها من الجزاء خيرا او شرا فهو خاص بالدنيوى من اظهار المدح والثناء والذكر الجميل والاعزاز ونحو ذلك من الاجزية واضدادها { وستردون } اى بعد الموت { الى عالم الغيب والشهادة } قدم الغيب على الشهادة لسعة عالمه وزيادة خطره وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الغيب ما يسترونه من الاعمال والشهادة ما يظهرونه كقوله تعالى { يعلم ما يسرون وما يعلنون } فالتقديم حينئذ لتحقيق ان نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على ابلغ وجه وآكده لا ايهام ان علمه تعالى بما يسرون اقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن ان يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شئ وتحققه فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الامور البارزة والكامنة قال فى التأويلات النجمية { وستردون } باقدام اعمالكم الى اللّه الذى هو عالم بما غاب عنكم وغبتم عنه فاما ما غاب فهو نتائج اعمالكم من الخير والشر وجزاؤها فانهل لم تغب عنكم زدتم فى الخير وما علمتم شرا واما ما غبتم عنه فهو التقدير الازلى والحكمة فيما جرى به القلم من اعمال الخير والشر وعالم بما تشاهده العيون والقلوب فى الملك والملكوت { فينبئكم } عقيب الرد الذى هو عبارة عن الامر الممتد الى يوم القيامة { بما كنتم تعلمون } قبل ذلك فى الدنيا والمراد بالتنبئة الاظهار لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤس الاشهاد ويعلمهم اى شئ شنيع كانوا يعلمونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء انتهى فعلى العاقل ان يسعى فى طريق الاعمال الصالحة ويجتنب عن ارتكاب الافعال الفاضحة كيلا يفتضح عند اللّه وعند الرسول وكافة المؤمنين قال فى التأويلات النجمية ان لعمل المحسن وخلوصه نورا يصعد الى السموات بقدر قوة صدقه واخلاصه فاللّه تعالى يراه بنور الوهيته وروح الرسول عليه السلام يراه بنور نبوته وارواح المؤمنين يرونه بنور ايمانهم فاستعلاء ذلك بصفائه وضوئه يكون على قدر علو همة المحسن وخلوص نيته وصفاء طويته. وان العمل المسيئ ظلمة تصعد الى السموات بقدر قوة غفلته وخباثة نفسه فاللّه تعالى يراها وروح رسوله وارواح المؤمنين وفى الحديث ( تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر للّه تعالى وتشيعة ملائكة السموات السبع حتى يقطعون به الحجب كلها الى اللّه تعالى فيقفون بين بدى الرب جل جلاله ويشهدون بالعمل الصالح المخلص للّه فيقول اللّه لهم انتم الحفظة على عمل عبدى وانا الرقيب ما فى نفسه انه لم يردنى بهذا العمل ولا اخلصه لى وانا اعلم بما اراد بعلمه غر الآدميين وغركم ولم يغرنى وانا علام الغيوب المطلع على ما فى القلوب لا تخفى على خافية ولا تعزب عنى عازبة علمى بما كان كعلمى بما لم يكن وعلمى بما مضى وعلمى بما بقى وعلمى بالاولين كعلمى بالآخرين واعلم السر واخفى فكيف يغرنى عبدى بعلمه وانما يغر المخلوقين الذين لا يعلمون وانا علام الغيوب عليه لغتى وتقول الملائكة السبعة او الثلاثة الآلاف المشيعون يا ربنا عليه لعنتك ولعنتنا فيقول اهل السماء عليه لعنة اللّه ولعنة اللاعنين ) قال السعدى وكر سيم اندوده باشد نحاس ... توان خرج كردن برناشناش منه آب زر جان من بر بشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز اعلم ان الاقلام كتبت على الالواح احوال العالم كلها من السرائر والظواهر ثم سلمت الالواح للخونة وجعل لكل شئ خزائن ووكلت عليها حوافظ وكوالئ كما قال تعالى { وان من شئ الا عندنا خزائنه } فتستنسخ السفرة من الخزنة والحفظة من السفرة فللاعمال كلها مخازن تقسم منها وتنتهى اليها وغاية خزائن الاعمال الصالحة سدرة المنتهى فعلن من هذا ان الحفظة مطلعون على اعمال العباد قلبية كانت او قالبية وليسوا بمطلعين على المقبول منها وغير المقبول الا بعد العرض والرفع فكل عمل مضبوط مجزى به فان اخفاه العبد عن الخلق لا يقدر على اخفائه عن اللّه تعالى وعن الملائكة : قال السعدى قدس سره دربسته زورى خود بمردم ... تا عيب نكسترند مارا دربسته جه سود عالم الغيب ... داناى نهان وآشكارا |
﴿ ١٠٥ ﴾