١١

{ ان الذين جاؤا بالافك } ى مابلغ مما يكون من الكذب والافتراء : وبالفارسية [ بدرستى آنانكه آورده اند دروغ بررك درشان عائشة ] واصله الافك وهو القلب اى الصرف لانه مأفوك عن وجهه وسننه والمراد به ما افك على عائشة رضى اللّه عنها وذلك ان عائشة كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الامانة والعفة والشرف فمن رماها بالسوء قلب الامر من وجهه روى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان اذا اراد سفرا اقرع بين نسائه فأيهن خرجت قرعتها استصحبها والقرعة بالضم طينة او عجينة مدورة مثلا يدرج فيها رقعة يكتب فيها السفر والحضر ثم تسلم الى صبى يعطى كل امرأة واحدة منهن كذا فى القهستانى فى القسم فلما كان غزوة بنى المصطلق فى السنة الخامسة من الهجرة وهى غزوة المريسيع كما فى انسان العيون خرج سهمها وبنو المصطلق بطن من خزاعة وهم بنوا خزيمة والمصطلق من الصلق وهو رفع الصوت والمريسيع اسم ماء من مياه خزاعة مأخوذ من قولهم رسعت عين الرجل اذا دمعت من فساد ذلك الماء فى ناحية قديد ، قال فى القاموس المريسيع بئر او ماء واليه تضاف غزوة بنى المصطلق انتهى فخرجت عائشة معه عليه السلام وكان بعد نزول آية الحجاب وهو قوله تعالى

{ يايها الذين آمنوا لا تخلوا بيوت النبى } الآية لانه كان ذلك سنة ثلاث من الهجرة قالت فحملت فى هودج فسرنا فلما دنونا من المدينة قافلين اى راجعين نزلنا منزلا ثم نزلت من الرحل فقمت ومشيت لقضاء الحاجة حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى اقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع ظفار كقطام وهى بلد باليمن قرب صنعاء اليه نسبة الجزع وهو بالفتح وسكون الزاى المعجمة الخرز اليمانى فيه سواد وبياض يشبه به الاعين كما فى القاموس كان يساوى اثنى عشر درهما قد انقطع فرجعت فالتمسته فحبسنى ابتغاؤه واقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى بتخفيف الحاء اى يجعلون هودجها على الرحل وهو ابو مويهبة مولى رسول اللّه وكان رجلا صالحا مع جماعة معه فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيرى وهم يحسبون انى فيه بخفتى وكان النساء اذ ذاك خفافا لقلة اكلهن اى لان السمن وكثرة اللحم غالبا تنشأ عن كثرة الا كل كما فى انسان العيون فلم يستنكرواخفة الهودج حين رفعوه وذهبوا بالبعير فوجدت عقدى فدجئت منازلهم وليس فيها احد واقمت بمنزلى الذى كنت فيه وظننتا نهم سيفقدوننى فيرجعون فى طلبى فبينا انا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى خلف الجيش ، قال القرطبى وكان صاحب ساقة رسول اللّه لشجاعته كان من خيار الصحابة انتهى كان يسوق الجيش ويلتقط ما يسقط من المتاع كما فى الانسان فاصبح عند منزلى فرأى سوادا اى شخص اناسن نائم فاتانى فعرفنى فاستيقطت باسترجاعه اى بقوله انا لله وانا اليه راجعون اى لان تخلف ام المؤمنين عن الرفقة فى مضيقة مصيبة اى مصيبة فخمرت وجهى فى جلبابى وهو ثوب اقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطى به المرأة رأسها واللّه ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه اى لانه استعمل الصمت ادبا وهوى حتى اناخ راحلته فقمت اليها فركبتها وانطاق يقود بى الراحلة حتى اتينا الجيش فى بحر الظهيرة اى وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاها من الارتفاع وهم نازلون ، وبهذه الواقعة استدل بعض الفقهاء على انه يجوز الخلوة بالمرأة الاجنبيه اذا وجدها منقطعة ببرية او نحوها بل يجب استصحابها اذا خاف عليها لو تركها ، وفى معنى الآثار للطحاوى قال ابو حنيفة وكان الناس لعائشة محرما فمع ابهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى ، يقول الفقير لعل مراد الامام رحمه اللّه تعالى ان ازواج النبى عليه السلام وان كان كلهن محارم للامة لانه تعالى قال

{ وازواجه امهاتهم } وحرم عليهم نكاحهن كما قال

{ ولاتنكحوا ازواجه من بعده ابدا } الا ان عائشة كانت افضل نسائه بعد خديجة واقربهن منه من حيث خلاقتها عنه فى باب الدين ولذا قال ( خذوا ثلثى دينكم من عائشة ) فتأكدت الحرمة من هذه الجهة اذ لابد لاخذ الدين من الاستصحاب للسفر والحضر واللّه اعلم قالت فلما نزلنا هلك فى من هلك بقول البهتان والافتراء وكان اول من اشاعه فى المعسكر عبد اللّه بن ابى ابن سلول رئيس المنافقين فانه كان ينزل مع جماعة المنافقين متبعدين من الناس فمرت عليهم فقال من هذه قالوا عائشة وصفوان فقال فجربها ورب الكعبة فافشوه وخاض اهل المعسكر فيه فجعل يرويه بعضهم عن بعض ويحدث به بعضهم بعضا قالت فقدمنا المديننة فاشتكيت اى مرضت حين قدمت شهرا ووصل الخبر الى رسول اللّه والى ابوىّ ولا اشعر بشىء من ذلك غير انه يريبنى ان لا اعرف من رسول اللّه العطف الذى كنت ارى منه حين اشتكيت فلما رأيت ذلك قلت يا رسول اللّه لو اذنت لى فانقلب الى ابوىّ يمرضانى والتمريض القيام على المريض فى مرضه قال لا بأس فانقلبت الى بيت أبوىّ وكنت فهي الى ان برئت من مرضى بعد بضع وعشرين ليلة فخرجت فى بعض الليالى ومعى ام مسطح كمنبر وهى بنت خالة ابى بكر رضى اللّه عنه قبل المناصع وهى مواضع يتخلى فيها لبول او حاجة ولا يخرج اليها الا ليلا وكان عادة اهل المدينة حنيئذ انهم كانوا لايتخذون الكنيف فى بيوتهم كلاعاجم بل يذهبون الى محل متسع قالت فلما فرغنا من شأننا واقبلنا الى البيت عثرت ام مسطح فى مرطها وهو كساء من صوف او خزكان يؤتزر به فقالت تعس مسطح بفتح العين وكسرها اى هلك تعنى ولدها والمسطح فى الاصل عمود الخيمة واسمه عوف فقلت لها أتسبين رجلا قد كشهد بدرا فقالت أو لم تسمعنى ما قال قلت وما قال فاخبرتنى بقول اهل الافك فازددت مرضا على مرض اى عاودنى المرض وازددت عليه وبكيت تلك الليلة حتى اصبحت لا ير قألى دمع ولا اكتحل بنوم ثم اصبحت ابكى

جشمم ذكريه بر سر آبست روز شب ... جانم زناله درتب وتابست روز شب

فاستشار رسول اللّه فى حقى فاشار بعضهم بالفرقة وبعضهم بالصبر وقد لبث شهرا لا يوحى اليه فى شأنى بشىء فقال واقبل حتى دخل علىّ وعندى ابواى ثم جلس فتشهد ثم قال ( اما بعد ياعائشة فانه قد بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فيبرئك اللّه وان كنت الممت بذنب فاستغفرى اللّه وتوبى فان العبد اذا اعترف بذنب ثم تاب اللّه تاب الى اللّه عليه ) فلما قضى رسول اللّه كلامه قلص دمعى اى ارتفع حتى ما احس منه بقطرة قلت لابى اجب عنى رسول اللّه فيما قال قال واللّه لادرى ما اقول لرسول اللّه فقلت لامى اجيبى عنى رسول اللّه قالت واللّه مادرى ما اقول لرسول اللّه فقلت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر فى نفوسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم انى بريئة لا تصدقونى ولئن اعترفت لكم بامر واللّه يعلم انى بريئة منه لتصدقونى واللّه وماجد لى ولكم مثلا الا ما قال ابو يوسف يعقوب { فصبر جميل واللّه المستعان على ماتصفون }

صبرى كنيم تاكرم او جه ميكند ... قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشى وانا واللّه حنيئذ اعلم انى بريئة واللّه مبرئى ببراءة ولكنى واللّه ما كنت اظن ان ينزل فى شأنى وحى يتلى ولشأنى كان احقر فى نفسى من ان يتكلم فى بامر يتلى ولكنى كنت ارجو ان يرى النبى عليه السلام رؤيا يبرئنى اللّه بها قالت فواللّه ما قام رسول اللّه عن مجلسه ولا خرج من البيت حتى اخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحى اى من شدة الكرب فسجى اى غطى بثوب ووضعت له وسادة من ادم تحت رأسه وكان ينحدر مه مثل الجمان من العرق فى اليوم الثانى من ثقل القول الذى انزل عليه والجمان حبوب مدحرجة تجعل من الفضة امثال اللؤلؤ فلما سرى عه وهو يضحك ويمسح العرف من وجهه الكريم كان اول كلمة تكلم بها ( ابشرى عائشة اما ان اللّه قد برأك ) فقالت امى قومى اليه فقلت واللّه لا احمد اللّه فانزل اللّه تعالى

{ ان الذين جاؤا بالافك } الآيات ، قال السهيلى كان نزول براءة عائشة بعد قدومهم المدينة من الغزوة المذكورة لسبع وثلاثين ليلة فى قول المفسرين فمن نسبها الى الزنى كغلاة ا لرافضة كان كافرا لان فى ذلك تكذيبا للنصوص القرآنية ومكذبها كافر ، وفى حياة الحيوان عن عائشة رضى اللّه عنها لما تكلم اناس بالافك رأيت فى منامى فتى فقال لى مالك قلت حزينة مما ذكر النار فقال ادعى بكلمات يفرج اللّه عنك قلت وما هى قال قولى ياسابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغم ويا كاشف الظلم ويا اعدل من حكم ويا حسيب من ظلم وياول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية اجعلى لى من امرى فرجا مخرجا قالت فانتبهت وقلت ذلك وقد انزل اللّه فرجى ،

قال بعضهم برأ اللّه اربعة يوسف بشاهد من اهل زليخا وموسى من قول اليهود فيه ان له ادرة بالحجر الذى فر بثوبه ومريم بانطاق ولدها وعائشة بهذه الآيات وبعد نزولها خرج عليه السلام الى الناس وخطبهم وتلاها عليهم وامر بجلد اصحاب الافك ثمانين جلدة ، وعن عائشة ان عبد اللّه بن ابىّ جلد مائة وستين اي حدين قال عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما وهكذا يفعل لكل من قذف زوجة نبىّ ى يجوز ان يفعل به ذلك ، وفى الخصائص الصغرى من قذف ازواجه عليه السلام فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس رضى اللّه عنهما وغيره ويقتل كما نقله القاضى وغيره ويل يختص القتل بمن قذف عائشة ويحدّ فى غيرها حدّين كذا فى انسان العيون ، وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم تبغ امرأة بنى قط

واما قوله تعالى فى امرأة نوح وامرأة لوط

{ فخانتاهما } فالمراد آذاتاهما قالت امرأة نوح فى حقه انه لمجنون وامرأة لوط دلت على اضيافه وانما جاز ان تكون امرأة النبى كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز ان تكون زانية لان النبى مبعوث الى الكفار ليدعوهم الى الدين والى قبول ما قاله من الاحكام والثواب والعقاب وهذا المقصود لا يحصل اذا ان فى الانبياء ما ينفر لكفرة عنهم والكفر ليس مما ينفر عندهم بخلاف الفجور فانه من اعظم المنفرات ، وعن كتاب الاشارات للفخر الرازى رحمه اللّه انه عليه السلام فى تلك الايام التى تكلم فيها بالافك كان اكثر اوقاته فى البيت فدخل عليه عمر فاستشاره فى تلك الواقعة فقال يارسول اللّه انا اقطع بكذب المنافقين واخذت براءة عائشة من ان الذباب لا يقرب بدنك فاذا كان اللّه صان بدنك ان يخالطه الذباب لمخالطته القاذورات فكيف بأهلك ودخل عليه عثمان فاستشاره فقال يارسول اللّه اخذت براءة عائشة من ظلك لانى رأيت اللّه صان ظلك ان يقع على الارض اى لان ظل شخصه الشريف كان لا يظهر فى شمس ولا قمر لئلا يوطأ بالاقدام فاذا صان اللّه ظلك فكيف باهلك ودخل علىّ فاستشاره فقال يا رسول اللّه اخذت براءة عائشة من شىء هو انا صلينا خلفك وانت تصلى بنعليك ثم انك خلعت احدى نعليك فقلنا ليكن ذلك سنة لنا فقلت

( لا ان جبريل قال ان فى تلك النعل نجاسة ) فاذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف باهلك فسر عليه السلام بذلك فصدقهم اللّه فيما قالوا وفضح اصحاب الافك بقوله

{ ان الذين جاؤا بالافك } { عصبة منكم } خبران والعصبة والعصابة جماعة من العشرة الى الاربعين والمراد هنا عبد اللّه بن ابىّ وزيد بن رفاعة ومسطح بن اثاثة وحمنة بن جحش ومن ساعدهم واختلفوا فى حسان بن ثابت والذى يدل على براءته ما نسب اليه فى ابيات مدح بها عائشة رضى اللّه عنها منها

مهذبة قد طيب اللّه خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل

فان كنت قد قلت الذى قد زعمتمو ... فلا رفعت سوطى الى ّ اناملى

وكيف وودّى ما حييت ونرصرتى ... لآل رسول اللّه زين المحافل

كما فى انسان العيون ، قال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام قد قيل ان حسان لم يكن فيهم اى فى الذين جاؤا بالافك فمن قال انه كان فيهم انشد البيت المروى حين جلدوا الحدّ

لقد ذاق حسان الذى كان اهله ... وحمنة اذ قالا لهجر ومسطح

ومن برأه الافك قال انما الرواية فى البيت

لقد ذاق عبداللّه ما كان اهله ... انتهى : ومعنى الآية ان الذين اتوا بالكتاب فى امر عائشة جماعة كائنة منكم فى كونهم موصوفين بالايمان وعبد اللّه ايضا كان من جملة من حكم له بالايمان ظاهرا ون كان رئيس المنافقين خفية

{ لاتحسبوه شرا لكم } الخطاب لرسول اللّه وابى بكر وعائشة وصفوان ولمن ساءه ذلك من المؤمنين تسلية لهم من اول الامر والضمير للافك

{ بل هو خير لكم } لاكتسابكم الثواب العظيم لانه بلاء مبين ومحنة ظاهرة وظهور كرامتكم على اللّه بانزال ثمانى عشرة آية فى نزاهة ساحتكم وتعظيم شأنكم وتشديد الوعيد فيمن تكلم فيكم والثناء على من ظنّ بكم خيرا

{ لكل امرىء منهم } اى من اولئك العصبة والامرؤ الانسان والرجل كالمرء والالف للوصل

{ ما اكتسب من الاثم } بقدر ماخاض فيه لان بعضهم تكلم بالافك وبعضهم ضحك وبعضهم سكت ولم ينههم.

قال فى التأويلات على حسب سعايتهم وفساد ظنهم وهتك حرمة حرم نبيهم انتهى والاثم الذنب

{ والذى تولى كبره } اى تحمل معظم الافك ، قال فى المفردات فيه تنبيه على ان كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه اكبر

{ منهم } من العصبة وهو ابن ابى فانه بدأ به واذاعه بين الناس عداوة لرسول اللّه كما سبق

{ له عذاب عظيم } اى لعبد اللّه نوع من العذاب العظيم المه لان معظم الشر كان منه فلما كان مبتدئا بذلك القول لا جرم حصل له من العقاب مثل ما حصل لكل من قال ذلك لقوله عليه السلام ( من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة ).

وفى التأويلات النجمية

{ له عذاب عظيم } يؤاخذ بجرمه وهو خسارة الدنيا والآخرة ثم ارود الحديث المذكور

هركه بنهد سنتى بداى فتى ... تا در افتد بعد او خلق ازعمى

جمع كردد بروى آه جمله بزه ... كوسرى بودست وايشان دم غزه

﴿ ١١