١٠

{ ولقد آتينا داود منا فضلا } اعطى اللّه تعالى داود اسما ليس فيه حروف الاتصال فدل على انه قطعه عن العالم بالكلية وشرفه بالطافه الخفية والجلية فان بين الاسم والمسمى مناسبة لا يفهمها الا اهل الحقيقة وقد صح ان الالقاب والاسماء تنزل من صوب السماء والفضل الزيادة والتنوين للنوع اى نوعا من الفضل على سائر الانبياء مطلقا سواء كانوا انبياء بنى اسرائيل او غيرهم كما دل عليه قوله تعالى

{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } والفاضل من وجه لا ينافى كونه مفضولا من وجه آخر وهذا الفضل هو ما ذكر بعد من تأويب الجبال وتسخير الطير والانة الحديد فانه معجزة خاصة به وهذا لا يقتضى انحصار فضله فيها فانه تعالى اعطاه الزبور كما قال فى مقام الامتنان والتفضل { وآتينا داود زبورا }

قال فى التأويلات النجمية والفرق بين داود وبين نبيا صلّى اللّه عليه وسلّم

{ وكان فضل اللّه عليك عظيما } والفضل الموصوف بالعظمة يدل على كمال الفضل وكذا قوله فضل اللّه لما اضاف الفضل الى اللّه اشتمل على جميع الفضل كما لو قال احد دار فلان اشتملت على جميع الدور انتهى بنوع من التغيير . ويجوز ان يكون التنكير للتفخيم ومنا لتأكيد فخامته الذاتية لفخامتنه الاضافية على ان يكون المفضل عليه غير الانبياء فالمعنى اذا ولقد آتينا داود بلا واسطة فضلا عظيما على سائر الناس كالنبوة والعلم والقوة والملك والصوت الحسن وغير ذلك

{ يا جبال اوبى معه } بدل من آتينا باضمار قلنا او من فضلا باضمار قولنا

والتأويب على معنيين . احدهما الترجيع وهو بالفارسية [ نعمة كردانيدن ] لانه من الاوب وهو الرجوع . والثانى السير بالنهار كله فالمعنى على الاول رجعى معه التسبيح وسبحى مرة بعد مرة

قال فى كشف الاسرار اوبى سبحى معه اذا سبح وهو بلسان الحبشة انتهى : وبالفارسية [ باز كردانيدن آواز خودرا باداود دروقت تسبيح او يعنى موافقت كنيد باوى ] وذلك بان يخلق اللّه تعالى فيها صوتا مثل صوته كما خلق الكلام فى شجرة موسى عليه السلام فكان كلما سبح سمع من الجبال ما يسمع من المسبح ويعقل معنى معجزة له قالوا فمن ذلك الوقت يسمع الصدى من الجبال وهو ما يرده الجبل على المصوت فيه

فان قلت قد صح عند اهل الحقيقة ان للاشياء جميعا تسبيحا بلسان فصيح ولفظ صريح يسمعه الكمل من اهل الشهود فما معنى الفضل فيه لداود

قلت الفضل موافقة الجبال له بطريق خرق العادة كما دل عليه كلمة مع

فان قلت قد ثبت ايضا عندهم ان اذكار العوالم متنوعة فمتى سمع السالك من الاشياء الذكر الذى هو مشغول به فكشفه خيالى غير صحيح يعنى انه خيال اقيم له فى الموجودات وليس له حقيقة وانما الكشف الصحيح الحقيقى هو ان يسمع من كل شئ ذكرا غير ذكر الآخر

قلت لا يلزم من موافقة الجبال لداود ان لا يكون لها تسبيح آخر فى نفسها مسموع لداود كما هى فيه والمعنى على الثانى سيرى معه حيث سار : يعنى [ سر كنيد با او هرجا كه رود وهركاه كه رود وهركاه كه خواهد واين معجزة داود بودكه با او روان شدى ] ولعل تخصيص الجبال بالتسبيح او السير لانها على صور الرجال كما دل عليه ثباتها

{ والطير } بالنصب عطفا على فضلا يعنى وسخرنا له الطير لان ايتاءها عليه السلام لتسخيرها له فلا حاجة الى اضماره ولا الى تقدير المضاف اى تسبيح الطير كما فى الارشاد : وبالفارسية [ ومسخر كرديم ويرا مرغان تادر وقت ذكرا با او موافق بودندى ] نزل الجبال والطير منزلة العقلاء حيث نوديت نداءهم اذ ما من حيوان وجماد الا وهو منقاد لمشيئته ومطيع لامره فانظر اذ من طبع الصخور الجمود ومن طبع الطيور النفور ومع هذا قد وافقته عليه السلام فاشد منها القاسية قلوبهم الذين لا يواقون ذكرا ولا يطاوعون تسبيحا وينفرون من مجالس اهل الحق نفور الوحوش بل يهجمون عليها باقدام الانكار كأنهم الاعداء من الجيوش

قال المولى الجامى فى شرح الفصوص وانما كان تسبيح الجبال والطير لتسبيحه لانه لما قوى توجهه عليه السلام بروحه الى معنى التسبيح والتحميد سرى ذلك الى اعضائه وقواه فانها مظاهر روحه ومنها الى الجبال والطير فانها صور اعضائه وقواه فى الخارج فلا جرم يسبحن لتسبيحه وتعود فائدة تسبيحها اليه يعنى لما كان تسبيحها ينشأ من تسبيحه لا جرم يكون ثوابه عائدا اليه لا اليها لعدم استحقاقها لذلك انتهى

والحاصل ان الذكر من اللسان يعبر الى ان يصل الى الروح ثم ينعكس النور من الروح الى جبال النفس وطير القلب ثم بالمداومة ينعكس من الروح الانسانى الى عالم الاوراح الى ان يستوعب جميع العالم ملكه وملكوته واليهما الاشارة بالجبال والطير فيذكر العالم بما فيه موافقة للذاكر ثم يعبر الذكر عن المخلوقات ويصعد الى رب العالمين كما قال

{ اليه يصعد الكلم الطيب } فيذكره اللّه تعالى فيكون ذاكرا ومذكورا متصفا بصفة الرب وبخلقه ويكون الفضل فى حقه كونه مذكورا للحق

ثم ان اللّه تعالى ما بعث نبيا الاحسن الوجه حسن الصوت وكان لداود عليه السلام حسن صوت جدا زائد على غيره كما انه كان ليوسف عليه السلام حسن زائد على حسن غيره [ هركاه كه داود بزبور خواندن مشغول شدى سباع ووحوش ازمنازل خود بيرون آمده استماع آواز دلنوازش كردندى وطيور ازنغمات جانفزايش مضطرب كشته خود از منزل برزمين افكندندى

زضوت دلكشش جان تازه كشتى ... روانرا ذوق بى اندازه كشستى

سيهر جنك يشت ارغنون ساز ... ازان بر حالت نشنوده آواز

وكفتند جون داود تسبيح كفتى كوهها بصدا ويرا مدد دادندى ومرغان برز برسروى كشيده بالحان دلاويز امداد نمودندى وهركس كه آواز وى شنيدى از لذت آن نغمه بيخود كشتى وازان وجد وسماع بودى كه دريك مجلس جهار صد جنازه بركر فتندى ]

جو كردد مطرب من نغمه برداز ... زشوقش مرغ روح آيد بيرواز

قال القرطبى حسن الصوت هبة اللّه تعالى وقد استحسن كثير من فقهاء الامصار القراءة بتزيين الصوت وبالترجيع ما لم يكن لحنا مفسدا مغيرا للمبنى مخرجا للنظم عن صحة المعنى لان ذلك سبب للرقة واثارة الخشية كما فى فتح القريب [ شبى داود عليه السلام باخود كفت ( لاعبدّن اللّه تعالى عبادة لم يعبده احد بمثلها ) اين بكفت وبركوه شد تاعبادت كند وتسبيح كويد درميانة شب وحشتى بوى در آمد ورب العالمين آن ساعت كوهرا فرمود تا انس دل داودرا باوى تسبيح وتهليل مساعدت كند جندان آواز تسبيح وتهليل از كوه بديد آمد كه آواز داود در جنب آن ناجيز كشت باخود كفت ] كيف يسمع صوتى مع هذه الاصوات فنزل ملك واخذ بعضد داود واوصله الى البحر فوضع قدمه عليه فانقلق حتى وصل الى الارض تحته فوضع قدمه على الصخرة فظهرت دودة وكانت تنشر فقال له الملك يا داود ان ربك يسمع نشير هذه الدودة فى هذا الموضع من وراء السبع الطباق فكيف لا يسمع صوتك من بين اصوات الصخور والجبال فتنبه داود لذلك ورجع الى مقامه

همه آوازها در ييش حق باز ... اكر ييدار اكر بوشيده آواز

كسى كوبشنود آواز ازحق ... شود در نفس خود خاموش مطلق

اللهم اسمعنا كلامك

{ وألنا له الحديد } اللين ضد الخشونة يستعمل فى الاجسام ثم يستعار للمعانى والانة الحديد بالفارسية [ نرم كردانيدن آهن ] اى جعلناه لينا فى نفسه كالشمع والعجين والمبلول يصرفه فى يده كيف يشاء من غير احماء بنار ولا ضرب بمطرقة او جعلناه بالنسبة الى قوته التى آتيناها اياه لينا كالشمع بالنسبة الى سائر قوة البشرية وكان داود اوتى شدة قوة فى الجسد وان لم يكن جسيما وهو احد الوجهين لقوله ذا الايد فى سورة ص

﴿ ١٠