٢

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبى } شروع فى النهى عن لتجاوز فى كيفية القول عند النبى عليه السلام بعد النهى عن التجاوز فى نفس القول والفعل والصوت هو الهوآء المنضغط عن قرع جسمين فان الهوآء الخارج من داخل الانسان ان خرج بدفع الطبع يسمى نفسا بفتح الفاء وان خرج بالارادة وعرض له تموج بتصادم جسمين يسمى صوتا والصوت الاختيارى الذى يكون للانسان ضربان ضرب باليد كصوت العود وما يجرى مجراه وضرب بالفم فالذى بالفم ضربان نطق وغيره فغيره النطق كصوت الناى والنطق اما مفرد من الكلام

واما مركب كاحد الانواع من الكلام والمعنى لا تبلغوا باصواتكم ورآء حد يبلغه عليه السلام بصوته والباء للتعدية وقال فى المفردات تخصيص الصوت بالنهى لكونه اعم من النطق والكلام ويجوز انه خصه لان المكروه رفع الصوت لا رفع الكلام وعن عبد اللّه بن الزبير رضى اللّه عنه أن الاقرع بن حابس من بنى تميم قدم على النبى عليه السلام فقال ابو بكر رضى اللّه عنه يا رسول اللّه استعمله على قومه اى بتقديمه عليهم بالرياسة فقال عمر رضى اللّه عنه لا تستعمله يا رسول اللّه بل القعقاع بن معبد فتكلما عند النبى عليه السلام حتى ارتفعت اصواتهما فقال ابو بكر لعمر ما اردت الا خلافى فقال ما اردت خلافك فنزلت هذه الآية فكان عمر بعد ذلك اذا تكلم عند النبى لم يسمع كلامه حتى يستفهمه وقال ابو بكر آليت على نفسى ان لا اكلم النبى ابدا الا كأخى السرار يعنى سو كند ياد كردم كه بعد ازين هركز يا رسول خدا سخن بلند نكويم مكر جنانكه يا همرازى بنهان سخن كويند

{ ولا تجهروا له بالقول } اذا كلمتموه وتكلم هو ايضا والجهر يقال لظهور الشئ بافراط لحاسة البصر نحو رأيته جهارا او حاسة السمع نحو سوآء منكم من اسر القول ومن جهر به

{ كجهر بعضكم لبعض } اى جهرا كائنا كالجهر الجارى فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم اخفض من صوته وتعهدوا فى مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة جله لة النبوة فنهوا عن جهر مخصوص مقيد وهو الجهر المماثل لجهر اعتادوه فيما بينهم لا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم الا ان يتكلموا بالهمس والمخافتة فالنهى الثانى ايضا مقيد بما اذا نطق ونطقوا والفرق ال مدلول النهى الاول حرمة رفع الصوت فوق صوته عليه السلام ومدلول الثانى حرمة ان يكون كلامهم معه عليه السلام فى صفة الجهر كالكلام الجارى بينهم ووجوب كون اصواتهم اخفض من صوته عليه السلام بعد كونها ليست بأرفع من صوته وهذا المعنى لا يستفاد من النهى الاول فلا تكرار والمفهوم من الكشاف فى الفرق بينهما ان معنى النهى الاول انه عليه السلام اذا نطق ونطقتم فعليكم ان لا تبلغوا بأصواتكم فوق الحد الذى يبلغ اليه صوته عليه السلام وان تغضوا من اصواتكم بحيث يكون صوته عاليا على اصواتكم ومعنى الثانى انكم اذ كلمتموه وهو عليه السلام ساكت فلا تبلغوا بالجهر فى القول الجهر الدآئر بينكم بل لينوا القول لينا يقارب الهمس الذى يضاد الجهر

{ ان تحبط اعمالكم } تا باطل نشود عملهاى شما بسبب اين جرأت.

وهو علة اما للنهى على طريق التنازع فان كل واحد من قوله لا ترفعوا ولا تجهروا بطلبه من حيث المعنى فيكون علة للثانى عند البصريين وللاول عند الوفيين كأنه قيل انتهوا عما نهيتم عنه لخشية حبوط اعمالكم او كراهته كما فى قوله تعالى

{ يبين اللّه لكم ان تضلوا } فحذف المضاف ولام التعليل

واما علة للفعل المنهى كأنه قيل انتهوا عن الفعل الذى تفعلونه لاجل حبوط اعمالكم فاللام فيه لام العاقبة فانهم لم يقصدوا بما فعلوه من رفع الصوت والجهر حبوط اعمالهم الا انه لما كان بحيث قد يؤدى الى الكفر المحبط جعل كأنه فعل لاجله فادخل عليه لام العلة تشبيها لمؤدى الفعل بالعلة الغائية وليس المراد بما نهى عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فان ذلك كفر بل ما يتوهم ان يؤدى اليه مما يجرى بينهم فى اثناء المحاورة من الرفع والجهر خلا ان رفع الصوت فوق صوته عليه السلام لما كان منكرا محضا لم يقيد بشئ يعنى ان الاستخفاف به عليه السلام كفر لا الاستخفاف بأمرهما ربما انضم الى هذا الاستخفاف قصد الاهانة به عليه السلام وعدم المبالاة وكذا ليس المراد ما يقع الرفع والجهر فى حرب او مجادلة معاند او ارهاب عدو او نحو ذلك فانه مما لا بأس به اذلا يتأذى به النبى عليه السلام فلا يتناوله النهى ففى الحديث انه قال عليه السلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين ( اصرخ بالناس ) وكان العباس اجهر الناس صوتا ( يروى ) ان غارة اتتهم يوما اى فى المدينة فصاح العباس يا صباحاه فاسقط الحوامل لشدة صوته وكان يسمع صوته من ثمانية اميال كما مر فى الفتح وعن ابن العباس رضى اللّه عنهما نزلت فى ثابت بن قيس ابن شماس وكان فى اذنه وقر وكان جهورى الصوت اى جهيره ورفيعه وربما كان يكلم رسول اللّه فيتأذى بصوته وعن انس لما نزلت الآية فقد ثابت وتفقده عليه السلام فأخبر بشأنه فدعاه عليه السلام فسأله فقال يا رسول اللّه لقد انزلت اليك هذه الآية وانه رجل جهير الصوت فأخاف ان يكون عملى قد حبط فقال عليه السلام

( لست هناك انك تعيش بخير وتموت بخير وانك من اهل الجنة ) وصدق رسول اللّه فان ثابتا مات بخير حيث قتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب وعليه درع فرآه رجل من الصحابة بعد موته فى المنام فقال له اعلم ان فلانا لرجل من المسلمين نزع درعى فذهب بها وهو فى ناحية من العسكر وعنده فرس مشدود يرعى وقد وضع على درعى برمة فائت خالد بن الوليد فأخبره حتى يسترد درعى وائت ابا بكر رضى اللّه عنه خليفة رسول اللّه وقل له ان على دينا لفلان حتى يقضى دينى وفلان من عبيدى حر فأخبر الرجل خالدا فوجد درعه والفرس على ما وصفه فاسترد الدرع واخبر خالد ابا بكر بتلك الرؤيا فاجاز ابو بكر وصيته قال مالك بن انس رضى اللّه عنه لا اعلم وصية اجيزت بعد موت صاحبها الا هذه الوصية

{ وانتم لا تشعرون } حال من فاعل تحبط اى والحال انكم لا تشعرون بحبوطها والشعور العلم والفطنة والعشر العلم الدقيق ، ودانستن از طريق حس ، وفيه مزيد تحذير لما نهوا عنه استدل الزمخشرى بالآية على ان الكبيرة تحبط الاعمال الصالحة اذ لا قائل بالفصل والجواب انه من باب التغليظ والمراد انهم لا يشعرون ان ذلك بمنزلة الكفر المحبط وليس كسائر المعاصى وايضا انه من باب ولا تكونن ظهيرا للكافرين يعنى ان المراد وهو الجهر والرفع المقرونان بالاستهانة والقصد الى التعريض بالمنافقين قال الراغب حبط العمل على ضرب احدها ان تكون الاعمال دنيوية فلا تغنى فى القيامة غناء كما اشار اليه تعالى بقوله

{ وقدمنا الى ما عملوا من عمل لجعلناه هباء منثورا } والثانى ان تكون اعمالا اخروية لكن لم يقصد صاحبها بها وجه اللّه كما روى يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له بم كان اشتغالك قال بقرآءة القرءآن فيقال له كنت تقرأ ليقال فلان قارئ وقد قيل ذلك فيومر به الى النار والثالث ان تكون اعمالا صالحة لكن بازآئها سيئات توفى عليها وذلك هو المشار اليه بخفة الميزان انتهى وحبط عمله كسمع وضرب حبطا وحبوطا بطل واحبطه اللّه ابطله كما فى القاموس وقال الراغب اصل الحبط من الحبط وهو ان تكثر الدابة من الكلأ حتى تنتفخ بطنها فلا يخرج منها شئ قال البقلى فى العرائس اعلمنا اللّه بهذا التأديب ان خاطر حبيبه من كمال لطافته ومراقبة جمال ملكوته كان يتغير من الاصوات الجهرية وذلك من غاية شغله باللّه وجمع همومه بين يدى اللّه فكان اذا جهر احد عنده يتأذى قلبه ويضيق صدره من ذلك كأنه يتقاعد سره لحظة عن السير فى ميادين الازل فخوفهم اللّه من ذلك فان تشويش خاطره عليه السلام سبب بطلان الاعمال ومن العرش الى الثرى لا يزن عند خاطره ذرة واجتماع خاطر الانبياء والاولياء فى المحبة احب الى اللّه من اعمال الثقلين وفيه حفظ الحرمة لرسول اللّه وتأديب المريدين بين يدى اولياء اللّه ، يقول الفقير ولكمال لطافته عليه السلام كان الموت عليه اشد اذ اللطيف يتأثر مما لا يتأثر الكثيف كما

قال بعضهم قد شاهدنا اقواما من عرب البوادى يسلخ الحكام جميع جلد احدهم ولا يظهر ضجرا ولو سلخ اكبر الاولياء لصاح الا ان يؤخذ عقله بمشاهدة تمنع احساسه انتهى ومن هنا عرف ان لكل من الجهر والخفاء محلا فشديد النفس له الجهر ولينه له الاخفاء كما فى حال النكر وليس كل احد صاحب مشاهد وقال سهل لا تخاطبوه الا مستفهمين ثم ان الاصحاب رضى اللّه عنهم كانوا بعد هذه الآية لا يكلمونه عليه السلام الا جهرا يقرب من السر و الهمس وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام لانه حى فى قبره وكذا القرب منه عليه السلام فى المواجهة عند السلام بحيث كان بينه وبينه عليه السلام اقل من اربعة اذرع وكره بعضهم رفع الصوت فى مجالس الفقهاء تشريفا لهم اذ هم ورثة الانبياء قال سليمان بن حرب ضحك انسان عند حماد بن زيد وهو يحدث بحديث عن رسول اللّه فغضب حماد وقال انى ارى رفع الصوت عند حديث رسول اللّه وهو ميت كرفع الصوت عنده وهو حى وقام وامتنع من الحديث ذلك اليوم وحاصله ان فيه كراهة الرفع عند الحديث وعند المحدث مع ان الضحك لا يخلو من السخرية والهزل ومجلس الجد لا يحتمل مثل ذلك ولو دخل السلف مجالس هذا الزمان من مجلس الوعظ والدرس واجتماع المولد ونحو ذلك خرجوا من ساعتهم لما رأوا من كثرة المنكرات وسوء الادب

بزركان كفته اند منترك الاداب رد عن الباب نهصد هزارساله طاعت ابليس بيك بى ادبى ضايع شد

نكاه دارادب در طريق عشق ونياز ... كه كفته اندطريقت تمام آدابست

نسأل اللّه الكريم ان يجعلنا متحلين بحلية الادب العظيم

﴿ ٢