|
١٢ { يا ايها النبى } ندآء تشريف وتعظيم { اذا جاءك المؤمنات } جون بيايند بتوزنان مؤمنة { يبايعنك } اى مبايعات لك اى قاصدات للمبايعة فهى حال مقدرة نزلت يوم الفتح فانه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال شرع فى بيعة النساء سميت البيعة لان المبايع يبيع نفسه بالجنة المبايعة مفاعلة من البيع ومن عادة الناس حين المبايعة أن يضع احد المتبايعين يده على يد الآخر لتكون معاملتهم محكمة مثبتة فسميت المعاهدة بين المعاهدين مبايعة تشبيها لها بها فى الاحكام والابرام فمبايعة الامة رسولهم التزام طاعته وبذل الوسع فى امتثال اوامره واحكامه والمعاونة له ومبايعته اياهم الوعد بالثواب وتدبير امورهم و القيام بمصالحهم فى الغلبة على اعدائهم الظاهرة والباطنة والشفاعة لهم يوم الحساب ان كانوا ثابتين على تلك المعاهدة قائمين بما هو مقتضى المواعدة كام يقال بايع الرجل السلطان اذا اوجب على نفسه الاطاعة له وبايع السلطان الرعية اذا قيل القيام بمصالحهم واوجب على نفسه حفظ نفوسهم واموالهم من ايدى الظالمين { على ان لايشركن باللّه شيأ } اى شيأ من الاشياء او شيأ من الاشتراك والظاهر ان المراد الشرك الاكبر ويجوز التعميم وللشرك الاصغر الذى هو الرياء فالمعنى الىأن لايتخذن الها غير اللّه ولا يعملن الا خالصا لوجهه مرايى هركس معبود سازد ... مرايى را زان كفتند مشرك ( قال الحافظ ) كوبيا بارونمى دارند روز داورى ... كين همه قلب ودغل دركار داور ميكنند { ولايسرقن } السرقة اخذ ماليس له اخذه فى خفاء وصار ذلك فى الشرع لتناول الشىء من موضع مخصوص وقدر مخصوص اى لايأخذن مال احد بغير حق ويكفى فى قبح السرقة ان النبى عليه السلام لعن السارق { ولايزنين } الزنى وطىء المرأة من غير عقد شرعى يقصر واذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة قال مظهر الدين الزنى فى اللغة عبارة عن المجامعة فى الفرج على وجه الحرام ويدخل فيه اللواطة واتيان الهائم تم كلامه قال عليه السلام ( يقتل الفاعل والمفعول به ) وثبت ان عليا رضى اللّه عنه احرقهما وان أبا بكر رضى اللّه عنه هدم عليهما حائطا وذلك بحسب مارأيا من المصلحة وقال عليه السلام ( معلون من أتى امرأته فى دبرها ) واما الاتيان من دبرها فى قبلها فمباح قال فى اللباب انفق المسلمون على حرمة الجماع فى زمن الحيض واخلتفوا فى وجوب الكفارة على من جامع فيه فذهب اكثرهم الى انه لاكفارة عليه فيستغفر وذهب قوم الى وجوب الكفارة عليه ثم كلامه وقال عليه السلام ( من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه ) قيل لابن عباس رضى اللّه عنهما ماشأن البهيمة قال ماسمعت فيها من رسول اللّه شيأ ولكن اكره أن يحل لحمها وينتفع بها كذلك { ولايقتلن اولادهن } أريد به وأد البنات اى دفنهن احياء خوف العار والفقر كما فى الجاهلية قال عليه اسلام ( لاتنزع الرحمة الا من شقى ) ( قال الحافظ ) هيج رحمى نه برادربه برادر ... هيج شوقى نه بدر رابه بسرمى بينم دخترا نراهمه جنكست وجدل بامادر ... بسر انرا همه بدخواه بدرمى بينم حكى ان هرون الرشيد زوج اخته من جعفر بشرط أن لايقرب منها فلم يصبر عنها فظهر حملها فدفنهما هرون حيين غضبا عليهما ويقال ولايشربن دوآء فيسقطن حملهن كما فى تفسير ابى الليث وفى نصاب الاحتساب تمنع القابلة من المعالجة لاسقاط الولد بعدما استبان خلقه وفنخ فيه الروح ومدة استبانة والنفخ بمائة وعشرين يوما واما قبله فقيل لابأس به كالعزل وقيل يكره لان مآل الماء الحياة كما اذا اتلف محرم بيضة صيد الحرم ضمن لان مآلها الحياة فلها حكم الصيد بخلاف العزل لان ماء الرجل لاينفخ فيه الروح الا بعد صنع آخر وهو الالقاء فى الرحم فلا يكون مآله الحياة ولعل اسناد الفعل الى النساء اما باعتبار الرضى به او بمباشرته بأمر زوجها { ولايأتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن } الباء للتعدية والبهتان الكذب الذى يبهت المذكوب عليه اى يدهشه ويجعله متحيرا فيكون اقبح انواع الكذبوهو فى الاصل مصدر يقال بهت زيد عمرا بهتا وبهتا وبهتانا اى قال عليه ومالم يفعله فزيد باهت وعمر ومبهوت والذى بهت به مبهوت به واذا قالت لزوجها هذا ولدى منك لصبرى التقطتة فقط بهتته به اى قالت عليه مالم يفعله جعله نفس البهتان ثم وصفه بكونه مفترى مبالغة فى وصفهن بالكذب والافترآء الاختلاق يقال فرى فلان كذبا اذا خلقه وافتراه اختلقه قوله يفترينه اما فى موضع جر على انه صفة لبهتان او نصب على انه حال من فاعل يأتين وقوله بين ايديهن متعلق بمحذوف هو حال من الضمير المنصوب فى يفترينه اى يختلقنه مقدرا وجوده بين ايديهن وارجلهن على أن يكون المراد بالبهتان الولد المبهوت به كما ذهب اليه جمهور المفسرين وليس المعنى على نهيهن عن أن يلحقن بأزواجهن ولدا التقطنه من بعض المواضع وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدى منك فى بطنى الذى بين يديى ووضعته من فرجى الذى هو بين رجلى فكنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها لان بطنها الذى تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها والمعنى ولايجئن بصبى ملتقط من غير ازواجهن فانه افترآء وبهتان لهم والبهتان من الكبائر الى تتصل بالشرك { ولا يصينك فى معروف } اى لا يخالفن امرك فيما تأمرهن به وتنهاهن عنه على ان المراد من المعروف الامور الحسنة التى عرف حسنها فى الدين فيؤمر بها والشؤون السيئة التى عرف قبحها فيه فينهى عنها كمنا قيل كل ماوافق فى طاعة اللّه فعلا او تركا فهو معروف وكما روى عن بضع اكابر المفسرين من انه هو النهى عن النياحة والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه ونثره وخمش الوجه وان تحدث المرأة الرجال الا ذا رحم محرم وان تخلو برجل غير محرم وأن تسافر الا مع ذى رحم محرم فيكون هذا للتعميم بعد التخصيص ويحتمل أن يكون المراد من المعروف مايقابل المنكر فيكون ماقبله للنهى عن المنكر وهذا للامر بالمعروف لتكون الآية جامعة لهما والتقييد بالمعروف مع ان الرسول عليه السلام لايأمر الابه للتنبيه على انه لايجوز طاعة مخلوق فى معصية الخالق لانه لما شرط ذلك فى طاعة النبى عليه السلام فيكف فى حق غيره وهو كقوله { الا ليطاع باذن اللّه } كما قال فى عين المعانى فدل على ان طاعة الولاة لاتجب فى المنكر ولم يقل ولا يعصين اللّه لان من اطاع الرسول فقد أطاع اللّه ومن عصاه فقد عصى اللّه وتخصيص الامور المعدودة بالذكر فى حقهن لكثرة وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن ووجه الترتيب بين هذه المنهيات انه قدم الا قبح علىماهو أدنى قبحا منه كذلك الى آخرها ولذا قدم ماهو الاظهر والأغلب فيما بينهن وقال صاحب اللباب ذكر اللّه تعالى فى هذه الآية لرسول اللّه عليه السلام فى صفة البيعة خصالا ستا هن اركان مانهى عنه فى الدين ولم يذكر اركان ما أمر به وهى ايضا ست الشهدة والصلاة والزكاة والصيام والحج والاغتسال من الجنابة وذلك لان النهى عنها دآئم فى كل زمان وكل حال فكان التنبيه على اشتراك الدآئم اهم وآكد { فبايعهن } جواب لاذا فهو العامل فيها فان الفاء لاتكون مانعة وهو امر من المبايعة اى فبايعهن على ماذكر وما لم يذكر لوضوح امره وظهور اصالته فى المبايعة من الصلاة والزكاة وسائر اركان الدين وشعائر الاسلام اى بايعهن اذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الاشياء فان المبايعة من جهة الرسول هو الوعد والثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته كما سبق وتقييد مبايعتهن بما ذكر من جنيئهن لحثهن على المسارعة اليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن اليها { واستغفر لهن اللّه } زيادة على مافى ضمن المبايعة من مضان الثواب والاستغفار طلب المغفرة للذنوب والستر للعيوب { ان اللّه غفور رحيم } اى مبالغ فى المغفرة والرحمة فيغفر لهن ويرحمهن اذا وفين بما بايعن عليه بزركى فرمود مردمان ميكويند رحمت موقوفست بر ايمان يعنى تابنده ايمان نيارد مستحق رحمت نشود ومن مى كويم كه ايمان موقوفست برحمت يعنى تا برحمت خود توفيق نبخشد كسى بدولت ايمان نرسد ( مصراع ) توفيق عزيزست بهركسى ندهند. يقول الفقير الامر بالاستغفار لهن اشارة الى قبول شفاعة حبيبه عليه السلام فى حقهن فهو من رحمته الواسعة وقد عمم هذا الامر فى سورة الفتح فاستفاد جميع عباده وامائه الى يوم القيامة من بحر هذا الفضل مايغنيهم ويرويهم وهو الفياض قال الامام الطيبى لعل المبالغة فى الغفور باعتبار الكيفية وفى الغفار باعتبار الكمية كما قال بعض الصالحين انه غافر لانه يزيل معصيتك من ديوانك وغفور لانه ينسى الملائكة افعالك السوء وغفار لانه تعالى ينسيك ايضا ذنبك كما تستحيى وحظ العارف منه أن يستر من اخيه مايجب ان يستر منه ولا يفشى منه الا احسن ما كان فيه ويتجاوز عما يندر عنه يكافىء المسيىء اليه بالصفح عنه والانعام عليه نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا متخلقين باخلاقه الكريمة ومتصفين بصفاته العظيمة انه هو الغفور الرحيم واختلف فى كيفية مبايعته عليه السلام فى بيعة النساء ودعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس ايديهن فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان متنقبة متنكرة خوفا من رسول اللّه أن يعرفها لما صنعته بحمزة رضى اللّه عنه يوم احد من المثلة فلما قال عليه السلام ( ابايعكن على أن لاتشركن باللّه شيأ ) رفعت هند رأسها فقالت واللّه لقد عبدنا الاصنام وانك لتأخذ علينا امرا مارأيناك اخذته على الرجال تبايع الرجال على الاسلام والجهاد فلما قال عليه السلام ( ولا يسرقن ) قالت ان ابا سفيان رجل شحيح وانى اصبت منه ماله هنات اى شيأ يسيرا فما أدرى ايحل لى فقال ابو سفيان ماصبت فهو لك حلال فضحك عليه السلام وقالت ( أنت هند ) قالت نعم فاعف عما سلف يانبى اللّه عفا اللّه عنك فعفا عنها فقال ( ولايزنين ) فقالت وهل تزنى الحرة فقال عمر رضى اللّه عنه لو كان قلب نساء العرب على قلب هند مازنت امرأة قط فقال ( ولايقتلن اولادهن ) فقالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فانتم وهم اعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول اللّه فقال ( ولا يأتين ببهتان ) فقالت واللّه ان البهتان لامر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق فقال ( ولا يعصينك فى معروف ) فقالت واللّه ماجلسنا مجلسنا هذا وفى انفسان أن نعصيك فى شىء ( وروى ) انه عليه السلام بايعهن وبين يديه وايديهن ثوب قطرى والقطر بالكسر ضرب من البرود يأخذ بطرف منه ويأخذن بالطرف الآخر توقيا عن مساس ايدى الاجنبيات ( وروى ) انه جلس على الصفا ومعه عمر رضى اللّه عنه اسفل منه فجعل عليه السلام يشترط عليهن البيعة وعمر تصافحهن ( وروى ) ان عمر رضى اللّه عنه كان يبايع النساء بامره عليه السلام ويبلغهن عنه وهو اسفل منه عند الصفا ( وروى ) انه عليه لسلام كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعهن وهى امية اخت خديجة رضى اللّه عنها خالة فاطمة رضى اللّه عنها والاظهر والاشهر ماقالت عائشة رضى اللّه عنها واللّه ماخذ رسول اللّه على النساء قط الا بما امر اللّه ومامست كف رسول اللّه كف امرأة قط وكان يقول ( اذا اخذ عليهن قد بايعتك على كلها ) وكان المؤمنات اذا هاجرن الى رسول اللّه يمتحنهن بقول اللّه { يا أيها النبى اذا جاءك المؤمنات } الخ فاذا اقررن بذلك من قولهن قال لهن ( انطلقن فقد بايعتكن ). يقول الفقير انما بايع عليه السلام الرجال مع مس الأيدى دون النساء لان مقام الشارع يقتضى الاحتياط وتعليم الامة والا فاذا جاز مصافحة عمر رضى اللّه عنه لهن كما فى بعض الروايات جاز مصافحته عليه السلام لهن لانه اعلى حالا من عمر من كل وجه وبالجملة كانت البيعة مع النساء والرجال امرا مشروعا بأمر الل وسنته بفعل رسول اللّه ومن ذلك كانت عادة مستحسنة بين الفقراء الصوفية حين ارادة التوبة تثبيتا للايمان وتجديدا لنور الايقان على ماشبعت الكلام عليه فى المبايعة فى سورة الفتح وذكرنا كل طرف منها فيها فارجع وفى التأويلات النجمية قوله تعالى { يا أيها النبى اذا جاءك } الخ يخاطب نبى الروح ويشير الى النفوس المؤمنة الداخلة تحت شريعة نبى الروح يبايعنك على أن لايشركن باللّه شيئأ من حب الدنيا وشهواتها ولذاتها وزينتها وزخارفها ولايسرقن من اخلاق الهوى المتبع وصفاته الرديئة ولايزنين اى مع الهوى بالاتفاق معه والاتباع له ولا يقتلن اولادهن اى لايمنعن ولا يرددن اولاد الخواطر الروحانية والالهامات الربانية ولا يأتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن يعنى لايدعين بما لم يحصل لهن من المواهب العلوية من المشاهدات والمعاينات والتجريد والتفريد ولا من العطايا السفلية من الزهد والورع والتوكل والتسليم لانهن مابلغن بعد اليها ولا يعصينك فى معروف اى فى كل ما تأمرهن من الاخلاق والاوصاف فبايعهن اى فاقبل مبايعتهن بين يديك بالصدق والاخلاص واستغفر لهن اللّه مما وقع منهن قبل دخولهن فى ظل انوارك من المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية ان اللّه غفور يسترها بالموافقات الشرعية رحيم بهن يرحمهن بالمخالفات الطبيعية |
﴿ ١٢ ﴾