٧

قوله تعالى { ختم اللّه على قلوبهم } قال ابن عباس رضي اللّه عنهما يعني طبع اللّه ومعنى الختم على القلوب ليس أنه يذهب بعقولهم ولكنهم لا يتفكرون فيعتبرون بعلامات نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فيؤمنون { وعلى سمعهم } يعني لا يسمعون الحق { وعلى أبصارهم غشاوة } يعني غطاء فلا يبصرون الهدى واتفقت الأئمة السبعة على رفع الهاء { غشاوة } وقرأ بعضهم بنصب الهاء { غشاوة } وهي قراءة شاذة

فأما من قرأ برفع الهاء فهو على معنى الابتداء يعني ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم ثم ابتدأ فقال { وعلى أبصارهم غشاوة } وأما من قرأ بالنصب فيكون الجعل فيه مضمرا يعني جعل على أبصارهم غشاوة فقد ذكر في شأن المؤمنين ثوابهم في الدنيا الهدى وفي الآخرة الفلاح وذكر في شأن الكفار عقوبتهم في الدنيا الختم وفي الآخرة كما

قال تعالى { ولهم عذاب عظيم } يعني عذابا وجيعا يخلص وجعه إلى قلوبهم

قال الفقيه رحمه اللّه وفي الآية إشكال في موضعين أحدهما في اللفظ والآخر في المعنى فأما في اللفظ قال { ختم اللّه على قلوبهم } ذكر جماعة القلوب

ثم قال { وعلى سمعهم } ذكر بلفظ الوحدان

ثم قال { وعلى أبصارهم } ذكر بلفظ الجمع فجوابه أن السمع مصدر والمصدر لا يثنى ولا يجمع فلهذا ذكر بلفظ الوحدان واللّه أعلم

وقد قيل { وعلى سمعهم } يعني موضع سمعهم لأن السمع لا يختم وإنما يختم موضعه

وقد قيل إن الإضافة إلى الجماعة تغني عن لفظ الجماعة لأنه قال { وعلى سمعهم } فقد أضاف إلى الجماعة والشيء إذا أضيف إلى الجماعة مرة يذكر بلفظ الجماعة ومرة يذكر بلفظ الوحدان فلو ذكر القلوب والأبصار بلفظ الوحدان لكان سديدا في اللغة فذكر البعض بلفظ الوحدان وذكر البعض بلفظ الجماعة وهذه علامة الفصاحة لأن كتاب اللّه تعالى أفصح الكلام

وأما الإشكال الذي في المعنى أن يقال إذا ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون العقوبة والجواب عن هذا أن يقال إن ختم اللّه مجازاة لكفرهم كما قال فى آية أخرى { بل طبع اللّه عليها بكفرهم } النساء١٥٥ لأن اللّه تعالى قد يسر عليهم السبيل فلو جاهدوا لوفقهم كما قال في آية أخرى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت ٦٩ فلما لم يجاهدوا واختاروا الكفر عاقبهم اللّه تعالى في الدنيا بالختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وفي الآخرة بالعذاب العظيم

وروي عن مجاهد أنه قال من أول سورة البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين

وروي عن مقاتل أنه قال آيتان من أول السورة في نعت المؤمنين المهاجرين وآيتان في نعت مؤمني أهل الكتاب وآيتان في نعت الكفار وثلاث عشرة آية في نعت المؤمنين غير المهاجرين وآيتان في نعت المنافقين من قوله { ومن الناس } إلى قوله { إن اللّه على كل شيء قدير }

﴿ ٧